العراق يطالب بتصفية الوجود العسكري التركي داخل أراضيه

مصدر كردي: القواعد التركية بكردستان العراق مراكز للتجسس وليس للقتال

TT

أثارت الحكومة العراقية مسألة الوجود العسكري التركي داخل أراضي العراق بالتزامن مع عرض تقدمت به حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى البرلمان تطالب فيه بتمديد التفويض البرلماني لقوات الجيش التركي بتنفيذ عمليات عسكرية خارج الأراضي التركية. فقد دعت الحكومة العراقية نظيرتها التركية إلى سحب قواتها من داخل الأراضي العراقية، ووقف هجماتها المتكررة وتوغلها العسكري داخل أراضي العراق بذريعة مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض الذي يتخذ من جبل قنديل على المثلث الحدودي (التركي العراقي الإيراني) مقرا لقيادته.

يذكر أن تركيا حصلت من نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على موافقة رسمية على توغل جيشها داخل الأراضي العراقية بعمق 20 كيلومترا لهذا الغرض، ولكن مع سقوط النظام دعت الحكومة العراقية مرارا الجانب التركي إلى احترام سيادة العراق وعدم انتهاك حرمة أراضيه بحجة مطاردة القوات المعارضة لها.

وكان وجود القوات التركية داخل أراضي كردستان يثير دائما مخاوف مقاتلي الحزب الكردستاني المعارض، خاصة إذا تمكن الجيش التركي من التوغل من الخلف إلى منطقة جبل قنديل وتوجيه ضرباته من وراء ظهر قوات الحزب. لكن الاحتجاجات الشعبية في منطقة بهدينان التي تنتشر في بعض أجزائها عدة مقرات متقدمة للجيش التركي، وخروج مظاهرات عديدة ضد التوغلات التركية المتكررة داخل أراضي كردستان، حالا دون تحقيق الجيش التركي أي تقدم أو منفعة من وجوده العسكري داخل الإقليم. ويعتبر مصدر كردي أن هذا الوجود «لا يعدو كونه مراكز استخبارية للتجسس على المنطقة، إذ لا فائدة منه من ناحية الدعم اللوجيستي للعمليات العسكرية التي تنفذها تركيا على الحدود المشتركة».

وأصل الموضوع يعود إلى فترة ما بعد منتصف التسعينات من القرن الماضي، حين كانت رحى الحرب الداخلية تدور بين الحزبين الكرديين الرئيسيين (الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني، والديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني). وكانت صفحات تلك الحرب مؤلمة ووقع خلالها الآلاف من الشباب الكردي ضحايا لقتال عبثي على موارد جمركية امتنع القادة الكرد في ذلك عن الوقت الاتفاق حول تقاسمها. وبذلت جهود متعددة محلية وإقليمية ودولية لوقف تلك الحرب، إلى أن تمكنت تركيا من دعوة طرفيها إلى طاولة حوار في أنقرة تمخض عن وقف للقتال الداخلي وتشكيل قوات حفظ السلام التركية التي تحولت في ما بعد إلى مراكز عسكرية ثابتة في كردستان العراق.

