صالحي: الأسد ليس بعيدا عن الواقع وواثق من قدرته على الحسم العسكري

وزير خارجية إيران في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: نوجه بعض الانتقادات ونعتقد أن الحكومة السورية ارتكبت أخطاء

TT

يقيم القنصل العام الإيراني في ألمانيا في فيلا صفراء اللون في حي ساكسنهاوزن الراقي بمدينة فرانكفورت. وأمام مدخل الفيلا يوجد عشب صناعي كثيف، بينما تكتسي الممرات والغرف بالسجاد الفارسي، وتمتلئ الأطباق الموجودة على الطاولة في غرفة الاستقبال بالفستق والتين. وتكتسي الجدران بصور الزعيم الراحل للثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني وخليفته علي خامنئي.

وعلى مدى بضع ساعات من يوم الخميس الماضي، تحول المبنى إلى مقر لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي (63 عاما) الذي وصل من مدينة نيويورك وتوقف في فرانكفورت في طريق عودته إلى العاصمة الإيرانية طهران. وكان صالحي قد حضر للتو اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أجرى بشأن التصعيد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، ويعد صالحي أحد المسؤولين الإيرانيين البارزين القلائل المطلعين على الأوضاع في الشرق والغرب على حد سواء، حيث درس في الجامعة الأميركية في بيروت وحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 1977. وفي عام 2009، أصبح مديرا للبرنامج النووي الإيراني.

وقبيل هذا الحوار الذي تنشره الشرق الأوسط وأجرته مجلة دير شبيغل الألمانية بيوم واحد، قامت القوات السورية بإطلاق قذائف الهاون على بلدة حدودية تركية، مما أسفر عن مقتل خمسة أتراك، كما سقطت قذيفة أخرى على المناطق الحدودية التركية يوم الجمعة. ويعتقد أن الهجمات التركية الانتقامية قد أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 34 جنديا سوريا. يذكر أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، في حين تعد سوريا حليفا مهما لإيران.

وفيما يلي نص الحوار:

* سيدي الوزير، بدأ الأمر يبدو وكأنه بداية حرب على حدود حلف شمال الأطلسي (ناتو) مع سوريا، ما مدى خطورة ذلك على المنطقة؟

- بسم الله الرحمن الرحيم، أولا يتعين علينا أن نمنع حدوث أية كوارث في المستقبل، ولذا قمت بالاتصال بكلا الجانبين وطلبت منهما ضبط النفس. وفي سوريا، يقاتل الآلاف ضد حكومة بشار الأسد، وهم مسلحون بأحدث الأسلحة، ولو قامت تركيا بالرد على نطاق واسع خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة فلن يكون لديهم اعتراض على ذلك، لأنهم يسعون إلى التصعيد وإفشال مبادرات السلام.

* هل تقصدون المعارضة السورية المسلحة، أم الإرهابيين المنتمين إلى شبكة تنظيم القاعدة الدولية؟

- أنا لا أريد أن أربط بين مرتكبي أعمال العنف وبين أية دولة أو أية منظمة بعينها، ولكن الشيء المؤكد هو أن القوات العسكرية التي تتسلل إلى سوريا تسعى إلى تدويل الصراع وتحويل المنطقة إلى كتلة من اللهب.

* ولكن يبدو أن الجيش السوري هو من أطلق القذائف عبر الحدود، وليس الثوار أو مرتكبي أعمال العنف الذين تشيرون إليهم، فهل تدينون الهجمات الانتقامية التي تشنها تركيا؟

- من حق أي دولة أن تحمي نفسها إذا ما تعرضت للهجوم. وعندما أسقط السوريون طائرة تركية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، لم ترد أنقرة، وأعربت وقتها عن تقديري لذلك، لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي تعامل مع الوضع كرجل دولة يتسم بالحكمة. والآن، ينبغي الحفاظ على ضبط النفس وألا يكون رد الفعل مبالغا فيه حتى لا نقع في الفخ الذي نصبه المتطرفون.

* تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو ما دعا الحلف إلى الوقوف إلى جانب أنقرة ووصف الحادث بأنه «عمل عدواني»، ما رأيكم في ذلك؟

- من غير المناسب بالنسبة لي أن أقدم النصيحة للتحالف العسكري الغربي، ولكن لا يتعين على الحلف أن يرتكب خطأ يؤدي إلى تفاقم الوضع.

* مثل إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وفرض منطقة حظر جوي على سلاح الجو السوري؟

- سيكون ذلك خطأ من جانب الغرب، تماما كما حدث عام 2011 في ليبيا، لأن هذا يعد تدخلا غير لائق في الشؤون الداخلية في دولة ذات سيادة.

* ولكن هذا الإجراء منع ارتكاب مجزرة في بنغازي وساعد شعبا بأكمله على نيل حريته من ديكتاتور مستبد، أليس كذلك؟

- يتعين علينا أن نسير وفقا لقواعد القانون الدولي. سوريا الآن في خضم الأزمة، وتواجه 4 أو 5 محافظات، من إجمالي 14 محافظة سورية، صعوبات كبيرة، وما زالت حكومة الأسد تسيطر على الأوضاع بصورة كبيرة.

