بينما قالت المباحث الفيدرالية الأميركية (إف بي آي) إن المحققين الذين كانوا وصلوا إلى بنغازي أول من أمس عثروا على «أدلة مهمة» في ما تبقى من القنصلية الأميركية في بنغازي ستساعدهم في تحقيقاتهم عن هجوم الشهر الماضي، الذي قتل فيه السفير الأميركي لدى ليبيا وثلاثة من مرافقيه، زاد جمهوريون في الكونغرس انتقاداتهم لإدارة الرئيس باراك أوباما، خاصة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وآخرين، بأنهم أهملوا في حماية القنصلية، وقصروا في إجراء تحقيقات سريعة.
وأكد مسؤول في رئاسة «إف بي آي» في واشنطن أخبارا من بنغازي بأن قوات ليبية ساعدت في حماية محققيها منذ أن وصلوا إلى بنغازي وحتى غادروها. وكان مسؤول ليبي قال إن «نحو 20 أميركيا بلباس مدني وصلوا إلى بنغازي، وطلبوا منا ضمان حمايتهم حتى مغادرتهم»، وأنهم «وصلوا باكرا صباح أول من أمس، وعملوا ثلاث ساعات في جمع أدلة».
وأغلقت قوات تابعة لوزارة الدفاع الليبية صباح أول من أمس الطريق الترابي المؤدي إلى بوابة البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي. وصرح أحد قادة تلك القوات وصول نحو 20 أميركيا بلباس مدني. وأضاف رافضا كشف اسمه «وصلوا باكرا صباح أمس، وعملوا ثلاث ساعات على جمع الأدلة». والثلاثاء، أعلنت السلطات الليبية أنها أجازت زيارة لـ«إف بي آي» بعد مهاجمة القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر (أيلول) ومقتل السفير وثلاثة أميركيين.
وفي واشنطن مرة أخرى، تعهدت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بالعثور على منفذي الهجوم، وبتوضيح ظروف الهجوم، وذلك ردا على انتقادات القادة الجمهوريين في الكونغرس. وأقرت كلينتون خلال لقاء صحافي أول من أمس بأنه «لا تزال هناك أسئلة حول ما الذي حدث بالضبط في بنغازي في تلك الليلة، ولن نرتاح حتى نجيب عن هذه الأسئلة، وحتى نجد الإرهابيين الذين قتلوا مواطنينا».
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل يتعرض الرئيس باراك أوباما وكلينتون وآخرون لانتقادات الجمهوريين حول تغيير روايتهم عن الهجوم، وأنهم قالوا أولا إن الهجوم «عفوي»، ثم قالوا إنه «عمل إرهابي» مرتبط بـ«القاعدة». وكان أعضاء في الكونغرس من الحزب الجمهوري، وأيضا خبراء في الحرب ضد الإرهاب، انتقدوا حقيقة أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على مقتل السفير الأميركي، ظلت الوثائق السرية التابعة للقنصلية وفيها معلومات حساسة غير مؤمنة، وملقاة تحت حطام مبنى القنصلية، مما جعلها هدفا لمخربين، وتعرقل الوصول إلى معلومات دقيقة حول الهجوم.
وكانت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» قالت إن هذه الوثائق تتضمن تفاصيل جهود جمع الأسلحة من بقايا الثورة المسلحة في ليبيا، وتتضمن معلومات أمنية، وتعليمات الإجلاء من المبنى في حالات الطوارئ، وأيضا خطوط سير السفير الأميركي، وسجلات الموظفين الليبيين الذين كانوا تعاقدوا مع القنصلية لحمايتها. وقالت الصحيفة إن هذا الأمر «مشكلة حقيقية» و«يزيد تعقيد الجهود التي تبذلها إدارة أوباما للرد على ما صار قضية سياسة خارجية رئيسية قبل أسابيع من انتخابات الرئاسة الأميركية».
