الأمير عبد العزيز بن عبد الله لـ «الشرق الأوسط»: جائزة خادم الحرمين للترجمة مشروع فريد لمد جسور الحوار الحضاري

الفائزون بدورتها الخامسة يتسلمون غدا جوائزهم في حفل كبير بالعاصمة الألمانية

:الأمير عبد العزيز بن عبد الله
TT

تحتضن العاصمة الألمانية برلين، غدا الاثنين الحفل الكبير لفعاليات جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها الخامسة، حيث يُسلم الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجية السعودي، عضو مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز العامة رئيس مجلس أمناء الجائزة، الفائزين بهذه الجائزة في مختلف فروعها، وذلك بحضور حاكم ولاية برلين كلاوس فوفرايت.

ونوه الأمير عبد العزيز بن عبد الله بوصول الجائزة إلى محطتها الخامسة، ومرور خمس سنوات على انطلاقها، وإسهامها الفاعل في تنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها من خلال استقطابها لأبرز المترجمين وكبريات المؤسسات العلمية والأكاديمية المعنية بالترجمة في أنحاء المعمورة.

وأوضح في حوار مع «الشرق الأوسط» بمناسبة تسليم الجائزة التي تستضيفها في هذه الدورة ألمانيا الاتحادية، أن الجائزة نجحت من خلال رعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز ودعمه اللامحدود لها، وأنها استطاعت أن ترسخ صفتها العالمية منذ انطلاق دورتها الأولى «مما جعلها تستحوذ على تفاعل المجتمع الدولي مع أهدافها النبيلة كإحدى آليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وتعزيز فرص الحوار الفاعل ومد جسور التواصل العلمي والمعرفي بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافات الأخرى». وقال: «لا شك أن رعاية خادم الحرمين الشريفين للجائزة ودعمه السخي لها، واقترانها باسمه كان له أطيب الأثر في تأكيد عالمية الجائزة ودعمها على تحقيق أهدافها».

وعن رؤيته لهذه الجائزة التي تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين والنتائج التي استطاعت تحقيقها خلال الدورات الخمس الماضية، أكد الأمير عبد العزيز أنه في ظل تزايد حركة التأليف واتساعها في مختلف دول العالم وكون الترجمة هي الأداة الرئيسية في تفعيل الاتصال ونقل المعرفة، برزت أهمية هذه الجائزة التي تدعم أداة الترجمة، في وقت أضحت فيه الجائزة علما بارزا على المستوى الدولي من خلال قدرتها على استقطاب كبريات الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية، وجذب أفضل المترجمين في العالم. مشددا على أن أهمية الجائزة تنبع من كونها مرتبطة بأداة نقل تقدم الدول والشعوب على مر التاريخ، وهي حركة الترجمة، مما يبرز أهمية هذه الجائزة، في تحقيق التواصل الإنساني والإفادة من النتاج العلمي والإبداعي في دعم مسيرة التنمية، والإسهام في نقل المعرفة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية ومن اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وتشجيع الترجمة في مجال العلوم إلى اللغة العربية، وإثراء المكتبة العربية بنشر أعمال الترجمة المميزة، وتكريم المؤسسات والهيئات التي أسهمت بجهود بارزة في نقل الأعمال العلمية من اللغة العربية وإليها، والنهوض بمستوى الترجمة وفق أسس مبنية على الأصالة والقيمة العلمية وجودة النص.

وأكد نائب وزير الخارجية السعودي أن جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة أسهمت بفاعلية في إبراز الأعمال العلمية والفكرية لفضاء أرحب، ومنها على سبيل المثال هذا العدد الكبير من الأعمال العلمية والفكرية التي تقدمت للتنافس على الفوز بها في مجالات العلوم الإنسانية والتطبيقية للأفراد والمؤسسات والذي بلغ 650 عملا بعدد كبير من اللغات.

وأشار إلى أن ما يميز الجائزة أنها جاءت في توقيت بالغ الأهمية، بعد أن أدرك العالم أهمية الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل التعايش السلمي والحفاظ على السلام العالمي، وتجنب ويلات الصراع الحضاري أو الثقافي أو الديني أو محاولات هيمنة ثقافة بعينها على الثقافات الأخرى، وأنها تمثل إحدى آليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والحضارات والتي أطلقها قبل عدة سنوات واستقبلها المجتمع الدولي بكل حفاوة وترحاب.

وشدد الأمير عبد العزيز بن عبد الله بأن العالم كافة، أحوج ما يكون في هذه المرحلة الزمنية إلى آليات الحوار الحقيقي والفاعل بين الدول والشعوب ولا سيما التي تختلف لغاتها، بعد أن ظل حاجز اختلاف اللغة معوقا لهذا الحوار الحضاري والتواصل الإنساني والمعرفي لعقود طويلة.

وعن أهمية الجائزة في تضييق الهوة بين المنجزات العلمية الحديثة في الدول المتقدمة، وما تعانيه كثير من الدول النامية من تأخر في مجال العلوم التطبيقية، قال الأمير عبد العزيز إن دول العالم أجمع تمر في مسيرتها الحضارية والتاريخية بمراحل متفاوتة علميا وإبداعيا وأدبيا وفنيا، «لذا ليس عيبا أن نسعى للإفادة مما أبدعه الآخر بما يتفق مع تقاليدنا وتعاليم ديننا، وبما يدعم سعي البلدان النامية للتنمية والتطور»، مبينا أن الحضارات الإنسانية تتفاعل وتتلاقح والمعرفة لا تسير في اتجاه واحد «فكل ثقافة وحضارة لديها ما تقدمه لغيرها، كما أنها تسعى للإفادة من إنجازات الثقافات الأخرى، وهذا ما سعت الجائزة لتحقيقه من خلال تخصيص جوائز للترجمة في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية من اللغة العربية وإليها».

