غربيون من جذور سورية يتوافدون لمساعدة الثوار

ازداد عددهم مع طول أمد الحرب في بلدهم الأم.. رغم محاولات دولهم ثنيهم عن ذلك

TT

في الليلة السابقة لمغادرته منزل والديه في مدينة واين بولاية تكساس، من أجل الانضمام إلى الثوار الذين يحاولون إسقاط الرئيس بشار الأسد في سوريا، ترك عبيدة حتو باقة من الزهور البيضاء لوالدته، ومعها قلادة من الفضة الخالصة ورسالة مكتوبا فيها: «لقد صنعت مني ما أنا عليه، لكنني اليوم لا بد أن أذهب وأفعل ما ينبغي أن أفعله».

وأجل حتو (25 عاما)، وهو لاعب كرة قدم سابق في إحدى المدارس العليا، خططه للالتحاق بكلية الحقوق كي يتسلل إلى سوريا لمساعدة الثوار، من خلال التقاط تسجيلات الفيديو ونشر المعلومات على شبكة الإنترنت خدمة لقضيتهم. وقال حتو بفخر أثناء حوار أجري معه مؤخرا عبر الهاتف: «أنا واحد منهم».

ومنذ الأيام الأولى للثورة، امتلأت صفوف قوات الثورة السورية بالمدنيين والمنشقين من الجيش، ولكن مع طول أمد الحرب واتخاذ الحكومة تدابير تزيد من صعوبة انشقاق الجنود، انضمت فئتان أخريان إلى المعارضة، حيث حدث ارتفاع في عدد المقاتلين الأجانب، والكثيرون منهم هم من المتطرفين الإسلاميين، ولكن كان هناك أيضا عدد صغير ولكنه ملحوظ من الرجال من أمثال حتو، ممن يتحدرون من أصول سورية ويحملون جوازات سفر غربية، قطعوا كل هذه الرحلة من أجل الانضمام إلى الجيش السوري الحر.

ويقدر الخبراء عددهم على وجه التقريب بالمئات، وهم يأتون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا، ووجود هؤلاء لا يكفي لتحويل دفة المعركة بالطبع، لكنهم يضفون عنصرا آخر من التصميم والتعقيد إلى مشهد دموي تتسم فيه الولاءات والطموحات في الغالب بالغموض وعدم الوضوح.

ويقول آرون زيلين، وهو زميل في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، عن حتو: «رغم أنه لا يقاتل على الجبهة الأمامية، فإنني أعتبره مقاتلا أجنبيا». ويحتفظ زيلين بإحصاء خاص لأعداد المقاتلين الأجانب في سوريا بناء على التقارير الإخبارية وتصريحات الإسلاميين، وهو يقول إن هاتين الفئتين معا يصل عددهما إلى الآلاف.

وقد قضى حتو، الذي له أقارب من بعيد في دمشق، 5 أشهر في إرسال تسجيلات الفيديو والصور الفوتوغرافية من دير الزور، وأحيانا بالقرب جدا من مواقع القتال، والكثير منها تظهر به كتل كبيرة من الدخان الكثيف، وطقطقة نيران المدافع، وروايات تهز الوجدان يرويها بإيمان وغضب ناشط وبنبرة أميركية. وقد ذكر في مقطع فيديو سجله في الأول من أغسطس (آب) الماضي يصور بناية محترقة: «في كل مكان حولنا يوجد إطلاق نار. يبدو أن العالم لا يعبأ بهذا». وقلة قليلة ممن هم في مكان حتو اتخذوا قرار البقاء كل هذه الفترة التي قضاها هو هنا، وخاصة مع فرار الأهالي من مناطق القتال. وقال حتو في مقابلة أجريت معه عبر برنامج «سكايب» الشهر الماضي من دير الزور: «85 في المائة من الأهالي المدنيين رحلوا عن المدينة. لو أن الناس فقط رأوا ما يحدث بالفعل للناس هنا، لربما فعلوا نفس ما فعلت».

ولا تحتفظ وزارة الخارجية الأميركية بإحصاء لعدد الأميركيين الذين يدخلون سوريا، وهي تحاول إثناء جميع المسافرين إلى البلد عن هذه الفكرة، ومن يدخلون يفعلون ذلك بصورة غير قانونية، حيث يتم تهريبهم عبر الحدود من تركيا بواسطة ناشطين سوريين، ثم ينضمون إلى معارف موثوق بهم في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر داخل البلاد. والبعض منهم يذهبون في رحلات خاطفة إلى مناطق يسيطر عليها الثوار في الشمال، من أجل تقديم مساعدات غير قتالية، وهذه الرحلات البرية عبر الحدود، التي يتم قطعها غالبا على الأقدام أو تحت جنح الظلام، تكون شاقة ومضنية.

وقد قضى عبد الله الدهان (24 عاما)، وهو طالب يدرس في كلية الطب من مدينة ديترويت الأميركية، 3 أسابيع في محافظة إدلب الشمالية هذا الصيف، حيث كان ينقل الإمدادات الطبية إلى العيادات المؤقتة في عدة مدن مع جماعة المساعدات الأميركية «مسلمون بلا حدود». وقد علق قائلا: «كانت هذه هي أول مرة أذهب فيها إلى سوريا»، وأضاف أنه كان ينام ويسافر ويأكل مع الثوار، موضحا: «كنا نعيش في الغالب على الخيار والطماطم كل يوم، وكل ما كان يمكنهم زراعته في فنائهم الخلفي».

