صخرتان تشعلان نزاعا دوليا جديدا

خلاف بين كوريا الجنوبية واليابان على جزيرتين يؤثر على تعاونهما العسكري مع أميركا

لا يقطن جزيرتي دوكدو سوى موظفين حكوميين هما صياد وزوجته لكن 3 شركات اتصالات كورية جنوبية تمدهما بخدمة الجيل الثالث من الهواتف الجوالة (واشنطن بوست)
TT

لا يمكن تسلق هاتين الجزيرتين البركانيتين الصغيرتين اللتين تبرزان في البحر كأذني أرنب، سوى باستخدام درجات خشبية شبه عمودية. وينقل نظام البكرات الطعام إلى المقصف الذي بني على ارتفاع 300 قدم فوق الأمواج. أما صندوق البريد الوحيد على الجزر فكتبت عليه ملاحظة ثبتت على الواجهة تذكر بأن الخدمات ستكون بطيئة لأن البريد لا يصل إلا كل شهرين. وتقول اللافتة: «صندوق البريد شيء رمزي يعني سيطرة كوريا الجنوبية على الجزيرتين».

تخضع الجزيرتان إداريا لكوريا الجنوبية، لكن اليابان تزعم تبعيتهما لأراضيها، وهو ما يقدم نافذة على إحدى مشكلات آسيا الآخذة في التنامي، والمتمثلة في الصراع على قطع صغيرة من الأراضي تتمتع بأهمية رمزية كبيرة.

في حالة هاتين الجزيرتين، المعروفتين باسم دوكدو في كوريا الجنوبية وتاكاشيما في اليابان، يبلغ إظهار سيطرة كوريا الجنوبية على الجزيرتين حد التطرف، إذ لا يوجد سوى موظفين غير حكوميين يعيشان هناك، وصياد وزوجته، وكلاهما كوري، لكن 3 شركات اتصالات كورية جنوبية تمد الجزيرتين بخدمة الجيل الثالث من الهواتف الجوالة.

اكتسب مفهوم السيطرة الرمزية أهمية كبيرة خلال الشهور القليلة الماضية نتيجة لتنامي التيار القومي في المنطقة وتغيرات القيادة السياسية المتوقعة في كوريا الجنوبية واليابان والصين. ولذلك تسعى الدول التي قللت في السابق من النزاعات الحدودية إلى استغلال الجزر لإثارة الكرامة الوطنية. وتحولت هذه الجزر الصغيرة إلى نقاط احتكاك خطيرة، بين دول آسيوية تجمعها روابط اقتصادية كبيرة، مع إعلان كل طرف عن حججه الدامغة ورفضهم فكرة التسوية.

كان الخلاف الشرس بين اليابان والصين على جزر بحر الصين الشرقي قد أثار المخاوف من نشوب نزاع مسلح محتمل، لكن النزاع على دوكدو كانت له عواقب أخرى، حيث أوقف التعاون العسكري بين الولايات المتحدة واثنين من أقرب حلفائها في آسيا، وأثار عداوة تاريخية قديمة تعود إلى الغزو العسكري الوحشي الذي قامت به اليابان قبيل الحرب العالمية الثانية.

اصطحبت حكومة كوريا الجنوبية 12 صحافيا إلى الجزيرتين يوم الخميس للتأكيد على مزاعمها. بدأ اليوم في سيول في متحف دوكدو الذي افتتح حديثا في وسط المدينة، ثم برحلة جوية استمرت لـ3 ساعات إلى الجزيرتين لنصل في موعد تناول الغداء في المقصف، الذي يخدم قوات الشرطة التي تقيم هنا في مناوبات تستمر لشهرين.

تتكون دوكدو من جزيرتين رئيسيتين وعدد من التكوينات الصخرية، ويعيش على أطول الجزيرتين، التي تتخذ شكل العمود الفقري صياد وزوجته ويعمل في صيد الأخطبوط ويعيش في منزل من 3 طوابق توفره له الحكومة المحلية إلى جانب الشاطئ. ويقول الصياد كيم سونغ دو: «المنزل ليس كبيرا كما يبدو، فالدور العلوي عبارة عن خزانات لتخزين مياه الشرب».

شهدت الجزيرة إقامة عدد من الأشخاص منذ الستينات، لكن كيم عمل هنا كصياد منذ قدومه إلى هنا، ويسكن هو وزوجته الجزيرة منذ عام 1981.

