الجزائريون يودعون «رجل الانفتاح السياسي» في جنازة مهيبة بحضور بوتفليقة وشخصيات أجنبية

بن جديد رحل دون الكشف عن أسباب تنحيه من الرئاسة

موكب جنازة الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد يجول العاصمة الجزائر أمس (أ.ب)
TT

ودع الجزائريون أمس الشاذلي بن جديد، ثالث رئيس لبلادهم في جو جنائزي مهيب شارك فيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكل المسؤولين المدنيين والعسكريين. وحضر مراسيم التشييع، الذي جرى بـ«مربع الشهداء» بمقبرة العالية بالضاحية الشرقية للعاصمة، قادة دول أجنبية والمئات ممن عرفوا المرحوم عن قرب وكانوا شهودا على أحداث مهمة في مرحلة حكمه (1979 - 2012).

سار موكب جنازة الرئيس الأسبق بأهم الشوارع الرئيسية للعاصمة، باتجاه المقبرة التي دفن فيها الرؤساء المتعاقبون على قيادة الجزائر: أحمد بن بلة (1962 - 2012) وهواري بومدين (1965 - 1978) ومحمد بوضياف الذي قتل ولم تمر ستة أشهر على حكمه، من يناير (كانون الثاني) 1992 حتى يونيو (حزيران) 1992.

ووقف سكان العاصمة على طول الشوارع لتحية من يوصف بـ«أبي الديمقراطية» كناية على دستور 1989 الذي وضعه الشاذلي والذي نقل البلاد من حكم الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية. وكان الدافع إلى الانفتاح السياسي، ثورة صاخبة قادها شباب طالبوا بالعيش الكريم وبهامش من الحريات وسقط منهم 500 قتيل في مواجهات مع الجيش. ولا تزال ملابسات تلك الانتفاضة غامضة إلى اليوم، إذ لا يعرف من حركها ولا الجهة التي أمرت بإطلاق النار على المتظاهرين.

وعرفت المدينة زحمة كبيرة طول نهار أمس بسبب الموكب الجنائزي، وتم تعليق عدة أنشطة وفعاليات اقتصادية وثقافية بسبب الحدث. وحضر بالمقبرة نجل أمير قطر ووزيرا الخارجية والدفاع ورئيس أركان الجيش التونسيين. ووزيرا الخارجية والأوقاف المغربيين ووزير الشؤون الدينية المصري، وزعيم بوليساريو محمد عبد العزيز.

وقال رجل في السبعين التقته «الشرق الأوسط» بحي بلكور الشعبي، إن الشاذلي «كان إنسانا بمعنى الكلمة قبل أن يكون مسؤولا. فهو رجل عطوف ومتواضع لم نعرف عنه إلا التفاني في خدمة بلاده، يكفيني أنا كجزائري أنه كان يرفض التواصل مع أبناء وطنه إلا باللغة العربية خلافا لبعض الرؤساء». ويذكر نعمان شاب في الـ26 من نفس الحي، أن ما يعرفه عن الشاذلي فترة صراعه مع حزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي طالبت نهاية تسعينات القرن الماضي بتنحيته بموجب انتخابات رئاسية مبكرة. ومن الشعارات التي تداولها أنصار «الإنقاذ» آنذاك وكانوا كثيرين: «مسمار جحا ينبغي أن يتنحى». وأضاف نعمان: «قرأت في الصحافة أيضا أن قادة الجيش أجبروا الشاذلي على الاستقالة لمنع جبهة الإنقاذ من الوصول إلى الحكم، ولكني لم أسمع أبدا الشاذلي بن جديد يتحدث في هذا الموضوع».

ويلوم كثيرون الشاذلي على صمته بشأن فترة عصيبة عاشتها الجزائر، تتعلق أساسا بظروف استقالته (أو إقالته) من الرئاسة، لما كان الإسلاميون بصدد دخول البرلمان بقوة وتدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية. ويترقب المهتمون بهذه الفترة، التي تصفها الصحافة بـ«العشرية السوداء»، صدور مذكرات الشاذلي في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، للاطلاع على تفاصيل ما جرى بخصوص صراعه مع الإسلاميين وخلافاته مع كبار قادة المؤسسة العسكرية بشأن «الإنقاذ»، وقضايا أخرى متصلة بالقلاقل داخل الحزب الحاكم آنذاك «جبهة التحرير الوطني».

ونقلت الصحيفة الإلكترونية «كل شيء عن الجزائر»، عن المحامي ميلود براهيمي شقيق المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، أن الشاذلي استقال بمحض إرادته عكس ما يقوله الكثيرون». وذكر الإبراهيمي: «لقد زرته بعد فترة قليلة من ابتعاده عن السياسة، وقال لي بأنه تنحى طوعا من الرئاسة لينسجم مع ضميره». ويفهم من هذا الكلام أن الشاذلي اعتبر فوز الإسلاميين الساحق في أول انتخابات تعددية برلمانية، بمثابة إخفاق له فقرر الابتعاد عن تسيير شؤون الدولة. ويرجح متتبعون استمرار الجدل حول ظروف خروجه من السلطة