السوريون يتجهون إلى التطرف لاعتقادهم بأن العالم يتجاهلهم

قادة الصفوف الأمامية للثوار يرون أن الغرب يخاطر بفقدان حليف في حالة سقوط نظام الأسد

TT

ضرب ماجد المحمد قائد مجموعة قتالية سورية معارضة للنظام، بيده بقوة على مكتبه. وصرخ بأعلى صوته متسائلا: «ألا تملك أميركا أقمارا صناعية؟ ألا يمكنها أن تبصر ما يحدث؟».

كان محمد، وهو طبيب متقاعد بالجيش السوري، قد وصل إلى رتبة رقيب أول في الجيش الذي يقف ضده الآن. وقال إنه لم ينتم مطلقا لعضوية أي حزب، فضلا عن أنه يمقت الجهاديين والإرهابيين.

لكنه وجه تحذيرا للغرب يسمع الآن بشكل دائم بين المقاتلين الساعين لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد؛ السوريون بدأوا يتجهون إلى التطرف بفعل مزيج من نزاع حامي الوطيس, واعتقادهم بأن العالم يتجاهلهم مع مشاهدته ما يجري في سوريا.

وإذا ما استمر الغرب في إدارة ظهره للمعاناة التي يتجرعها الشعب في سوريا، على حد قوله، فسوف يدير السوريون ظهورهم له بالتبعية، وربما يعرقل هذا المصالح الغربية والأمن بإحدى نقاط الالتقاء المهمة في الشرق الأوسط.

ويعتبر هذا موضوعا ترددت أصداؤه في الأيام الأخيرة، ليس فقط في سوريا، بل أيضا في تركيا، حيث قصفت مدفعية الجيش التركي شمال سوريا هذا الأسبوع، ردا على قصف سوري بقذائف الهاون لمدينة تركية ومقتل 5 مدنيين. وفي تركيا، ثمة شعور متزايد بالإحباط يتشاركه الثوار السوريون بسبب أن الدول الغربية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، طالبت الأسد بترك السلطة، لتجلس بهدوء في الصفوف الجانبية، بينما تتحول الأزمة إلى حرب أهلية دموية.

وكتب مليح أسيك في الصحيفة التركية «ملييت»: «نحن في مرحلة حرجة للغاية». وواصل: «نحن لا نواجه سوريا فقط، بل إيران والعراق وروسيا والصين وراءها بالمثل. وراءنا، لا يوجد أي شيء خلاف الموقف الاستفزازي والوعود الزائفة للولايات المتحدة».

وعبر شمال سوريا، في مناطق انتزعها الثوار من قبضة النظام، أصبحت مثل تلك المشاعر عنصرا غاضبا معتادا يميز الخطاب العام. ويقول قادة الصفوف الأمامية للثوار، الذين أنهكهم العنف ويتجهون صوب شتاء آخر من القتال في حالة من الغضب مما ينظرون إليه باعتباره تراخيا ونفاقا من جانب الدول القوية، إن الغرب يخاطر بفقدان حليف محتمل في الشرق الأوسط في حالة سقوط نظام الأسد.

كذلك، تبدو النتيجة الطبيعية المتوقعة مسموعة بالمثل: ربما يكسب الغرب أعداء، حيثما يحتمل أن يكسب أصدقاء. مع تصاعد حالة الغضب، فإن من المحتمل أن تزداد الجماعات المسلحة المعارضة للأمم المتحدة في العدد وترتقي في المكانة أيضا.

وقال غسان عبد الواهب، 43 عاما، وهو سائق شاحنة ويعمل الآن قياديا في قرية كفر تخاريم الواقعة شمال سوريا: «الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يرتكبان خطأ فادحا». وأضاف: «بترك هذا النزاع يتحول إلى حرب طويلة، فإنهما يجران سوريا نحو التطرف، وسوف يتجرعان ويلات هذا لفترة طويلة».

يعتبر مصدر هذه الاتجاهات متماثلا؛ رأي واسع الانتشار مفاده أن واشنطن والعواصم الأوروبية أكثر اهتماما باستمرار تدفق النفط من ليبيا والعراق، أو بتأمين إسرائيل، من معاناة سوريا وشعبها. ويقول سوريون معارضون للأسد، إن هذا الرأي مدعوم برفض الغرب العنيد إمداد الثوار بالأسلحة أو حماية المدنيين ومساعدة الثوار بفرض منطقة حظر جوي. وكثيرا ما تتم مقارنة هذا بالدعم العسكري والسياسي الواضح من جانب الغرب للثورة التي اندلعت العام الماضي في ليبيا. عادة ما يشار إلى المساعدات التي لا تشمل الأسلحة المقدمة للمعارضة السورية من جانب واشنطن بأنها محدودة النطاق، إلى حد أنه لم تصرح أي من الجماعات المقاتلة الـ6 التي زارها صحافيو «نيويورك تايمز»، أو كثير من القادة الذين أجريت معهم مقابلات في تركيا، بأنها قد شاهدت أو تلقت أي مساعدات أميركية.

