حوادث السير تحصد أعدادا مخيفة من تلاميذ الهند

غياب القوانين الرادعة وتدهور الطرق والتهاون في إجراءات السلامة أهم أسباب الظاهرة

قتل تلميذ وجرح 52 آخرون عند سقوط حافلتهم في ممر ضيق بولاية كشمير في يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

غادر الطفل جابنيت سينغ الذي لم يتجاوز عامه الرابع منزله باتجاه المدرسة بعدما ارتدى، تحت إشراف والده، زيه المدرسي بكل أناقة استعدادا للحفل التصوير السنوي، وعندما وصل الطفل إلى المدرسة ابتسم بخجل أمام الكاميرا، لكنه لم يعد لمنزله مرة أخرى.

وعندما وصل جد جابنيت بعد ظهر ذلك اليوم ليصطحب حفيده إلى محطة الحافلات، وجده ملقى على جانب الطريق في بركة من الدماء وكتبه متناثرة على الأرض وشقيقه بارميت راكعا على قدميه ويهز جثة أخيه ويدعوه بكنيته قائلا: «انهض عزيزي انهض».

أصبح هذا المشهد مألوفا للغاية في الهند، التي أصبحت تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد ضحايا حوادث الطرق، ومن ضمنهم عدد مذهل من أطفال المدارس. وتشهد الهند حوادث مروعة للحافلات المدرسية بصورة منتظمة ومخيفة، فقد توفي ما لا يقل عن 14 طالبا، وأصيب 21 آخرون في شهر مارس (آذار) الماضي عندما هوت حافلة مدرسية في قناة مائية بولاية أندرا براديش الجنوبية. وفي شهر يوليو (تموز) الماضي لقي طالب حتفه وأصيب العشرات عندما سقطت حافلتهم في ممر ضيق بولاية كشمير. وغالبا ما تشبه هذه الحوادث تلك الحادثة التي قتل فيها جابنيت، الذي خرج من الحافلة وسقط تحت عجلاتها.

ويعزو الخبراء هذا العدد الهائل من الحوادث إلى مجموعة من الأسباب، بينها الطرق السيئة وحركة المرور الفوضوية والإجراءات الوقائية التي لا تتبع والتدريب السيئ لسائقي الحافلات وغياب الإرادة السياسية اللازمة لوضع حد لهذه المشكلة. ويقول محللون إن الشعب الهندي لم ينتفض ويطالب بخدمات أكثر أمانا وسلامة. ويقول هارمان سيدو، وهو رئيس مجموعة «أريفسيف» غير الربحية التي تركز على تحسين عوامل السلامة والأمان على الطرق في الهند: «لا يوجد هناك غضب شعبي، ويتم قبول ذلك كجزء من حوادث الطرق في الهند».

وفي أي مدينة أو قرية هندية، يمكن رؤية تلاميذ المدارس وهم يحملون حقائبهم الثقيلة التي تحني ظهورهم ويرتدون زيا موحدا ويركضون بين السيارات وهم متوجهون إلى المدرسة أو عائدون منها أو في طريقهم لمحطة الحافلات. وقد ارتفع عدد طلاب المدارس بشكل مذهل في الهند التي يشهد اقتصادها نموا ملحوظا، ويكفي أن تعرف أن عدد تلاميذ المدارس الابتدائية وحدها قد زاد بنحو 34 مليون طفل خلال السنوات الثماني الماضية، ولكن عدد المركبات على الطرق الهندية قد زاد هو الآخر بشكل أكبر وارتفع بنحو 74 مليون سيارة خلال نفس الفترة، وشهد العام الماضي وحده زيادة عدد السيارات في الهند بنحو 14 مليون سيارة.

وارتفع عدد حوادث الطرق نتيجة لزيادة عدد تلاميذ المدارس وعدد السيارات. وفي الحقيقة، لا توجد إحصائيات دقيقة بشأن حوادث حافلات المدارس أو الوفيات الناجمة عنها، ولكن الأمر المؤكد هو أن عدد ضحايا حوادث الطرق قد قفز بصورة كبيرة خلال العقد الماضي. ولقي ما يقرب من 134000 هندي مصرعهم في حوادث طرق عام 2010. حسب الإحصائيات الحكومية التي لم تصدر منذ ذلك العام.

وتنطوي الرحلة إلى المدرسة على الكثير من المخاطر بالنسبة للكثير من الأطفال، نظرا للتخطيط السيئ للطرق التي نادرا ما يتم صيانتها، علاوة على أن الطرق الممهدة لا تتعدى 50% من إجمالي الطرق في الهند، وغالبا ما يفتقر الكثير من السائقين للتدريب اللازم ويسيرون بتهور شديد في الشوارع التي تعاني من الاختناقات المرورية. ولا توجد هناك أماكن خاصة بالمشاة أو علامات على الطرق أو أرصفة.

