لجنة أميركية تؤكد وجود مخاطر كامنة في المعدات الصينية

اتهام مؤسسات الاتصالات الصينية بسرقة حقوق الملكية الفكرية من شركات أميركية

TT

في أحدث التطورات التي تسلط الضوء على المنطقة الحساسة التي تتحرك فيها الولايات المتحدة والصين في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، أصدرت لجنة تابعة للكونغرس، أول من أمس، تقريرا موحدا شديد اللهجة اتهمت فيه اثنتين من كبرى شركات الاتصالات الصينية بأنهما ذراعان للحكومة الصينية قامتا بسرقة بعض حقوق الملكية الفكرية من شركات أميركية، وربما تتجسسان على الأميركيين. وذكرت لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس أنها توصلت، بعد تحقيق استغرق عاما كاملا، إلى نتيجة مفادها أن الشركتين الصينيتين، «هواوي تكنولوجيز» و«زد تي إي إنكوربوريشن»، تمثلان تهديدا للأمن القومي، بسبب محاولاتهما استخلاص معلومات حساسة من شركات أميركية وتبعيتهما للحكومة الصينية.

وتبيع هاتان الشركتان معدات الاتصالات اللازمة لإنشاء وتشغيل الشبكات اللاسلكية، مثل تلك التي تستخدمها شركتا «فيرايزون وايرلس» و«إيه تي آند تي». والكثير من الشركات الرئيسية الموردة للمعدات تقع خارج الولايات المتحدة، مما يثير مخاوف داخلية في ما يتعلق بأمن الاتصالات، وتشتد تلك المخاوف إلى أقصى درجة مع شركتي «هواوي» و«زد تي إيه» بسبب الروابط الوثيقة التي تربطهما بالحكومة الصينية، التي ترى اللجنة أنها تبالغ في تقديم الدعم للشركتين. وزعم التقرير أن السماح للشركتين الصينيتين بممارسة نشاط تجاري داخل الولايات المتحدة سوف يمنح الحكومة الصينية القدرة على التنصت بسهولة على الاتصالات، وقد يسمح لها بشن هجمات عبر الإنترنت على البنية التحتية الحيوية، مثل السدود وشبكات الكهرباء.

ويأتي صدور هذا التقرير وسط حديث كل من مرشحي الرئاسة عن أهمية الروابط الأميركية - الصينية، وتعهده باتخاذ موقف قوي تجاه الممارسات النقدية والتجارية الصينية التي تضر بالمصالح التجارية الأميركية. فقد دعا المرشح الجمهوري للرئاسة، ميت رومني، مرارا وتكرارا، أثناء حملته الانتخابية، إلى انتهاج أسلوب أكثر حسما مع الصين في ما يتعلق بالقضايا التجارية، إلا أن تحذيراته ركزت على التدخلات الصينية في سوق العملة أكثر مما ركزت على الأنشطة التي تمارسها شركات الاتصالات الصينية. والرئيس باراك أوباما هو الآخر اتخذ موقفا أكثر خشونة تجاه الصين في الآونة الأخيرة، ففي نهاية الشهر الماضي ألزم أوباما إحدى الشركات الصينية - من خلال لجنة الاستثمار الأجنبي الأميركية - بالتخارج من حصتها في 4 مشروعات مزارع الرياح التي تقع بالقرب من قاعدة بحرية في ولاية أوريغون، تجري فيها تدريبات خاصة بالطائرات من دون طيار، وتعتبر هذه هي أول مرة يتدخل فيها رئيس أميركي لمنع صفقة كهذه منذ 22 عاما.

كما قامت إدارة الرئيس أوباما برفع دعوى أمام منظمة التجارة العالمية في جنيف، تتهم فيها الصين بدعم صادراتها من السيارات وأجزاء السيارات بصورة غير عادلة، وهو تاسع إجراء تجاري تتخذه الإدارة الأميركية ضد الصين. وقد ذكر مسؤول كبير داخل البيت الأبيض: «لدينا عملية لا تستهدف شركة بعينها، بل تسعى إلى استغلال جميع أصول الحكومة الأميركية وهيئاتها بهدف حماية اتصالاتنا وبنيتنا التحتية الحيوية».

وصدر هذا التقرير صباح أول من أمس في مؤتمر صحافي عقده مايك روجرز، النائب الجمهوري عن ولاية ميتشيغان ورئيس لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس، وتشارلز روبرسبرغر، النائب عن ولاية ميريلاند وأعلى مسؤول ديمقراطي في اللجنة. وقد أكد الرجلان ضرورة منع الحكومة الأميركية من إقامة علاقات تجارية مع شركتي «هواوي» و«زد تي إيه» وابتعاد الشركات الأميركية عن شراء معدات هاتين الشركتين، وأشار التقرير إلى أن اللجنة حصلت على وثائق داخلية من موظفين سابقين بشركة «هواوي» تبين أنها تقدم خدمات إلى وحدة من وحدات «حرب الإنترنت» التابعة للجيش الصيني.

وأوصى التقرير بضرورة أن تقوم الحكومة الأميركية بفحص لجنة الاستثمار الخارجي في الولايات المتحدة، وهي لجنة مشتركة بين الهيئات الحكومية تختص بمراجعة انعكاسات الاستثمارات الأجنبية على الأمن القومي، من أجل تنفيذ التوصيات الواردة به، كما حث اللجنة على منع أي صفقات اندماج واستحواذ تتضمن شركات صينية وأميركية. وفي سياق التحقيق، أعلنت اللجنة التابعة للكونغرس أنها كشفت النقاب عن أدلة على وجود عمليات تجسس اقتصادي، وأكد المسؤولون يوم الاثنين الماضي نيتهم تسليم هذه الأدلة إلى «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي).

