الشرطة المصرية لم تتجاوز ماضيها بعد الثورة

بحسب منظمات حقوقية و«العفو الدولية» عن الانتهاكات

TT

أثارت واقعتا وفاة بقسم شرطة مصري الشهر الماضي مخاوف من عدم خروج الدولة من جلباب ماضيها القمعي.

تمثلت الواقعة الأولى في مداهمة قوات الشرطة مقاهي في ميت غمر، المدينة الصناعية الواقعة في دلتا النيل، على حد قول نشطاء في حقوق الإنسان. وخلال عملية بحث شرسة عن أفراد خارجين على القانون، بحسب النشطاء، ضرب رجال الشرطة صاحب أحد المقاهي، مما أدى لتوجه الموجودين فيه، بمن فيهم عاطف المنسي، لقسم الشرطة للتقدم بشكوى.

تم احتجاز المنسي (47 عاما) وضربه ضربا مبرحا في قسم الشرطة وسرعان ما وافته المنية، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي جماعة حقوقية أجرت تحقيقا بشأن الهجوم. ونتيجة احتشاد جموع غاضبة بقسم الشرطة، صوب ضباط الشرطة نيرانهم عليهم، مما أودى بحياة شخص آخر، يدعى سيد عادل (27 عاما).

وقد أثارت واقعتا الوفاة في ميت غمر وتقارير أخرى تفيد بانتهاكات من جانب الشرطة مخاوف من اكتفاء الحكومة الجديدة في مصر بإعادة منظومة شرطة لم يتم إصلاحها والتي ستستمر بدورها في انتهاج الأساليب القمعية القديمة، أملا في ملء الفراغ الأمني الذي خلفته الثورة التي اندلعت العام الماضي.

وذكر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية يوم الثلاثاء أنه فيما أجريت تغييرات شكلية لقوات الأمن إبان المرحلة الانتقالية، فإنه لم تبذل أي جهود تهدف إلى المحاسبة على الانتهاكات والتجاوزات السابقة أو تأهيل الضباط للحقبة الجديدة. جاء في التقرير: «لم تتخذ السلطات أية خطوات بارزة في سبيل كبح جماح الشرطة».

واستكمل التقرير: «بعد قرابة عامين من اندلاع ثورة 25 يناير، يعتقد كثيرون أن رجال الشرطة الذين تمت إدانتهم بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ما زالوا في مواقع وظيفية تسمح لهم بتكرار تلك الانتهاكات، أو في بعض الحالات، تمت ترقيتهم». وقال كريم مدحت إنارة، الباحث في قضايا العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن مشكلة انتهاكات الشرطة قد تفاقمت، إذ يبدو الضباط راغبين في إعادة فرض سلطتهم التي تواجه تحدي زيادة درجة تمكين المواطنين. وأضاف إنارة: «لقد زادت وحشية الشرطة مؤخرا لتزداد معها سرعة استجابة المجتمع». وأضاف: عندما «تعترض الشرطة أية مقاومة، تصبح أكثر عنفا. إنهم في وضع الدفاع عن النفس ويشعرون بأنهم على حافة الهاوية». وكانت انتهاكات قوات الأمن إحدى الشكاوى الرئيسية للمتظاهرين الذين خلعوا الرئيس السابق حسني مبارك. فبالنسبة لكثيرين منهم، كان مقتل شاب يدعى خالد سعيد، الذي تعرض لضرب وحشي من قبل ضباط الشرطة في وضح النهار أفضى لوفاته قبل ستة أشهر من اندلاع الثورة، تجسيدا لثقافة الحصانة التي تمتعت بها قوات الأمن.

ومع تولي جماعة الإخوان المسلمين - تلك الجماعة التي تحملت وطأة قمع النظام على مدى عقود - مقاليد السلطة في مصر، افترض كثير من النشطاء الحقوقيين أن إصلاح المنظومة الأمنية سيشكل أولوية بالنسبة للنظام الجديد.

إلا أنه وعلى الرغم من الوعود، لم يظهر سوى قليل من الأدلة على مثل هذه الإصلاحات، بحسب جماعات حقوقية. فقد قام الرئيس محمد مرسي بتعيين ضابط شرطة وزيرا للداخلية، التي تشرف على وحدات أدينت بانتهاكات.

منذ جلوس مرسي على مقعد الرئاسة في يوم 30 يونيو (حزيران)، استمرت انتهاكات الشرطة لحقوق الإنسان، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية. ومؤخرا، قتل بائع جائل يدعى عمرو البني على يد ضابط بشرطة السياحة عقب اشتباك. وبعد اشتباك سكان الحي الذي كان يقطنه البني مع الشرطة، تم اعتقال ما لا يقل عن 16 شخصا، بينهم فتى عمره 14 عاما قال إنه احتجز لمدة ثلاثة أيام وضرب، ثم أطلق سراحه من دون توجيه أي اتهامات له.

وأفادت منظمة العفو الدولية بأنه تم إخلاء سبيل الضابط المتهم بالقتل بعد دفع كفالة.

ويقول محمد لطفي، الباحث بالمجموعة: «هناك معيار مزدوج. فعندما يتهم مدنيون بارتكاب جرائم، يكون سيف العدالة البتار سريعا في النيل منهم ومعاقبتهم بصورة تنطوي على قمع».

وأشار بعض النشطاء الحقوقيين إلى أن عدم الإصلاح ربما يعزى إلى حالة نفاد الصبر العامة من الفوضى التي أعقبت الثورة: ربما يرى أول رئيس لمصر يتم انتخابه من خلال عملية ديمقراطية أن الحاجة لاستعادة الأمن أكثر أهمية من اقتلاع جذور ثقافة إساءة استغلال السلطة والتجاوزات المتأصلة في صلب المنظومة الشرطية.

وقال إنارة إن مسؤولين حكوميين بارزين قد ناقشوا المشكلات مع نشطاء في مجال حقوق الإنسان، غير أن «التنفيذ قد غاب عن المشهد».

وأشار إلى أن «ثمة أشخاصا على درجة من التحفظ الشديد» داخل الحكومة وأنهم غير مستعدين لاستعداء الشرطة. واستطرد قائلا: «هناك أشخاص معنيون بالإصلاح، لكن الأمر لم يرق إلى مرتبة التطبيق الفعلي على أرض الواقع».

* خدمة «نيويورك تايمز»