* إنكم تقللون من أهمية ما يقوم به النظام السوري الذي يقصف شعبه، حيث أسفرت الحرب الأهلية عن مقتل نحو 30 ألف سوريا؟

- ما يحدث في سوريا هو مأساة، ولا تقع المسؤولية على كاهل الحكومة السورية وحدها. ولا يمثل الأسد تهديدا للمنطقة أو للسلام الدولي في هذا الصدد. إننا نقوم بتوجيه بعض الانتقادات للأسد ونرى أن الحكومة السورية قد ارتكبت بعض الأخطاء. وتعود القضية في الأصل إلى وجود بعض الدعوات التي كانت تطالب بمزيد من الديمقراطية والتغيير، ولكن بدأت الأمور تشهد تدخلا من الخارج بصورة متزايدة.

* هل تقصد الولايات المتحدة وإسرائيل، أم قطر والسعودية؟

- مهما كان هذا الطرف، فإننا نتعامل مع تدخل خارجي يعمل على تغيير النظام، وتظهر تجاربنا في العراق أن بعض القوى على استعداد للجوء لأية وسائل وإلى التلاعب والمناورة لتحقيق أهدافها، حيث اتهمت الولايات المتحدة صدام حسين بامتلاك أسلحة دمار شامل لكي تضفي شرعية على الحرب التي شنتها على بغداد.

* لا يكاد يوجد أي سياسيين رفيعي المستوي قادرين على مقابلة الأسد، وقد تحدثتم مع الرئيس السوري منذ أكثر من أسبوعين في دمشق ودارت بينكما مناقشات طويلة ومكثفة؟

- كنت قادما للتو من اجتماع للجنة الرباعية في القاهرة، وقدمت للرئيس السوري ما ننتظره منه، الذي يتمثل في إصلاحات وتنازلات وتغييرات حقيقية. وقد اتفق معي وأشار إلى أنه قد بدأ بالفعل في القيام ببعض التغييرات، وقال إنه يريد أن يعمل مع معارضة بناءة وأن يتعاون مع الأمم المتحدة.

* وهل صدقتموه؟

- لقد التقيت في دمشق برئيس مدرك تماما للوضع الحرج الذي تمر به بلاده، ولا يبدو أنه بعيد عن أرض الواقع، ولكنه بدا واثقا ومستعدا للقتال والمقاومة، كما بدا واثقا من قدرته على حسم الصراع باستخدام القوة العسكرية.

* هناك هجمات جديدة كل يوم، وأصبحت المقاومة قادرة الآن على شن هجمات على مؤسسات مهمة مثل التلفزيون الرسمي السوري ومقر جهاز الاستخبارات، وبدأت مدينة حلب، التي تعد مركزا ماليا وتجاريا مهما في سوريا، تحترق الآن؟

- الرئيس واقعي، ويعلم أنه لا يمكن تهدئة الأوضاع في سوريا بين عشية وضحاها، ويرى أن البلاد ستعاني من بؤر إضافية للتوتر وجيوب للمعارضة، كما هو الحال في العراق.

* من الناحية العملية، تحث كافة حكومات العالم الأسد على الاستقالة، باستثناء إيران، وربما روسيا والصين؟

- من الواضح أن الرئيس الإيراني ظهر منفتحا على أي حل ينبع من داخل سوريا، ولكنه يرفض رفضا قاطعا الاستقالة التي يتم فرضها من الخارج، وهذا هو السبب الحقيقي وراء رفضه لفكرة طلب اللجوء السياسي في أي مكان آخر.

* يطالب الرئيس المصري محمد مرسي طهران بإعادة النظر في موقفها. ولكن طبقا للمعلومات الخاصة بوكالات الاستخبارات الغربية، تواصل حكومتكم إرسال الأسلحة إلى دمشق ودعم النظام السوري بالمستشارين العسكريين وحتى بنخبة قوات الحرس الثوري؟

- هذا الكلام محض هراء، حيث تمتلك سوريا جيشا يتكون من 500.000 رجل، وهم ليسوا في حاجة لأي قوات إضافية من جانبنا. ولكننا بالفعل كنا نبيع الأسلحة لدمشق قبل الأزمة، ولذا فمن الطبيعي بالنسبة لنا أن نقوم بإرسال مستشارين عسكريين إلى سوريا في هذا السياق، حيث تقوم كافة الدول بإرسال مثل هؤلاء الخبراء إلى الحكومات المتحالفة معها. لقد أجبرتنا العقوبات الدولية المفروضة على إيران على بناء صناعتنا الدفاعية بأنفسنا، حيث حققنا نجاحا كبيرا في بيع هذه المنتجات، وهذه صفقات قانونية تماما. نحن لا نقوم بشيء يختلف بأي صورة عما يقوم به الألمان.

