أمير الكويت يحل البرلمان ويتسلم دفة التشريع

تساؤلات بشأن إمكانية إصدار مراسيم «ضرورة» لتغيير آلية التصويت

TT

أصدر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أمس مرسوما بحل مجلس الأمة 2009، داعيا الكويتيين لانتخابات نيابية خلال موعد أقصاه 60 يوما، وهو ما ينص عليه الدستور. وهذه سابقة تاريخية في الكويت أن تتم الانتخابات لمجلس الأمة مرتين في سنة واحدة.

وبحل المجلس انتقلت لأمير الكويت صلاحيات السلطة التشريعية، وأصبح في متناول يده إصدار (مراسيم ضرورة) من بينها مرسوم بتغيير آلية التصويت في الانتخابات المقبلة وإبطال منح الناخبين الحق في التصويت لأربعة مرشحين، وهو ما يوفر تفوقا نسبيا للمعارضة التي تناوئ الحكومة.

ويخشى المعارضون أن يلجأ الشيخ صباح لإجراء من هذا القبيل، لكن ناشطين في منظمات المجتمع المدني بينهم ناصر العبدلي، رئيس جمعية تنمية الديمقراطية طالب عبر «الشرق الأوسط» أمير البلاد باتخاذ هذا الإجراء كمدخل لتطوير الحياة السياسية في البلاد. إلى ذلك، يعقد في الكويت مؤتمر الحوار الوطني الذي يكرس مناقشاته لقضايا الشباب، بحضور يغلب عليه الموالاة.

وأمس، قال وزير الإعلام الشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح إن أمير الكويت أصدر مرسوما أميريا بحل مجلس الأمة المنتخب في 2009.

وجاء المرسوم الأميري بحل المجلس بعد أيام قليلة من رفع الحكومة في اجتماعها الاستثنائي الأخير إلى أمير البلاد مشروع مرسوم بحل مجلس الأمة. وأوضح وزير الإعلام أن مجلس الوزراء استند في مرسوم الحل إلى نص المادة (107) من الدستور (ونظرا إلى تعذر إمكانية عقد جلسات مجلس الأمة بسبب عدم اكتمال النصاب).

وحل هذا البرلمان الذي أعادته المحكمة الدستورية يشكل مطلبا للمعارضة وهو يمهد الطريق أمام إجراء انتخابات مبكرة للمرة الثانية هذه السنة، وللمرة الخامسة في ست سنوات.

وكان المجلس المنحل قد فشل في عقد أي جلسة منذ أعادته المحكمة الدستورية في يونيو (حزيران). وكانت آخر انتخابات نيابية شهدتها الكويت في فبراير (شباط) الماضي والتي شكلت المعارضة التي يهيمن عليها الإسلاميون والقبليون غالبية مقاعد البرلمان، لكن الحكومة التي طالما اشتكت من توتر العلاقة مع المجلس، استفادت من حكم أصدرته المحكمة الدستورية يقضي ولأول مرة في تاريخ الكويت ببطلان إجراءات حل مجلس الأمة السابق المنتخب عام 2009 الأكثر تقاربا مع الحكومة، وإبطال انتخابات فبراير 2012، مما مكن الحكومة من إزاحة المجلس المناوئ لها وإعادة مجلس 2009. والمجلس المنحل هو سادس مجلس يجري حله في الكويت من عام 2006.

وأصبح النزاع بين الحكومة ومجلس الأمة عنوانا للمأزق السياسي الذي تعانيه الكويت وأدى إلى شلل الحياة السياسية في حين يلقي عليه محللون أيضا مسؤولية بعض الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها البلاد، ولم يتمكن برلمان 2012 من إقرار ميزانية العام المالي الحالي.

وعلى وقع احتجاجات وتصعيد في نبرة المعارضة، خسرت الحكومة الشهر الماضي معركة دستورية لتغيير الدوائر الانتخابية. بعد أن رفضت المحكمة الدستورية الكويتية في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي طعنا تقدمت به الحكومة ضد تقسيم الدوائر في قانون الانتخابات، واعتبر الحكم انتصارا للمعارضة التي قادت احتجاجات في ساحة الإرادة، كما صعدت مطالبها بتحقيق إمارة دستورية يكون فيها رئيس الوزراء منتخبا.

إلا أن هواجس المعارضة ما زالت باقية من لجوء الأمير إلى إصدار مرسوم (ضرورة) لتعديل آلية التصويت حتى دون تغيير الدوائر الانتخابية، ويمنح النظام الانتخابي الكويتي الناخب حق التصويت لأربعة مرشحين في الدائرة الانتخابية، وتسعى الحكومة لإجراء تعديل يمنح الناخب الواحد صوتا واحدا.