ويقول عدنان المفتي، عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الذي كان أحد أعضاء الوفد الاتحادي المفاوض بأنقرة في ذلك الوقت «في خضم تلك الحرب التي تداخلت فيها قوى إقليمية لمساندة أطراف النزاع، تقدمت تركيا تحت ضغط دولي بدعوة للحوار، وهكذا ذهبنا إلى هناك، وتحت الضغط المحلي والجماهيري والضغط الدولي وقعنا اتفاقا بيننا وبينهم لوقف القتال، وبموجب ذلك الاتفاق شكلت قوات تركية باسم قوات تثبيت وقف إطلاق النار، وتألفت فقط من قوات تركية، وتم نشر تلك القوات في الحدود الفاصلة بين خطي نفوذ الحزبين بمنطقة (ديكه له) بقضاء كويسنجق، وتشكلت قيادة لهذه القوات اتخذت من مدينة أربيل مقرا لها. وكانت هناك عدة مقرات أخرى في منطقة بهدينان بمحافظة دهوك. ولكن بعد دعوة وزيرة الخارجية الأميركية سابقا مادلين أولبرايت لقادة الحزبين إلى واشنطن وتوقيعهما على اتفاق شامل لوقف القتال والمصالحة، انتفت الحاجة إلى القوات التركية، التي ظلت باقية بمقارها حتى عام 2002، الذي كانت الولايات المتحدة تستعد فيه لشن الهجوم على العراق. وفي هذه الأثناء انسحبت قيادة قوات حفظ السلام التركية من مقارها المتقدمة في كويسنجق وأربيل إلى مقراتها في منطقة بهدينان وبقيت هناك حتى الآن».

وكانت تركيا تتذرع لإبقاء تلك المقار، رغم تصفية القيادة الرئيسية في منطقة بهدينان، بمراقبة تحركات حزب العمال الكردستاني، خاصة بعد أن شن مقاتلو هذا الحزب عددا من الهجمات على خطوط النفط العراقية الناقلة إلى ميناء جيهان التركي، وكذلك لحماية الخط الدولي للتجارة بين العراق وتركيا. لكن مصدرا كرديا طلب عدم ذكر اسمه أشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه الحجج غير مبررة لأن خطوط النفط محمية من قبل القوات العراقية والكردية في الجزء الواقع داخل العراق، أما خطوط التجارة فلم تتأثر مطلقا بهجمات مقاتلي هذا الحزب. وقال المصدر «الهدف الأساسي لوجود هذه المقرات حتى اليوم هو التجسس على نشاطات حزب العمال الكردستاني ورصد تحركات مقاتليه داخل أراضي كردستان خاصة أن محافظة دهوك التي تنتشر فيها تلك القوات محاذية للحدود التركية، وجميع التقارير الاستخبارية عن إقليم كردستان تخرج من تلك المقار المتقدمة، وهي قوات غير مقاتلة ولا تريد أن تتسبب في أي مشكلة حرصا على وجودها الاستخباري ولأهمية تلك المراكز التجسسية بالنسبة للجيش التركي».

ويقدر المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حرس الإقليم (البيشمركة) الفريق جبار ياور عدد تلك المقار بخمسة مراكز منتشرة تحديدا بمنطقة بهدينان فقط، ولا وجود لها في بقية أنحاء كردستان. ويقول «كان الهدف من هذه المراكز مراقبة وقف إطلاق النار كما هو معلوم، وكانت الوقائع والأحداث المتعلقة بالمهمة الأساسية لقوات حفظ السلام التركية ترسل من تلك المراكز إلى تركيا، لكن بعد وقف القتال ومصالحة الحزبين لم تعد لهذه المراكز أي مهمات أو واجبات عسكرية محددة، والمهم أن هذه القوات الموجودة حاليا لا تغادر مقارها ولا تشارك في أي هجمات أو نشاطات عسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، ورغم أنه ليس هناك أي اتفاق رسمي على حد علمي بين الحكومتين العراقية والتركية يجيز لتركيا بنشر قواتها أو فتح مراكز استخبارية أو عسكرية لها داخل الأراضي العراقية، لكن مجرد وجود تلك المقار التركية يواجه بين فترة وأخرى معارضة شعبية واحتجاجات خاصة عندما تحاول تركيا التوغل داخل أراضي كردستان لضرب مقاتلي الكردستاني». ويرى الفريق ياور أن «عدم وجود أي اتفاق رسمي بين الحكومة العراقية الحالية وتركيا هو الذي يدفع العراق إلى المطالبة بإنهاء أي وجود عسكري تركي داخل أراضيه، وهذا من حقه لأنه دولة تتمتع بالسيادة وعلى دول الجوار احترام حرمة أراضيها».