كانت الهند قد سنت أول قانون ينظم سلامة الحافلات المدرسية منذ 15 عاما، بعدما أصدرت المحكمة العليا حكما، ضمن مجموعة من المبادئ التوجيهية الأخرى، يلزم الحافلات المدرسية بوجود أبواب يمكن فتحها وغلقها، وجهاز ميكانيكي للحد من سرعة الحافلة ومحصل تذاكر مؤهل وسائق من ذوي الخبرة ويحترم القوانين.

وقال ماهيش تشاندر ميهتا، وهو المحامي الذي رفع القضية التي أدت إلى صدور هذا الحكم: «أصبح الأمر يتعلق بتنفيذ القوانين الآن»، مشيرا إلى أنه كثيرا ما يتم تجاهل هذه القوانين. وأضاف ميهتا: «القوانين موجودة، ولكن هناك حالة من غياب الوعي في جميع أنحاء البلاد».

ومن جهتها، قالت أميتا مولا واتال، وهي نائبة مديرة ائتلاف مؤتمر المدارس التقدمي الوطني الذي يضم 130 مدرسة، إن السبب وراء عدم الالتزام بالقوانين يعود إلى عدم وجود عقاب رادع بعد وقوع مثل هذه الحوادث، مضيفة: «أنا متأكدة من أن مئات، بل آلاف، المدارس لا تلتزم بتلك القوانين والمبادئ التوجيهية». وأشارت واتال إلى أن هناك حاجة ماسة إلى قواعد أكثر صرامة للحد من ظاهرة تكدس الحافلات المدرسية التي تحمل أكثر من حمولتها بنحو 50%. وقالت واتال إن مشغلي الحافلات يقومون بذلك من أجل توفير المال، مضيفة: «ينبغي معالجة هذه المشكلة السخيفة والمثيرة للسخرية».

ويؤكد خبراء السلامة والأمن أن هناك حاجة ماسة إلى تدخل حكومي لحل هذه المشكلة، ولكنهم شددوا على أن المدارس تتحمل جزءا من المسؤولية ويتعين عليها أن تتعامل مع قضايا السلامة والأمان على محمل الجد. يذكر أن الكثير من المدارس تحصل على رسوم انتقال التلاميذ من أولياء أمورهم ثم تتعاقد مع مشغلي حافلات خاصة لتقديم تلك الخدمة. وقال سيدو، رئيس مجموعة «أريفسيف»: «في حال وجود حادث، تلقي المدرسة بالمسؤولية على سائق أو مالك الحافلة، وتتهرب من المسؤولية».

وخلال العام الجاري، قدم مسؤولون في ولاية مهاراشترا الغربية بعض التدابير لمعالجة حوادث الطرق، وطالبت المقترحات الجديدة بتشديد القواعد المنظمة لمنح التراخيص للمشغلين، وتغيير الحافلات القديمة وتنفيذ القوانين بشكل صارم لضمان تركيب الأجهزة التي تحد من السرعة. وردا على ذلك، اشتكى أصحاب الحافلات المدرسية من ارتفاع التكاليف ووصفوا التدابير بأنها غير عملية، ونظموا إضرابا.

وعلاوة على ذلك، فإن حافلات المدارس ليست سوى جزء من شبكة النقل التي يلجأ إليها الطلاب، ففي منطقة نيودلهي وحدها، يلجأ عدة آلاف من الطلاب إلى الشاحنات الصغيرة، التي يشار إليها مجازا باسم «سيارات الأجرة»، في حين يعتمد طلاب آخرون على «التوك توك» المنتشر في الهند والذي لا يوجد به أبواب، وغالبا ما يسقط الأطفال من جانبيه.

وقال أرفيندر سينغ، وهو والد الطفل جابنيت الذي لقي حتفه، إنه كان يعتقد أن الحافلة المدرسية أكثر أمنا من سيارات الأجرة أو «التوك توك»، ولكن المدارس والمسؤولين الحكوميين لا يبالون بما يحدث. وقال سينغ في الذكرى الأولى لوفاة نجله الشهر الماضي: «لقد سلمتهم ابني بكل ثقة، وكنت أعتقد أنهم سيحافظون على سلامته وأمنه».

وقد تم إلقاء القبض على سائق الحافلة، ويتم نظر القضية في المحكمة الآن. وقال سينغ إن المدرسة عرضت عليه 5400 دولار، ولكنه رفض الحصول على هذا المبلغ، وقال: إنه لا يريد سوى العدالة. وأضاف سينغ، الذي يخطط لإنشاء مجموعة غير ربحية للمحافظة على سلامة الطفل: «لقد فقدت فلذة كبدي وأعرف أنه لن يعود إلي مرة أخرى، ولكني لا أريد أن أرى الآخرين يعانون كما أعاني».

* خدمة «نيويورك تايمز»