* ما هو في رأيكم الخط الأحمر الذي لا يسمح للأسد بتخطيه؟ هل سيكون هذا الخط هو استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة؟

- أي حكومة تستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبها تفقد شرعيتها تماما. ينطبق هذا الأمر على سوريا وعلينا أيضا.

* قامت إحدى القوى الأجنبية الأخرى بوضع خط أحمر لحكومتكم، ففي معرض حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخططا يوضح متى ستتمكن إيران من امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية، مستخدما هذا المخطط للتأكيد على أنه ينبغي شن هجوم ضد بلدكم؟

- لقد كان هذا الأمر غريبا للغاية، وأنا شخصيا أرى أن حمل صورة كاريكاتيرية لقنبلة هو أمر صبياني. إذا كان الإسرائيليون يريدون مهاجمتنا، وإذا كان بمقدورهم فعل ذلك حقا لقاموا به منذ سنوات طويلة. ففي عام 1981، دمر الإسرائيليون مفاعلا عراقيا دون سابق إنذار. ولكنهم يوجهون إلينا التهديدات منذ أعوام طويلة في كل مناسبة وبصورة علنية. إنهم يدركون جيدا ماذا سيحدث لو قاموا بالاعتداء علينا. نحن لا نريد الحرب، ولكننا سندافع عن أنفسنا، وسوف يدفع المعتدون ثمنا باهظا.

* تمتلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا كثيرا من الأدلة التي تشير إلى «البعد العسكري المحتمل» لبرنامجكم النووي؟

- نحن نصر على حقنا في تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ولا يوجد أي دليل على أننا نقوم بإجراء أبحاث نووية لأغراض عسكرية.

* منذ أشهر طويلة وأنتم ترفضون السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى المجمع العسكري في بارشين؟

- ينبغي علينا أن نفرق بين أمرين في هذا السياق: أولا، لدينا بعض الالتزامات بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهو ما نلتزم به..

* هذا ما تقولونه أنتم..؟

- ثانيا، هناك بعض المطالب التي تتجاوز هذا الأمر، وهو ما لسنا مجبرين على الوفاء به، مثل تلك المطالب المتعلقة بالمجمع العسكري الموجود في بارشين.

* يشك المراقبون في قيام العلماء الإيرانيون بإجراء اختبارات على رؤوس نووية بصورة سرية في هذا الموقع، بينما تحاول إيران في الوقت الحالي محو كافة الآثار المتعلقة بذلك؟

- هذا أمر مثير للسخرية، فالأبحاث النووية تخلف آثارا لا يمكن محوها بصورة كاملة. أنا لا أريد أن أستبعد إمكانية توصلنا إلى حل لفتح المجمع العسكري في بارشين أمام المفتشين الدوليين، بصورة طوعية، كما فعلنا في مناسبات كثيرة في الماضي.

* هل نتوقع قيامكم بتقديم تنازلات على وجه السرعة في المحادثات النووية؟ فهناك القليل من التفاؤل في أوساط الدبلوماسيين بأن الصراع على البرنامج النووي المثير للجدل الخاص بكم لا يزال يمكن حسمه بصورة سلمية.

- أنا متفاءل للغاية في هذا الصدد، فإذا تم الاعتراف بحقنا في تخصيب اليورانيوم، فنحن مستعدون لتقديم عرض في المقابل. سوف نقوم طواعية بالحد من نطاق برنامج تخصيب اليورانيوم الخاص بنا، ولكن في المقابل سوف نحتاج إلى إمدادات مضمونة لبعض أنواع الوقود ذات الصلة من الخارج.

* يعتقد كثير من الساسة الغربيين أنكم تحاولون فقط كسب المزيد من الوقت، فبعد أربع جولات من عقوبات الأمم المتحدة، يعتزم الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات المفروضة على إيران في يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول).

- هذه ليست مشكلة كبيرة. تخلق العقوبات بالفعل كثيرا من المتاعب، ولكننا تمكنا طيلة الـ30 عاما الماضية من العيش في ظل تدابير المقاطعة التي مكنتنا في نهاية المطاف من أن نصبح دولة قوية ومستقلة.

* حقا؟ في العام الماضي وحده، فقدت عملتكم أكثر من ثلثي قيمتها أمام الدولار الأميركي، بينما وصل معدل التضخم الرسمي إلى 25 في المائة. وفي الآونة الأخيرة، تظاهر تجار التجزئة الغاضبين، مرددين شعارات تقول «تسقط الحكومة» فما تعليقكم؟

- المجتمع الإيراني معتاد على العيش مع المصاعب، ربما بصورة أكبر من المواطنين في إسبانيا واليونان. يمكننا الاعتماد كثيرا على صبر شعبنا، ولكن ماذا عنكم في أوروبا؟

* دير شبيغل» الألمانية - باتفاق خاص مع خدمات «نيويورك تايمز».