أما باقي الجزيرة، فتضم مهبطا للمروحيات وفنارة ومركزا رياضيا وفرعا صغيرا من المكتبة الوطنية الكورية الجنوبية ومهجعا للنوم. ويقيم في الجزيرة 45 شرطيا إلى جانب موظفين مدنيين و3 عمال في الفنار، ولا توجد بالجزيرة نساء. وهناك كلب واحد اسمه سيودو.

لا يستطيع رجال الشرطة الانتقال إلى أي مكان بسهولة فالدرجات الخشبية، تبلغ بالكاد ضعف حجم العادية، ومرتبطة برصيف أسفل الجزيرة ومقر لإقامة لقوات الشرطة. تتكون دوريات الشرطة من فردين يحملان البنادق لمراقبة المتطفلين البحريين. وقد طاف 79 قاربا يابانيا حول الجزيرتين خلال العام الحالي، لكن أيا منهم لم يدخل المياه الإقليمية الكورية الجنوبية، بحسب رئيس الشرطة.

أبدى رجال الشرطة سعادة بوجود الصحافيين، واحتفلوا بالرقص بتقليد نجم البوب الكوري الجنوبي بسي. وعلى الرغم من الجدية التي تحدث بها رجال الشرطة عن عملهم، بالقول إنهم سيدافعون عن الجزر حتى الموت، فإن بعضهم اعترف بأن اليابان بالنسبة لهم صديق أكثر من كونها عدوا.

وقال جيونغ إيون جاي (31 عاما): «أنجزت اليابان كثيرا، وأنا أعجب بإنجازهم الاقتصادي ومثابرتهم، وهم أناس طيبون».

لكن اللغة على مستوى القيادة السياسية في البلدين تحولت إلى لغة غير تصالحية، حيث تؤكد التصريحات الرسمية في كل من اليابان وكوريا الجنوبية ومواقع الإنترنت الحكومية إلى تبعية هاتين الجزيرتين لهما بشكل لا لبس فيه، بموجب القانون الدولي.

فقد صرح الرئيس الكوري الجنوبي، لي ميونغ باك عندما زار الجزيرتين في أغسطس (آب) الماضي، في رحلة أشعلت فتيل الأزمة بين البلدين: «دوكدو أرضنا ومكان يستحق أن ندافع عنه بحياتنا».

وعلى الجانب الآخر، قال رئيس الوزراء يوشيهيكو نودا بعد أسبوع من زيارة الرئيس الكوري إلى الجزيرتين: «ما من شك في حقيقة أن تاكاشيما أرض يابانية». وقد لقيت المزاعم الكورية الجنوبية دعما من كوريا الشمالية.

وتبني الدولتان مزاعمهما التنافسية على سلسلة من الوثائق التاريخية التي تعود إلى قرون وروايات غير مؤكدة من التاريخ الحديث. وأحد أوضح الخلافات في روايتيهما يأتي في عام 1905، عندما قررت الحكومة اليابانية ضم الجزيرتين إلى ولاية شيماني.

وبحسب الرواية الرسمية اليابانية، أعادت الخطوة التأكيد على أن سيادة اليابان على الجزيرتين تعود إلى قرون، وتنبع من رغبة السكان استغلال الجزر في صيد أسد البحر. وبحسب رواية سيول، فقد أجبرت اليابان كوريا الجنوبية على التنازل عن حقوقها الدبلوماسية واستخدمت الجزر كنقطة انطلاق لحربها مع روسيا. وكانت مقدمة لغزو كوريا في عام 1910، ويرفض كثير من الكوريين الفصل بين الاثنين. استعادت كوريا الجنوبية السيطرة على الجزيرتين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ونشرت وحدات من حرس السواحل والشرطة على الجزيرتين في عام 1954.

وقد سمح للسائحين بزيارة الجزيرة منذ عام 2005، ويأتي عدة مئات من الزائرين إلى المكان يوميا عبر القارب. ويسمح لهم بالبقاء لـ3 دقائق، وفي يوم الخميس يسمح لهم بالتجول في أشعة الشمس والتقاط الصور ورفع الأعلام. خلع أحد الرجال حذاءه وانحنى مرتين خلال التقاط الصحافيين للصور. وصاح الرجل «عاشت كوريا». بيد أن اليابان اعترضت على زيارة الصحافيين للجزيرة. وقال وزير الخارجية الياباني ماسارو ساتو في رسالة بريد إلكتروني: «تعتقد اليابان أن الرحلة التي أعدتها سيول إلى تاكاشيما ليست رحلة داخلية، لكنها رحلة دولية تعبر الحدود بين كوريا واليابان».

* شارك يونج يونغ سيو في إعداد التقرير

* خدمة «خدمة واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»