وأكد التقرير أن موظفين سابقين وحاليين في شركة «هواوي» أخبروا المحققين التابعين للجنة أن الشركة ارتكبت «مخالفات محتملة» في الولايات المتحدة تتعلق بعمليات هجرة ورشوة وفساد وانتهاك لحقوق النشر. وقد ظلت شركة «هواوي» لسنوات محل انتقاد وتحذيرات أمنية، وخصوصا من وزارة الدفاع الأميركية، كما لاقت خططها للتوسع في الولايات المتحدة مقاومة من الكونغرس، بسبب وجود علامات استفهام حول الروابط التي تربطها بالعسكر في الصين. وتنكر الشركة أن تكون قد حصلت على تمويل من أجل القيام بعمليات أبحاث وتطوير لحساب الجيش الصيني، كما أصر مسؤولوها أكثر من مرة على أنه لا يوجد لديهم ما يخفونه. وقد وجهت الشركة خطابا مفتوحا إلى الحكومة الأميركية في شهر فبراير (شباط) عام 2011، طالبت فيه بإجراء تحقيق من أجل استيضاح ما وصفته بأنه سوء فهم بشأن تاريخها وعملياتها التجارية. وفي المؤتمر الصحافي، قال روجرز وروبرسبرغر إنهما أخبرا الشركتين الصينيتين بأنه كان يتعين عليهما أن يكونا أكثر شفافية، إلا أن أملهما خاب بسبب الردود الناقصة والمتضاربة على تساؤلاتهما. وأشار روجرز إلى أن اللجنة تشعر بالقلق من أن تكون هاتان الشركتان امتدادا للحكومة الصينية، نظرا لأنهما يحصلان على تمويل كبير منها. وفي شهادة تم الإدلاء بها أمام اللجنة التابعة للكونغرس في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد مسؤولون من شركتي «هواوي» و«زد تي إيه» أن «الأبواب الخلفية»، التي يقال إنها زرعت في برمجياتها وتتيح الدخول بشكل غير مشروع على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالشركات الأميركية، هي مجرد عيوب وليست نقاط ضعف متعمدة. وقال روجرز إنه تم إبلاغ الشركتين أن تخبرا الصينيين بضرورة «التوقف عن القرصنة» على الشركات والبنية التحتية الأميركية إذا كانوا يريدون ممارسة نشاط تجاري في الولايات المتحدة، وتابع قائلا: «العالم مكان متغير. من الأفضل أن نشعر بالاطمئنان والثقة تجاه شبكتنا». وقد أصدرت شركة «هواوي» بيانا استنكرت فيه التحقيق الذي أجرته اللجنة والتقرير الصادر عنها، وقالت الشركة في بيانها: «للأسف، فإن تقرير اللجنة لم يتجاهل سجلنا السابق المشرف من أمن الشبكات في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم فحسب، بل إنه لم يوجه أي اهتمام إلى الكم الكبير من الحقائق التي قدمناها»، وأضافت في موضع لاحق أن «التقرير الذي أصدرته اللجنة اليوم يعتمد على الكثير من الشائعات والتكهنات من أجل إثبات اتهامات ليس لها وجود».

وقد حقت شركة «هواوي» نجاحا كبيرا في الفوز بعقود اتصالات كبيرة في أوروبا وفي الأسواق الناشئة، إلا أنها لم تحقق نجاحا يذكر في الولايات المتحدة، التي لطالما ظل الساسة فيها يشعرون بالقلق من أن يكون الصينيون يستغلونها في التنصت أو غير ذلك من الأنشطة المتعلقة بحرب الإنترنت، رغم الإنكار المتكرر من جانب الشركة. وقد تأسست هذه الشركة عام 1987 على يد رين زينغ فاي، وهو مسؤول سابق في الجيش الصيني وباحث في مجال التكنولوجيا العسكرية ظل يتولى إدارتها منذ تأسيسها. والشركة مملوكة لموظفيها، وعلى عكس الكثير من المؤسسات الصينية، فقد اختارت ألا تبيع أسهمها في هونغ كونغ أو الولايات المتحدة، مما كان سيعرضها لاشتراطات كثيرة في ما يتعلق بالإفصاح المالي.

وأعلنت شركة «زد تي إيه»، يوم الاثنين الماضي، أنها «وضعت معيارا غير مسبوق للتعاون من قبل أي شركة صينية» مع تحقيق يجريه الكونغرس الأميركي. وقالت الشركة في بيان لها: «(زد تي إيه) هي أكثر شركة اتصالات شفافة ومستقلة وذات مجال عالمي ومدرجة في البورصة في العالم». وأثناء مؤتمر صحافي يعقد بانتظام وجرت وقائعه في بكين يوم الاثنين الماضي لصدور التقرير في واشنطن، قال هونغ لاين، وهو متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: «أرجو أن تحترم الولايات المتحدة الحقائق، وأن تتخلى عن الأحكام المسبقة، وأن تجعل الأمور أكثر تشجيعا للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة، وليس العكس».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»