اجتماعات سرية في البيت الأبيض لمناقشة تهديد «القاعدة» في شمال أفريقيا

واشنطن تدرس استعمال «درون» في مالي وغيرها

TT

لأول مرة، عقدت اجتماعات سرية في البيت الأبيض لمناقشة استعمال طائرات «درون» (من دون طيار) لضرب عناصر «القاعدة» في شمال أفريقيا والدول الصحراوية. بدأت الاجتماعات بعد تفاقم الوضع في مالي، حيث سيطر مقاتلون إسلاميون يؤيدون «القاعدة» على جزء كبير من البلاد، وهددوا بالانتقال إلى دول أخرى مجاورة. وتطورت الاجتماعات بعد الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، في ليبيا، الذي قتل روبرت ستيفنز، السفير الأميركي لدى ليبيا، وثلاثة من مرافقيه. وكان البيت الأبيض قال مؤخرا إن الهجوم له صلة بمنظمة القاعدة.

وقالت مصادر أميركية إن اجتماعات البيت الأبيض ناقشت إمكانية تأسيس قواعد لطائرات «درون» في دول «صديقة» في شمال أفريقيا. لكن استبعدت الاجتماعات ذلك بسبب النفوذ الإسلامي في تونس وليبيا، وبسبب توقع أن ترفض الجزائر والمغرب الطلب الأميركي. وركزت الاجتماعات على استعمال قواعد في دول أفريقية مثل إثيوبيا وبوركينا فاسو.

وحسب تصريحات مسؤول أميركي اشترك في الاجتماعات لصحيفة «واشنطن بوست»، ناقشت الاجتماعات ضرب عناصر «القاعدة» بالتعاون مع حكومات المنطقة، أو استعمال طائرات «درون» في عمليات أميركية مباشرة ومنفردة.

وقال المسؤول: «لا نقدر الآن على القيام بالكثير حول هذا الموضوع. نحن ندرس هل يمكننا أو لا يمكننا» استعمال طائرات «درون».

وأضاف: «هل يجب أن نتعظ، وأن نقارن بين وجود منظمة القاعدة في شبه الجزيرة العربية (إيه كيو آي بي) في اليمن، ووجود منظمة القاعدة في المغرب (إيه كيو آي إم)؟». هذه إشارة إلى أن الولايات المتحدة تجاهلت، لسنوات كثيرة، خطورة منظمة القاعدة في اليمن، وأنها لم تهتم إلا بعد اكتشاف محاولة تفجير النيجري عمر الفاروق عبد المطلب لطائرة أميركية في ديترويت، قبل ثلاث سنوات، في تنسيق مع منظمة القاعدة في اليمن.

وقال المسؤولون الأميركيون إن المناقشات ركزت على سبل مساعدة الجيوش الإقليمية في مواجهة «القاعدة»، لكنها حاولت استكشاف إمكانية التدخل الأميركي المباشر في حال لم يتم ردع الجماعة الإرهابية.

وقال مسؤول مكافحة الإرهاب شارك في المحادثات: «لسنا في موقف يسمح لنا بالقيام بالكثير في الوقت الراهن». وأوضح أنه نتيجة لذلك، بدأ المسؤولون في دراسة الحالات الطارئة، بما في ذلك «هل ننشر طائرات من دون طيار أم لا؟».

وكان الجنرال كارتر هام، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، نفى يوم الجمعة، خلال زيارته للمغرب نية «تدخل عسكري أميركي مباشر»، غير أنه لم ينف تدخلا عسكريا أميركيا مشتركا مع قوات دول المنطقة، أو أفريقيا بدعم معلوماتي واستخباراتي وعتادي أميركي، أو أميركيا بالتعاون مع دول حلف الناتو. خاصة بسبب صلة القيادة الأفريقية في ألمانيا برئاسة حلف الناتو في بلجيكا.

وكان الجنرال هام قال، خلال زيارة إلى السنغال في الصيف، إن الولايات المتحدة ودول في المنطقة، مثل مالي، «لم تتحرك لضرب (القاعدة في المغرب) عندما كانت المنظمة ضعيفة»، ووصف المنظمة بأنها «أكثر تمويلا، وأكثر ثروة، بسبب خطفها أجانب وإطلاق سراحهم مقابل رشى كبيرة، وأيضا بسبب التهريب الذي تمارسه».