وتم إقرار القانون الانتخابي الحالي في 2006 بعد تخفيض عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى خمسة بعد موجة احتجاجات شعبية، ونظمت انتخابات بموجبه في 2008 و2009 و2012.

من جانبه قال ناصر العبدلي، رئيس جمعية تنمية الديمقراطية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن حل مجلس 2009 كان متوقعا ومرحبا به، وأن مرسوم حله (يمثل إرادة شعبية للتخلص من هذا المجلس بعد انكشاف أن بعض نوابه استلموا مبالغ مالية بهدف بيع مواقفهم للحكومات السابقة). وطالب العبدلي أمير البلاد بإصدار مرسوم (ضرورة) بتخفيض عدد أصوات الناخبين، وقال، إن «المصلحة العامة تقتضي تخفيض هذه الأصوات من أربعة مرشحين لكل ناخب إلى صوت واحد لكل ناخب، حتى لو اصطدم القرار مع رأي الأغلبية البرلمانية».

وأضاف: «هناك بعض القضايا الملحة تحتاج إلى مراسيم ضرورة، وإصدار مثل هذه المراسيم هو حق دستوري للأمير خاصة أنه في ظل غياب المجلس التشريعي تنتقل للأمير الصلاحيات التشريعية ويصبح هو صاحب الحق في التشريع، لكن المشرع ترك لمجلس الأمة الجديد حق مراجعة التشريعات التي صدرت في غيابه وله الحق في إسقاطها وعندها تزول آثارها».

في حين رأى أن إقدام الأمير على خطوة من هذا القبيل ما زالت مستبعدة لأنها ستكرس من جديد المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد. وقال، إن «تخفيض عدد الأصوات سيكون من مصلحة الكويت على المدى البعيد ويمكن أن يقضي على كثير من مثالب العملية الانتخابية، مثل استخدام الأربعة أصوات في عمليات التبادل، ونقل الأصوات من دائرة لدائرة أخرى، والقضاء على الانتخابات الفرعية التي تقوم بها قبائل في الدائرتين الرابعة والخامسة».

وقال إن الحياة البرلمانية في الفترة الأخيرة أنتجت أغلبية، ولكنها ليست أغلبية سياسية بل أغلبية قبلية، وأشار إلى أن رأي جمعيته (جمعية تنمية الديمقراطية) أن عدم حصر التصويت لمرشح واحد لن يطور الحياة السياسية بسبب أن الكثير ينظر للانتخابات كوسيلة لتحقيق الاستفادة الشخصية والقبلية بعيدا عن تطوير الحياة السياسية.

كما توقع العبدلي أن تستمر الأزمة السياسية التي تعانيها الكويت إلى وقت طويل، ما دام الدستور لم يحسم الجدلية بشأن (تبعية السلطة) في البلاد. وقال، إن «الدستور لم يحسم بعد جدلية السلطة وهل هي تابعة للشعب أم للأسرة الحاكمة؟ ولذلك فإن المطالبة بحكومة منتخبة وأغلبية برلمانية تأتي في إطار حسم ثنائية السلطة التي استمرت فترة طويلة امتدت لأربعين عاما»، وأضاف: أن «فكرة الدستور الكويتي قائمة على وجود طرف أصيل يمارس السلطة، وهناك طرف يشارك فيها وهو الشعب الكويتي، ولا حل للأزمة إلا بتغيير هذه الثنائية، أي وجود عائلة حاكمة تملك ولا تحكم، وأن تترك إدارة الشؤون اليومية للشعب الكويتي من خلال الجماعات السياسية التي حددها الدستور».

من جهة أخرى، ينطلق في الكويت اليوم مؤتمر للحوار الوطني، يحضره وزراء ونواب سابقون على رأسهم رئيس المجلس المنحل جاسم الخرافي، ويستمر يومين. ويعقد المؤتمر تحت شعار «وقفة من أجل الكويت»، بمشاركة شخصيات سياسية يغلب عليها الاتجاه الموالي للحكومة، كما يشارك به رجال أعمال.

ومن أبرز المشاركين: جاسم الخرافي، وعبد الوهاب الهارون، ومشاري العصيمي، ومرزوق الحبيني، ومبارك الدويلة، وعبد الوهاب الوزان، وعلي الراشد، وأماني بورسلي، وعدنان عبد الصمد، وأحمد لاري، وصالح عاشور، ويوسف الزلزلة، ويعقوب الصانع، والدكتور عواد الظفيري، والدكتورة معصومة مبارك، وأحمد المليفي، وفيصل الجزاف، وأنور بوخمسين.