الملف السوري على جدول مباحثات بان كي مون في باريس

وزير الخارجية الفرنسي: جرائم النظام السوري لن تمر دون عقاب

TT

سيكون الملف السوري على رأس المواضيع التي سيناقشها الأمين العام للأمم المتحدة في باريس يومي الاثنين والثلاثاء خلال لقاءاته مع كبار المسؤولين الفرنسيين، (رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية)، بمناسبة زيارة اليومين التي يقوم بها لفرنسا لحضور افتتاح المنتدى الدولي للديمقراطية في مدينة ستراسبورغ من جهة ولمحادثاته في باريس من جهة أخرى.

وتأتي زيارة بان كي مون إلى فرنسا على خلفية تصاعد التوتر على الحدود التركية - السورية والمخاوف التي يثيرها من تمدد الأزمة السورية إلى بلدان الجوار، وهو الأمر الذي دأبت باريس على التحذير منه.

ورغم نجاح مجلس الأمن الدولي سريعا في التوافق على إصدار بيان رئاسي يدين الجانب السوري بسبب القصف الذي استهدف قبل أيام قرية تركية وأوقع خمسة قتلى والكثير من الجرحى، فإن الجانب الفرنسي يعتقد أن مجلس الأمن لن يكون قادرا على لعب أي دور فعلي في الأزمة السورية إلا في المرحلة التي تلي سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

وتعتبر المصادر الفرنسية أن الجانب الروسي الذي منع حتى الآن صدور أي قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يفرض عقوبات على دمشق أو يهدد بفرضها، «يطرح أسئلة حقيقية حول اليوم التالي لسقوط الأسد»، كما يعبر عن «مخاوف عميقة» من تمدد الأصولية الإسلامية إلى المناطق التي يقطنها مسلمون في روسيا الاتحادية نفسها. وتؤكد باريس أنه «يتعين مواصلة الحوار» مع الجانب الروسي ثنائيا وجماعيا. وفي هذا السياق، يصب اللقاء الذي سيجمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظرائه الأوروبيين في 15 الحالي في إطار عشاء عمل في بروكسل، حيث سيسعى الأوروبيون إلى «زحزحة» روسيا عن مواقفها المتصلبة من جهة وطمأنتها لاستمرارية دورها والمحافظة على مصالحها في مرحلة ما بعد الأسد.

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن التركيز في الوقت الحاضر ينصب بالتوازي على أمرين: الأول، مساعدة المعارضة السورية على ترتيب أوضاعها وتشكيل هيئة موحدة تلتقي على برنامج عمل يقبله الجميع وتنضوي تحت لوائه أطياف وتيارات المعارضة. وتجرى في هذا السياق مجموعة من الاتصالات التي بقيت بعيدة عن الأضواء، منها ما حصل في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها في لندن قبل أيام بحضور ممثلين عن 12 بلدا. وينتظر أن تتكثف الاتصالات الدولية لمواكبة اجتماع المعارضة السورية في الدوحة أواسط الشهر الحالي. ويريد الغربيون، ومعهم أطراف عربية، أن تنجز المعارضة السورية هذا الهدف، بحيث تذهب إلى اجتماع «أصدقاء الشعب السوري» في مدينة مراكش أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وقد انضوت تحت لواء هيئة أو مجلس يضم الجميع. وبعد أن كان «المجلس الوطني» قد حصل على اعتراف من مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» بشرعية تمثيله للمعارضة، إلا أن التوجه في الوقت الحاضر يركز على توسيع الهيئة، أو إيجاد هيئة بديلة تفسح المجال لتمثيل معارضة الداخل واللجان المدنية والثورية والمجتمع المدني وخلافه.

ويحدو باريس الأمل أن تتوصل المعارضة، في زمن ليس ببعيد، إلى تشكيل حكومة مؤقتة تحظى باعتراف دولي بشرعيتها، الأمر الذي سيشكل نقلة مهمة، قانونيا وسياسيا، بحيث يمكن التعويل عليها لاحقا للالتفاف على تعطيل مجلس الأمن. وتعترف المصادر الفرنسية بأن تحقيق هذا الهدف «ليس سهلا»، لكنها في الوقت عينه تلفت النظر إلى أن واشنطن «تخلت عن معارضة» هذه الفكرة، كما أن الأطراف الأوروبية التي أبدت سابقا تحفظها واعتبرتها «سابقة لأوانها»، أصبحت مقتنعة بها.

وعلى الجانب الآخر، يراهن الغربيون على توفير الدعم للمدنيين في ما يسمى «المناطق المحررة»، بانتظار أن تنجح المعارضة المسلحة، وعلى رأسها الجيش السوري الحر، في إنشاء مناطق متصلة جغرافيا وتكون خارجة تماما عن سلطة الدولة السورية. وتعتبر باريس أن «مفهوم» المناطق المحررة ومساعدة المدنيين فيها على البقاء في أراضيهم وتنظيم حياتهم اليومية وإعانتهم على ذلك - أخذ يحظى بتقبل ودعم الكثير من الأوروبيين، فضلا عن الولايات المتحدة الأميركية. لكن تبقى مسألة تأمين الحماية لهذه المناطق مطروحة بشدة، على خلفية رفض الغرب، حتى الآن، تقديم السلاح المناسب «أنظمة دفاع جوي وأسلحة مضادة للدروع» للمعارضة السورية، لتقيم نوعا من توازن القوى مع قوات النظام، ولتدرأ خطر طيرانه الحربي ودباباته ومدفعيته الثقيلة.

بموازاة ذلك، تستمر الضغوط السياسية على الطرف السوري لتشديد العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة عليه.

ويندرج في هذا السياق التركيز على المجازر التي يرتكبها النظام. ففي رسالة موجهة إلى مشاركين في مسابقة حول حقوق الإنسان في القدس الشرقية، أعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أن «جرائم النظام السوري لن تمر دون عقاب»، مضيفا أن لجنة التحقيق حول وضع حقوق الإنسان في سوريا «جمعت ما يكفي من العناصر لتأكيد أن جرائم حرب، لا، بل إن جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبها، ما سماه فابيوس، النظام المجرم». وبالنسبة لفرنسا، فإن هذا النوع من الأعمال «لا يمكن أن يفلت من العقاب».

غير أن الترجمة الفعلية لهذه التصريحات ما زالت بعيدة المنال، إذ إن إحالة الجرائم المشار إليها إلى المحكمة الجنائية الدولية تستلزم قرارا من مجلس الأمن الدولي. فضلا عن ذلك، فإن سوريا ليست من بين الدول الموقعة على ميثاق تأسيسها. وعليه، فإن ما تستطيعه لجنة التحقيق الدولية هو الاستمرار في توثيق الجرائم وتجميع القرائن. وتلاحظ المصادر الفرنسية أن عمل المحاكم الدولية ليس بالضرورة آنيا، بل من نوع «النفس الطويل». والدليل على ذلك محاكمات مجرمي حرب البوسنة والهرسك وكوسوفو التي ما زالت تتواصل حاليا رغم مرور سنوات طويلة على زمن ارتكاب الجرائم موضع المحاكمة.