وكانت مصادر إخبارية أميركية قالت، في الشهر الماضي، إن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بالتعاون مع القوات الأميركية الخاصة (سبيشال فورسيز) تقوم بعمليات تجسس وجمع معلومات في مالي والدول المجاورة المعروفة بدول منطقة الساحل، وإن مسؤولين في الوكالة والقوات الخاصة زاروا عددا من هذه الدول.

وكان الجنرال هام زار مؤخرا إثيوبيا حيث قاعدة إطلاق طائرات «درون» التي تستعمل في مطاردة المقاتلين الإسلاميين في الصومال وفي دول مجاورة. وزادت عمليات هذه الطائرات خلال الحرب الحالية ضد مقاتلي منظمة الشباب الإسلامية المتطرفة.

وقالت مصادر أميركية إنه يتوقع أن تنطلق هذه الطائرات من قاعدة في بوركينا فاسو، أو من إثيوبيا إذا تقرر استعمالها في مالي. وذلك لأن الجنرال هام، والذين سبقوه، فشلوا في إقناع دول هامة مجاورة، مثل نيجيريا، لتأسيس قاعدة لهذه الطائرات في أراضيها. كما أن الحكومات العربية في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب لا يتوقع أن توافق على إقامة قواعد لطائرات «درون».

ويعكس ازدياد النشاط الأميركي إعادة تقييم لجماعة إرهابية طالما اعتبرت واحدة من أضعف فروع تنظيم القاعدة. نشأت «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» إبان التمرد في الجزائر، وكانت تعرف على الأغلب بأنها وباء محلي تستخدم عمليات الخطف وجرائم أخرى لدعم جهودها لتطبيق الشريعة الإسلامية.

تغير هذا التعريف في العام الماضي بشكل كبير نتيجة قدرة المجموعة على استغلال الفوضى السياسية الإقليمية، فقد أدى انقلاب مالي إلى تقسيم الدولة غير الساحلية، ما مكن غير جماعة القاعدة في بلاد المغرب والتنظيمات المتمردة الأخرى من السيطرة على المدن في المناطق الشمالية من مالي، بما في ذلك غاو وتمبكتو.

في الوقت ذاته أدت الإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي في ليبيا إلى هجرة المرتزقة الأفارقة وأسلحتهم إلى الدول التي تتمركز فيها عناصر «القاعدة». وقد وصفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هذه الارتفاع بتعبيرات صارخة في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

وقالت المصادر إن الاهتمام الأميركي زاد بعد احتلال المقاتلين الإسلاميين في مالي شمال البلاد، ومدنا هامة مثل تمبكتو. وبعد التأكد من تهريب أسلحة إلى هؤلاء المقاتلين وإلى غيرهم من ليبيا، بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي.

وكانت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، أشارت إلى تفاقم الوضع هناك بعد لقاءات عدد من قادة دول المنطقة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وقالت: «مع المزيد من الحرية للمناورة، يسعى الإرهابيون إلى توسيع نطاقها وشبكاتها في اتجاهات متعددة. (نحن نعمل على) مضاعفة جهودنا في مكافحة الإرهاب الذي يهدد المنطقة بأسرها، والعالم».

وكانت الخارجية الأميركية أعلنت منع إرسال الأسلحة إلى مالي، خوفا من وقوعها في أيدي المقاتلين الإسلاميين هناك. لكن، يواصل البنتاغون إرسال مساعدات عسكرية إلى الدول المجاورة، مثل موريتانيا (بقيمة سبعة ملايين دولار) والنيجر (بقيمة أحد عشر مليون دولار)، ومعظمها أجهزة اتصالات وطائرات «سسنا» عسكرية لمراقبة تحركات المقاتلين، ولنقل الجنود. في الصيف، كانت القيادة الأميركية - الأفريقية اشتركت في مناورات عسكرية مع السنغال، وبوركينا فاسو، وغينيا، وغامبيا. واشتركت في المناورات أيضا قوات فرنسية.