وحول تعدد وتواصل مبادرات خادم الحرمين الشريفين لتعزيز الحوار الحضاري، والتقاء أبناء الثقافات حول القواسم المشتركة، أكد نائب وزير الخارجية السعودي، أن نجاح الحوار الفاعل والهادف بين أتباع الأديان والثقافات مرهون بتنوع آلياته وتعدد مستوياته العلمية والثقافية، بما يحقق التواصل المنشود مع الآخر، والالتقاء حول القواسم المشتركة التي تحقق التعايش السلمي والتعاون المستمر لخير الإنسانية. وقال: «إن تبني خادم الحرمين الشريفين للجائزة ورعايته لها ينبع من حرصه على تكامل آليات هذا الحوار، وفي مقدمتها الترجمة، انطلاقا من إدراكه أن اختلاف اللغة من الحواجز التي لا يمكن إغفالها في هذا الشأن، والذي يقوم على معرفة صحيحة بالسمات الأساسية للدول والشعوب وتقاليدها».

وعن أي مدى يمكن أن تكون الجائزة منطلقا لمشروع عربي متكامل يعنى بالترجمة، أشار إلى أن الأمة العربية الآن في أمَسِّ الحاجة إلى رؤية شاملة تعنى بالترجمة، لا سيما في مجال العلوم التطبيقية بكل ابتكاراتها ومخترعاتها، لما لهذه العلوم من أهمية في تحقيق التنمية بمفهومها الشامل، وهو الأمر الذي يتضح من ضعف الإنتاج العربي في مجالات العلوم الحديثة. وقال: «نحن نأمل أن تكون الجائزة حافزا لوجود هذه الرؤية، وهذا المشروع من خلال تبني كل الدول العربية مشروعات مماثلة تتكامل في أهدافها ولا تتعارض»، مشيرا إلى أنه يمكن الاستفادة في ذلك من جهود الجامعات العربية والمكتبات الكبرى، وفق سياسة واضحة يقرها وزراء الثقافة والإعلام بجامعة الدول العربية، وتشارك في تنفيذها الهيئات العلمية والأكاديمية والبحثية كافة، على أن تتضمن هذه السياسة ترتيبا دقيقا لأولويات الترجمة تبعا لاحتياجات الأمة من المعارف الحديثة التي تخدم برامج التنمية.

وعن كيفية رؤيته لتفاعل المؤسسات والهيئات الدولية والسعودية مع الجائزة، أوضح أن حرص الهيئات العلمية والأكاديمية الدولية والعربية والسعودية على نيل شرف المشاركة في الجائزة يتجلى في ترشيح ما يزيد على 100 مؤسسة جامعية وبحثية أعمالا صادرة عنها للجائزة منذ دورتها الأولى وحتى الخامسة. وقال: «نحن سعداء بهذا التفاعل، الذي يبعث على التفاؤل بنمو كبير في مشروعات الترجمة في المملكة خلال السنوات القادمة، باعتبارها وسيلة للنهوض ومواكبة كل المستجدات في المعارف والعلوم والآداب».

وحول اختيار الجائزة الاحتفاء بالفائزين بها في العاصمة الألمانية، بعد احتفالات سابقة في الرياض والدار البيضاء وباريس وبكين، وعما إذا كان سيستمر ذلك التوجه باتجاه عواصم أخرى، قال: «لقد حرص مجلس أمناء الجائزة على أن يكون انطلاق الجائزة من العاصمة السعودية الرياض إلى عواصم ودول أخرى، من خلال إقامة حفل تسليمها للفائزين في هذه الدول والعواصم، بهدف التأكيد على عالمية الجائزة، والاحتفاء بالدول ذات الإسهامات المتميزة في ميدان الترجمة من وإلى اللغة العربية، واستثمار هذه الاحتفالات في التعريف بالجائزة».

مؤكد أن الانفتاح على كل اللغات سيتواصل خلال السنوات المقبلة، مع الحرص على أن يشمل ذلك الدول الناطقة بلغات مختلفة، «ونسعى جاهدين لتكريم أصحاب العطاء المتميز في ميدان الترجمة من غير المرشحين للجائزة، اعترافا وتقديرا لدورهم وجهودهم، لتكون هذه الجائزة منبرا للاستنارة والحوار والاعتدال والتسامح».

وبين أن إدارة المكتبة سخرت جاهدة الإمكانات كافة للإفادة من هذه الجائزة العالمية بما يحقق رؤية خادم الحرمين الشريفين في أن تكون وسيلة لمد جسور التواصل المعرفي بين الدول، ويشمل ذلك جميع الإجراءات التنظيمية، بدءا من استقبال الأعمال المرشحة لها في جميع مجالاتها الخمسة، وتطبيق المعايير الدقيقة في اختيار أفضل الأعمال الفائزة، ثم الاستفادة من الأعمال الفائزة من خلال طباعتها ونشرها، والتنسيق مع عدد من الهيئات الثقافية والعلمية في جميع أنحاء العالم في هذا الشأن، فالهدف ليس فقط ترجمة هذه الأعمال، بل المهم هو الاستفادة منها، وإثراء المكتبة العربية بها.