تخوفات حقوقية من التوسع في محاكمات المواطنين بتهمة «ازدراء الأديان»

مركز حقوقي: الدستور الجديد يكرس للدولة الدينية

TT

وسط مناخ سياسي صاخب، عبرت منظمات حقوقية مصرية عن «تخوفها» مما اعتبرته توسعا في محاكمات المواطنين بتهمة «ازدراء الأديان»، خاصة مع تزايد أعداد من تمت إحالتهم للمحاكمة أو خضعوا للتحقيق في هذه النوعية من القضايا، بينما حذرت منظمات أخرى صراحة مما وصفته بـ«التوجه المعادي للحريات» الذي تنتهجه الجمعية التأسيسية للدستور المنوط بها إعداد دستور جديد للبلاد.

وأعربت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، أمس، عن قلقها مما وصفته بـ«تصاعد وتيرة الاعتداء على حرية التعبير والاعتقاد»، من خلال توجيه تهم ازدراء الأديان للمواطنين والمدونين والنشطاء من قبل النيابة العامة، على خلفية بلاغات يتقدم بها آخرون، وذلك بشكل ملحوظ بعد أزمة الفيلم المسيء للرسول الذي نشرت مقاطع منه على موقع الـ«يوتيوب» في وقت سابق.

وقالت في بيان لها، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «لاحظنا توجها عاما من قبل أجهزة الدولة المصرية في الآونة الأخيرة، وخصوصا عقب الفيلم المسيء للرسول، للتوسع في مفهوم المادة 98 من قانون العقوبات التي تعاقب على تهمة ازدراء الأديان، وهو ما يصيبنا بالقلق الشديد على مستقبل حرية التعبير، واستخدام الدولة لتلك المادة لتكميم أفواه المختلفين معها في الرأي».

ويقول معارضون لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور إن تشكيلها غير متوازن، ويهيمن عليها تيار الإسلام السياسي. وكان البرلمان بغرفتيه قد انتخب أعضاء الجمعية للمرة الثانية قبل نحو 5 أشهر.

وقال مدير وحدة البحث بـ«الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، تامر موافي، لـ«الشرق الأوسط»، إن منظمته «تعد حاليا تقريرا تفصيليا حول مواد قانون العقوبات التي يتم استخدامها ضد حرية الرأي والتعبير للمطالبة بتغييرها، ومنها المادة الخاصة بازدراء الأديان التي تعتبر مطاطية تخضع للكثير من التفسيرات، ويمكن لأي شخص أن يفسرها كما يشاء».

وأضاف: «السبب في الزيادة الواضحة في عدد الأشخاص الذين يحاكمون أو خضعوا للتحقيق بتهمة ازدراء الأديان مؤخرا، هو عدم وضوح المواد القانونية، والحل في وجود تشريع يعاقب على خطاب الكراهية، وخاصة إذا حضت على العنف أو ارتبطت بجرائم السب والقذف في حق أي طائفة دينية». وشهدت مصر تصاعدا وزيادة عددية كبيرة في الأشخاص الذين تمت محاكمتهم أو خضعوا للتحقيق في قضايا تتعلق بازدراء الأديان، كلها قضايا يحاكم فيها مسيحيون بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، عدا قضية واحدة يحاكم فيها مسلم وهي قضية رئيس قناة «الأمة» الثقافية أحمد محمد محمود عبد الله الشهير بالشيخ أبو إسلام، الذي يحاكم بتهمة تمزيق الإنجيل خلال الاحتجاجات على الفيلم المسيء أمام السفارة الأميركية الشهر الماضي.

ومن جانب آخر، تصاعدت حدة الجدل حول الدستور الجديد الذي تجري صياغته حاليا، وأعرب «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» عن رفضه للفلسفة والرؤية التي تعبر عنها الصياغات التي انتهت إليها الجمعية التأسيسية في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة وباب المقومات الأساسية للدولة.

وقال المركز في بيان له أمس إن «الدستور يتجه إلى تقييد الحريات العامة، والانتقاص من حقوق الإنسان، هذا فضلا عن عدم استيعاب نصوصه لمفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة، والسعي لتأسيس دولة دينية تتبنى في دستورها مذهبا بعينه يمنح المؤسسة الدينية سلطات ذات طبيعة سياسية، وتقوم الدولة الدينية بالأساس على تقييد الحريات العامة والخاصة». وأضاف البيان الذي حمل عنوان «دسترة الدولة الدينية في مصر.. الدستور الجديد يقيد الحريات العامة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني.. مطلوب دستور يحمي الحرية لا المرعوبين من الحرية»: «كما يلاحظ تبني الجمعية التأسيسية لمواد تسمح بتعدد النظم القانونية التي تؤطر شؤون المصريين، وذلك انطلاقا من اعتبارات دينية وطائفية، وهي خطوة خطيرة في اتجاه (لبننة) البلاد (في إشارة إلى دولة لبنان)، وتحويلها لدولة طائفية».

وقال البيان إن «إحدى كبرى الإساءات التي يمكن أن تلحقها الجمعية التأسيسية بالمصريين، هي تبرير التراجع المريع في دستورهم، باعتباره معبرا عن (ثقافة المصريين)، إن القائلين بذلك ربما لم تتح لهم الفرصة لتذوق واستيعاب مدى خصوبة وثراء الثقافات الفرعونية والنوبية والقبطية والعربية والإسلامية، ومساهماتها عبر التاريخ في تكوين ثقافة ووجدان المصريين المعاصرين».

وأضاف أن «المصريين بحاجة إلى دستور يرتفع إلى مستوى ثراء ثقافاتهم وحضاراتهم عبر التاريخ، ولا يهبط بهم إلى حضيض التخلف والاستبداد، ويقوض التماسك الوطني ووحدة البلاد. إن المصريين بحاجة لدستور يصون كرامة المواطن وحقوقه وحرياته الأساسية، ولا يهدر التضحيات النفيسة التي بذلها الشعب المصري في سبيل الانعتاق من الاستبداد والتمتع بحقوق الإنسان وبالحرية؛ دستور يحمي الحرية لا أن يحمي المرعوبين من الحرية».

إلى ذلك قررت النيابة العامة في محافظة بني سويف (صعيد مصر) أمس توقيف طفلين مصريين قبطيين وإيداعهما دارا لاحتجاز الأحداث لمدة أسبوع على ذمة التحقيق في الاتهام الموجه إليهما بازدراء الأديان، بحسب ما أفاد مصدر قضائي. وقال المصدر إن الطفلين، نبيل ناجي رزق (10 سنوات) ومينا نادي فرج (9 سنوات) أودعا مركزا لاحتجاز الأحداث لمدة أسبوع بناء على قرار من النيابة على ذمة التحقيق في شكوى تقدم بها أهالي قرية «عزبة ماركو» في محافظة بني سويف (180 كيلومترا جنوب القاهرة) تتهمهما بازدراء الدين الإسلامي لقيامهما بالتبول علنا على أوراق كانت تحوي آيات قرآنية. وهذه أول مرة يتهم أطفال بازدراء أديان في مصر. ويأتي احتجاز الطفلين القبطيين في ظل تصاعد مناخ الاحتقان الطائفي في مصر خلال الأسابيع الأخيرة بسبب الفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أنتجه مصري قبطي متشدد مهاجر إلى الولايات المتحدة.