النظام حوّل الأحياء المسيحية في حلب إلى ثكنات عسكرية

قادة الطوائف يصفون الوضع بـ«الرهيب».. ويقولون: لا يمكننا الصمود لأشهر في ظل هذه الظروف

TT

يؤكد ناشطون من داخل مدينة حلب أن مدفعية النظام السوري لم ترحم أيا من أحياء المدينة، فهي تقصف الأحياء المسلمة والمسيحية على حد سواء. ولعل تدمير حي الميدان بالكامل، ذي الغالبية المسيحية، أكبر دليل على الحملة العسكرية العشوائية التي يشنها النظام على المدينة، بحسب الناشطين أنفسهم.

ويتمركز مسيحيو حلب بشكل خاص في أحياء السليمانية والعزيزية والسريان والجديدة والميدان. وهم يعيشون يوميات الحرب الدامية ويشهدون على أعنف الاشتباكات بين الجيشين النظامي والحر، كما يؤكد محمد الحلبي، الناطق باسم تنسيقيات الثورة في حلب لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «النظام السوري حوّل المناطق المسيحية إلى ثكنات عسكرية، فهو ركز مدفعياته فيها لدك الأحياء المتاخمة. وقد نزح أكثر من 90% من أهالي حي الميدان وهاجر قسم كبير من مسيحيي حلب إلى أوروبا».

وضع المسيحيين في حلب يصفه رئيس أساقفة حلب للسريان الأرثوذكس المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم بـ«الرهيب»، لافتا إلى أن «الأسبوع الماضي كان خطرا على الجميع، حيث دمر كل شيء وقتل كثير من الناس». ويضيف: «نسمع الانفجارات طيلة النهار، وقد أصبح حي السليمانية الذي يعيش فيه كثير من المسيحيين الأكثر خطرا، فنحن على مقربة من الأحياء التي يتمركز فيها الجيش السوري الحر، حيث تقصف الحكومة بالطائرات، والآن لا يمكننا فتح المدارس أو استقبال الناس في الكنائس، هناك قتلى كل يوم ويتم تشييع الجنازات في جميع الكنائس المسيحية، وقد أقمت يوم أمس جنازة جندي من أبناء رعيتنا قتل في السويداء». ويقول إبراهيم لوكالة أنباء «فيدس» الفاتيكانية: «الوضع هنا يصبح رهيبا بشكل متزايد، ولا يمكننا الصمود لأشهر في ظل هذه الظروف».

ويصف رئيس الكنيسة الإنجيلية في حلب القس إبراهيم نصير الظروف بـ«الصعبة جدا»، مؤكدا أن هناك من يستهدف الوجود المسيحي في حلب. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الظروف لم تعد تحتمل ولا تطاق، فبالإضافة إلى الوضع الأمني المتردي، نشهد غلاء غير مسبوق ونقصا في مواد حياتية أساسية، كما نعاني من توقف الأعمال نتيجة المعارك الدائرة، ما جعل الأهالي يصرفون ما في الجيب».

وأوضح نصير أن المسيحيين في حي الجديدة بحلب لم يعودوا يتمكنون من الصلاة في الكنيسة الإنجيلية العربية، وباتوا يتنقلون بين الكنائس باعتبار أنها كلها - كما مختلف أنحاء المناطق - مستهدفة بقذائف الهاون، وقال: «نحن نستقبل النازحين في أحيائنا وفي مدارسنا، فأبناء السليمانية يستضيفون أهالي صلاح الدين، وأهالي العزيزية يستضيفون النازحين من سيف الدولة».

وكان المطران مار غريغوريوس لفت إلى أن «المسيحيين يجرفون في دوامة الصراع بطرق مختلفة، ففي البداية كان قادة الجماعات المختلفة يطلقون تصريحات كانت تبدو مقلقة إزاء بدء الثورة»، والآن تغير الوضع وأصبح الجميع أكثر صمتا، ينتظرون ليروا إلى أين سيحملنا كل ما يحدث، ويتساءلون بقلق بشأن المستقبل».

وشدد غريغوريوس على أن «قتل الإخوة شر بحت، وعار أمام أعين البشرية جمعاء»، منوها بأن «هناك مسيحيين بين أفراد المعارضة وكذلك بين المؤيدين للنظام، لأنه لا يتفق الجميع على فكرة واحدة.. لكن لا يمكن القول إن المسيحيين جميعا حملوا السلاح، ومن اختار هذا الطريق - من جانب أو من آخر - فإنه سلوك فردي. أما بالنسبة لجميع الباقين فالاحتمال الأكبر هو الهرب، وهناك مئات العائلات التي قامت بذلك فعلا، والأخرى لا تزال تنظر في الأمر»، لافتا إلى أن «المشهد ذاته الذي حدث في العراق يبدو أنه يتكرر هنا في سوريا».