التساهل في الواقع التربوي يهدد مستقبل التعليم في العراق

ظاهرة الدرجات الإضافية بدأت في عهد عبد الكريم قاسم وتعمقت إبان حكم صدام وبعده

طالبات في مدرسة متوسطة في قرية قرب الموصل («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن التساهل في الواقع التربوي في العراق، من حيث إضافة درجات إضافية أو منح الطلبة دورا ثانيا وثالثا لتأدية الامتحانات، لا يبدو جديدا، لكنه ازداد في عراق ما بعد عام 2003 ليتحول إلى ظاهرة شبه سنوية. ففيما كان مستوى التعليم في العراق في العهد الملكي متقدما من حيث الاعتراف بالجامعات العراقية في العالم العربي والعالم لكون مخرجات التربية إلى الجامعات رصينة من حيث التأهيل، لكنه بدأ بالتراخي النسبي بعد قيام النظام الجمهوري عام 1958 حين منح الزعيم عبد الكريم قاسم كل طلبة العراق عاما دراسيا كاملا دون امتحانات أطلق عليه «الزحف». وفي عهد صدام حسين برزت ظاهرة الامتيازات التي يتمتع بها من أطلق عليهم «أصدقاء الرئيس» من حملة الأوسمة والأنواط. فبالإضافة إلى الامتيازات المادية فإن تلك الامتيازات «زحفت» على أبنائهم الطلبة بواقع 5 درجات لكل طالب على المعدل. ولأول مرة في تاريخ التعليم في العالم، فإن تلميذا في الإعدادية يتخرج حاصلا على 110 في المائة من الدرجات، وهي ما تؤهله وفقا لهذه المقاييس إلى دخول أعلى من كلية الطب مثلا لو وجدت.

بعد عام 2003 ظهرت حكاية أخرى ذات شجون هذه المرة، وهي الوضع الأمني المتردي دائما، فضلا عن قلة المدارس في العراق بالقياس إلى أعداد الطلبة سنويا (هذا العام دخل إلى المدارس نحو 9 ملايين طالب وهو ما نسبته ثلث سكان العراق ما عدا إقليم كردستان). وفي هذا السياق قرر مجلس الوزراء العراقي مؤخرا إجراء دور ثالث للطلبة لكي يؤدوا الامتحان. وبالتزامن مع هذا القرار، قررت وزارة التربية منح خمس درجات إضافية لطلبة الصفوف غير المنتهية الراسبين في الدور الثاني.

وكيل وزارة التربية عدنان النجار أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الوزارة مجبرة على اتخاذ مثل هذا القرار وليست مختارة، وذلك لأسباب تبدو موضوعية برغم علمنا أن هذا من شأنه التأثير على المستوى العلمي، على رغم ما نبذله من جهود لتخطي مثل هذه الآثار السلبية». وأضاف النجار أن «الهدف من وراء ذلك هو تطوير ورفع نسب النجاح بين الطلبة لأننا نعاني من مشكلة كبيرة تؤثر على واقع التعليم بشكل رئيسي وهي ظاهرة اكتظاظ المدارس نتيجة قلة المدارس وعدم بناء مدارس جديدة». وأشار إلى أن «الوضع الأمني في البلاد يمثل مشكلة أخرى لا سيما أن هناك تفاوتا في هذا المجال وهو ما يجعلنا نراعي ذلك ونأخذه في الحسبان من خلال منح الطلبة فرصا، سواء بمنحهم دورا إضافيا أو درجات لمن تمكن من دخول البكالوريا، وهو ما يعني أننا نريد أن نستوعب أكبر عدد من الطلبة ونشجعهم على الدراسة حتى في العطلة الصيفية بدلا من أن يذهبوا إلى أنشطة وممارسات أخرى يمكن أن تضر المجتمع».

من جهته، أعلن عضو لجنة التربية في البرلمان العراقي برهان محمد فرج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «لجنة التربية تؤيد ذلك وهي من رفعت التوصية إلى مجلس الوزراء بإضافة دور ثالث، لأن الوضع الأمني في البلاد غير طبيعي وأكبر من قدرة الطلبة وأهاليهم على مجاراته، الأمر الذي يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في هذا المجال». وأوضح أنه «لو كان الوضع طبيعيا في البلاد لقلنا إن الأمر قد يكون مختلفا». واعتبر فرج أن «نظام التدريس في العراق لا يزال نظاما معقدا ويحتاج إلى نوع من التسهيل بالإضافة إلى أنه عمل جماعي».

أما المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي قاسم محمد قاسم فقد أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمر بالنسبة لنا هو المعدل حيث إنه هو معيار القبول في الكليات والمعاهد» ، داعيا إلى «طرح خطة وطنية شاملة للتعليم والتربية لأن المشكلة التي نعانيها الآن هي أن كل وزارة أو جهة تعمل وحدها وهو أمر غير صحيح». ولم يستبعد قاسم أن «بعض المطالبات سواء بمنح الطلبة دورا إضافيا أو درجات إضافية قد تكون وراءها أسباب انتخابية».

بدوره، فإن لعميد كلية الإعلام في جامعة بغداد الدكتور هاشم حسن رأيا مختلفا في هذه المسألة. حسن قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مسالة التحجج بالوضع الأمني قد تكون لها مبررات معينة وفي إطار ضوابط محددة لكن أن يصل الأمر إلى حد منح مكرمات في غير وقتها، فهذا يعني أننا دخلنا في مرحلة جديدة»، مشيرا إلى أنه «وفي إطار رؤية أكاديمية رصينة فإن مثل هذه الممارسات تصنع بنية تحتية للتخريب المتعمد، حيث إن التعليم العالي يتلقى الآن مخرجات هي الأسوأ في تاريخ العراق». وحمل حسن وزارة التربية المسؤولية كاملة قائلا إنها «فشلت فشلا ذريعا والدليل على ذلك ظاهرة الدروس الخصوصية، التي حلت محل التدريس في عموم المدارس وصولا إلى الابتدائية». كما وصف لجنة التربية بأنها «عرابة الفساد». ودعا هاشم إلى البحث عن بديل وذلك باتباع «نظام الكورسات المعمول به في عدد من الدول ومن بينها دول مجاورة للعراق مثل الأردن».