وفي وزارة الخارجية الأميركية أول من أمس، قال مارك تونر، المتحدث باسم الوزارة «كان تأمين (القنصلية) تحديا واضحا». وأشار إلى اضطرار الخارجية لإجلاء جميع موظفي الحكومة الأميركية في ليبيا ليلة الهجوم، وإلى أنه، بعد الهجوم، طلبت الخارجية الأميركية من الخارجية الليبية المساعدة لتأمين موقع الهجوم. وأمس، رغم حظر الخارجية و«إف بي آي» نشر الوثائق التي عثر عليها في بقايا مبنى القنصلية، قال تلفزيون «سي إن إن» إن مراسليه عثروا على نسخة من دفتر يوميات السفير الأميركي خلال الشهر الماضي، ونشر التلفزيون تفاصيل منها. وأثار هذا رد فعل غاضبا من وزارة الخارجية. غير أن صحيفة «واشنطن بوست» نشرت وثائق قالت إنها ليست سرية، ومنها وثيقة تشير إلى أن بعض موظفي القنصلية كانوا ناقشوا إمكانية وقوع هجوم، قبل يومين فقط من الهجوم نفسه، وأن مكتب أمن القنصلية كان أرسل رسالة إلى «كتيبة شهداء 17 فبراير» (إشارة إلى ثورة ليبيا) المكلفة بحراسة مبنى القنصلية، لتضع خططا لـ«قوة الرد السريع» المحلية لتوفر الأمن والحماية للقنصلية.
ومع دنو موعد الانتخابات الرئاسية في السادس من نوفمبر، يواجه الديمقراطيون منذ أيام عدة سيلا من الانتقادات من الجمهوريين الذين يعيرونهم بأنهم يبدلون باستمرار روايتهم عن الهجوم الذي وصفوه بأنه «عفوي» في البداية قبل إقرارهم بأنه «عمل إرهابي مرتبط بتنظيم القاعدة».
وقد وجه الجمهوريون الثلاثاء مجددا سهامهم في حملة الانتقادات.. وكتب النائب داريل عيسى إلى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ليطالبها بإلقاء الضوء على كل وقائع ذلك اليوم وعلى حالة التدابير الأمنية التي كانت تحيط بالسفير وبالقنصلية في بنغازي قبل الهجوم. وأكد النائب الجمهوري أن البعثة الدبلوماسية الأميركية في ليبيا طالبت مرات عدة قبل الهجوم بتشديد الأمن في بنغازي لكن «واشنطن لم تستجب لذلك الطلب». وعدد أيضا لائحة عشر هجمات وتهديدات للأميركيين والغربيين في بنغازي في الأشهر الأخيرة، منها هجوم بالقنبلة على القنصلية الأميركية في 6 يونيو (حزيران)، وإطلاق قذيفة على موكب دبلوماسي بريطاني بعد خمسة أيام من ذلك. كذلك تحدثت شبكة «سي إن إن» قبل عشرة أيام عن يوميات السفير كريس ستيفنز التي عثرت عليها بين أنقاض القنصلية ويعبر فيها الدبلوماسي عن مخاوفه على أمنه وخشيته من أن يكون هدفا لـ«القاعدة».
وكان ستيفنز، الذي قتل وهو في الثانية والخمسين من عمره، يعتبر خبيرا في شؤون المنطقة، وكان يتكلم العربية ويشعر بالارتياح في ليبيا منذ أن أرسل مبعوثا خاصا من قبل بلاده إلى بنغازي أثناء ثورة 2011. وأمام الضغط اضطرت كلينتون للرد على النائب الجمهوري، وأكدت له كتابة أن وزارة الخارجية والكونغرس يريدان الوصول إلى النتيجة ذاتها، أي «الجرد الكامل والدقيق لما حدث والسبيل لتفادي تكرار ذلك». وستعقد جلسة مساءلة في مجلس النواب في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وفي موازاة ذلك، ذكرت وزيرة الخارجية أنها شكلت لجنة ستتولى تحديد ما إذا كان تم تطبيق الإجراءات الأمنية بشكل صحيح في بنغازي أم لا، وماذا كانت تحليلات الاستخبارات قبل الهجوم «وما هي الدروس التي يجب استخلاصها لعملنا في العالم بأسره». وأقرت كلينتون بأن «هناك حاجة لمزيد من الوقت لفهم ما حصل بالضبط بشكل كامل» في تلك الليلة من 11 سبتمبر 2012.