وكان من التقاهم الدهان في سوريا يسألونه عما جعله يترك حياته الرغدة في الولايات المتحدة من أجل تقديم يد العون لهم في قتالهم، وقد أجاب على ذلك في حوار هاتفي من ديترويت: «أوضحت لهم أن هذا هو بلدي أيضا»، كاشفا عن نيته العودة إلى سوريا.

وذكرت رانيا صباغ (39 عاما) أنها قامت برحلة استغرقت أسبوعا إلى بلدها الأم سوريا في شهر أغسطس الماضي، وقد ذهبت إلى جبل الزاوية في إدلب حيث يعيش صديق لها ساعدها على دخول البلاد. وأضافت: «هذا ليس شيئا أنصح به الآخرين. لم أكن أنام سوى ساعة ونصف فقط في الليل. أنا من دالاس، ولم أعتد على سماع أصوات الطلقات باستثناء رحلات الصيد ربما».

إلا أن حتو يبدو عازما على التمسك بالتزامه الوطني، حيث يقول والداه سوزان وغسان حتو إنهما منذ أن رحل ابنهما إلى سوريا يقضيان كل يوم في البحث على الإنترنت عن أي لمحة عنه، وتقول سوزان حتو عن مقاطع الفيديو القصيرة التي صورها ابنها بمساعدة الناشطين المحليين: «خالجني شعور بأنني أم لشخص في فيتنام عندما عرضت تلك الصور الأولى على شاشة التلفزيون. بعد أن انقطعت كل أخباره لمدة 8 أيام، ظللت أبحث في كل تسجيل فيديو يأتي من دير الزور، لأرى ما إذا كان وجهه موجودا بين القتلى أم لا».

وفي الشهر الماضي، كان على وشك أن ينتهي به المطاف بينهم، إذ يقول حتو إنه كان يتابع اثنين من المقاتلين الثوار كانا يحاولان قنص جنود النظام الواقفين عند إحدى نقاط التفتيش، فصعد أعلى بناية سكنية مهجورة في منطقة تطل على ضفاف نهر الفرات وكانت في السابق من المناطق الراقية في المدينة، وكانت هناك دبابتان تقفان في مكان قريب. وبعد صعوده إلى الطابق الرابع من البناية وجد أحد الثوار (وهو قناص) فرصة مواتية، فأطلق النار على نقطة التفتيش وتمكن من إصابة أحد جنود النظام.

ويتابع حتو شرح ما حدث قائلا: «بعد ذلك بدأت البناية تتعرض للقصف». وقد حاول التصوير من نافذة موجودة في طابق أدنى، غير أن الطلقات بدأت تأتي في اتجاهه، فاستدار محاولا الهرب. ويروي قائلا: «ما إن وصلت إلى الباب، حتى سقطت قذيفة هاون على البناية»، فاخترقت الشظايا ذراعه وفخذه، واستقرت 3 شظيات على الأقل في ظهره. وقد تم نقله إلى أحد المستشفيات في إسطنبول حيث يتعافى حاليا.

وعلى الرغم من أن دير الزور غالبا ما تغطي عليها أخبار المعارك الدائرة في مدينتي دمشق وحلب الأكبر حجما وما حولهما، فقد كانت المدينة مسرحا لصدامات عنيفة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يعتقد أن المنطقة المحيطة بالمدينة (القريبة من الحدود مع العراق) هي مدخل للإمدادات التي تأتي إلى حكومة الأسد، وربما تكون مقبلة من إيران الحليف الرئيسي لسوريا في المنطقة، وتتهم الولايات المتحدة إيران بتزويد الحكومة السورية بالأسلحة والدعم الفني.

وقد وصل حتو إلى المدينة في شهر مايو (أيار) الماضي، بعد أن ساعده زوج شقيقته، الذي له أقارب في دير الزور، على الاتصال بالناشطين هناك، وقد طار أولا إلى تركيا، ثم عبر الحدود إلى سوريا، قبل أن يتوجه إلى الخطوط الأمامية في الشرق. ويقول والده، وهو من أبناء دمشق وجاء إلى الولايات المتحدة عام 1983، إنه ما زال رافضا لقرار ابنه الذي اتخذه على الرغم من اعتراضات الأسرة.

وذكر غسان حتو وهو يصف كيف ظل الاثنان يتناقشان لمدة أشهر بشأن مسألة الذهاب إلى سوريا، قبل أن يهرب ابنه إلى هناك أثناء إحدى عطلات نهاية الأسبوع، بينما كان الوالد بعيدا في رحلة عمل، إلا أن الابن غير نادم على الإطلاق، وهو عازم على العودة إلى ميدان المعركة بمجرد تماثله للشفاء، حيث ختم حديثه قائلا: «سوف أرتكب إساءة في حق نفسي إذا لم أعد. صحيح أنني مجرد شخص واحد، لكن هذا شيء أنا مؤمن به تماما».

* خدمة «نيويورك تايمز»