«لم نتلق أي مساعدات من الخارج»، قال ثايار، وهو عضو في هيئة حاكمة خاصة في كفر تخاريم نعرف باسم المجلس الثوري (وقد طلب عدم ذكر اسمه الأخير حماية له ولأسرته من الانتقام). وأضاف: «قرأنا في الصحف أننا نتلقى دعما. لكننا لم نر شيئا. تلقينا فقط تصريحات من الغرب».

ردد آخرون الرأي نفسه، واتهموا الولايات المتحدة وأوروبا بلعب لعبة مزدوجة، في واقع الأمر بالتآمر مع الكرملين لضمان عدم اتخاذ أي دولة إجراء مناهضا لنظام الأسد أو نيابة عن الثوار أو المدنيين.

وفقا لهذا الرأي، يعتبر إصرار الكرملين على عدم دعم اتخاذ إجراء ضد سوريا غير ملائم بالنسبة للبيت الأبيض، الذي، على حد قول كثير من القادة والمقاتلين، يصدر تصريحات تدعم الثورة ويدين نظام الأسد، وهو علم بأنه لن يتعين عليه دعم أقواله بالأفعال.

لقد زودت روسيا نظام الأسد بالأسلحة والدعم الدبلوماسي وأعاقت اتخاذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إجراء حاسما.

واستنكر عبد الواهب المناقشات الدائرة في الأمم المتحدة، واصفا إياها بعرض مخطط له. وقال: «العالم بأسره يحاول الآن تدمير سوريا. المجتمع الدولي يعلم أن الأسد ميت، لكنهم يرغبون في اندلاع حرب بحيث تدمر سوريا وتعيدنا 100 عام إلى الوراء. بهذه الصورة، سوف تتمتع إسرائيل بالأمان». وأضاف: «تعتبر الأمم المتحدة شريكا في تدمير سوريا».

على غرار كثير من النشطاء والمقاتلين، كان له وجهة نظر ساخرة بشأن ما تم الاحتفاء به مسبقا في العواصم الغربية بوصفه إنجازا من جانب حلف الناتو - التدخل العسكري في ليبيا العام الماضي، الذي أشار قادة غربيون إلى أنه قد حمى المدنيين ومكن الثوار غير المنظمين من هزيمة الجيش النظامي لبلدهم.

لم تكن الحملة مثالية؛ فقد تسبب حلف الناتو في مقتل وإصابة كثير من المدنيين الذين رفض الاعتراف بهم أو مد يد العون لهم. ومع مضي الحرب، تكونت كثير من الجماعات المسلحة، مما يجعل أمن الدولة على المدى الطويل مثار شك، والهجوم الشهر الماضي على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي، يجعل المشاركة الغربية مهددة أيضا.

إلا أن السوريين المعارضين للأسد ما زالوا يتوقون إلى الدعم العسكري الغربي، حتى وإن كان سينتهي إلى فرض منطقة حظر جوي على القوات الجوية السورية، التي استمرت طائراتها في شن هجمات على المدن والقرى منذ هذا الصيف. وعلى الرغم من ذلك، فقد استبعدت الولايات المتحدة حتى الآن التدخل العسكري في سوريا.

علاوة على ذلك، فقد استنكر كثير من الرجال السوريين التوصيفات الرائجة التي مفادها أن ثورتهم يحركها مقاتلون أجانب أو تضم جماعات منتمية لتنظيم القاعدة.

يقول أبو محمد، وهو مدرس في دير سنبل: «نحن لسنا إرهابيين مثلما يزعم النظام. نحن نحارب من أجل استعادة كرامتنا، التي انتزعت منا على مدار 40 عاما».

وفي هذا المناخ من القسوة وكيل الاتهامات والاتهامات المضادة، كان غضب ماجد المحمد، من النوع الذي يؤججه الإحباط والشعور بالخسارة.

وقبيل بضعة أيام من استقباله صحافيين في مكتبه هنا، حيث يقود 200 مقاتل في المرتفعات الشمالية بجبل الزاوية، علم أن أخته قد قتلت في دمشق. وكانت صورة أشلائها الملطخة بالدماء على الأرض على هاتفه الجوال، حيث عرض الصورة وهو في حالة غضب عارمة.

بعدها، انتقل لمجموعة من بقايا الأسلحة موضوعة على طاولة بجوار مكتبه. حمل قذيفة دبابة مستعملة، متسائلا: «كيف يمكن للنظام أن يستخدم مثل هذا النوع من الأسلحة ضد شعبه؟» رفع بقايا صاروخ طراز «إس - 5»، وهو سلاح جو - أرض يشيع استخدامه من قبل المروحيات والطائرات النفاثة الخاصة بالقوات الجوية السورية. وتساءل عما إذا كان بإمكان مواطني الولايات المتحدة تحمل ما تحملته المعارضة السورية، وعدم طلب أسلحة ومساعدات بالمثل.

وقال بصوت مختنق: «هل يمكن لمروحياتكم أن تقصف هذه الجموع؟»، ثم علا صوته مجددا وهو يتساءل: «هل لنا الحق في العيش أم لا؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»