عمدة لندن.. شعبية عفوية أم طموح خفي لرئاسة الوزراء؟

حرب تصريحات وتبادل رسائل في خطابي جونسون وكاميرون في مؤتمر «المحافظين»

بوريس جونسون في مؤتمر حزب المحافظين (رويترز)
TT

من الصعوبة بمكان معرفة أي من الأمور الكثيرة التي قام بها بوريس جونسون، عمدة لندن الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، في الأسابيع القليلة الماضية، قد أثارت انزعاج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بصورة أكبر.

هل كان هذا عندما وصف جونسون سياسة توسعة المطارات الخاصة بكاميرون، زعيم حزب المحافظين، بأنها كارثة اقتصادية كبيرة؟ أم كان ذلك عندما صرح بأنه ينبغي إلقاء القبض على أحد أعضاء حكومة كاميرون نظرا لحنثه في اليمين أمام الشرطة؟

ربما يكون أكثر ما أثار انزعاج كاميرون، هو الاستقبال الحافل الذي حظي به جونسون فور وصوله، الاثنين الماضي، إلى مؤتمر حزب المحافظين في مدينة برمنغهام، والتفاف جمع غفير من الناس حوله ليسألوه عن طموحاته السياسية، بينما كانوا يهتفون «بوريس» ويصرخون «كم أنت جميل»، كما لو كان إنسانا خارقا يجمع بين بيل كلينتون وجاستن بيبر.

يواجه ديفيد كاميرون الكثير من الانتقادات، نظرا للانكماش المطرد للاقتصاد البريطاني الذي فشل برنامج التقشف الخاص به في معالجته، إلى جانب الناخبين المحبطين، فضلا عن انتشار حالة من الاستياء داخل الجناح اليميني في حزبه بشأن بعض القضايا الخاصة بأوروبا وحقوق الإجهاض. ولكن، ربما تكون المشكلة الحقيقية العاجلة التي تواجه كاميرون هي ألكسندر بوريس جونسون - الشخص الثائر صاحب تسريحة الشعر المجنونة، السياسي العنيد والمحارب للفساد من دون هوادة، الذي يمكن أن يصبح زعيما لحزب المحافظين في المستقبل.

أكد جونسون مرارا أنه لا يريد خلافة كاميرون في رئاسة الوزراء، على الأقل في الوقت الراهن. ولكن جونسون لم يتمكن من استغلال بعض الفرص التي سنحت له في الآونة الأخيرة لتوجيه انتقادات لرئيس الوزراء بشأن مختلف الأمور السياسية، بما في ذلك قضايا الهجرة والإسكان ومعاناة الطبقة الوسطى. وفي استطلاع للرأي على الإنترنت أجري مؤخرا من قبل مركز «أوبينيوم ريسيرش» لصالح صحيفة «الأوبزرفر» اللندنية، قال 51% من الناخبين المحتملين إن لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه جونسون، مقابل 29% لصالح كاميرون.

ويقول تيم بال، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن ومؤلف كتاب «حزب المحافظين من ثاتشر إلى كاميرون»، متحدثا عن جونسون: «من الواضح أن الحزب قد وصل إلى مرحلة اختيار زعيمه حاليا. إنه يتمتع بنفس مزايا كاميرون - حيث يتمتع كلاهما بتعليم رائع وجاذبية كبيرة، فضلا عن أمور أخرى مثل هذه اللمسة الشعبوية والقدرة على التواصل مع الأشخاص العاديين، التي لا يبدو أن كاميرون يتمتع بها، أو ربما كان يتمتع بها ولكنه تخلى عنها».

يبذل كاميرون مجهودات كبيرة بالفعل، حيث يدرك جيدا أن الظهور في صورة الرجل الضعيف أمام جونسون، الذي يشتهر باسم بوريس، سيكون خطأ قاتلا، ولذا قرر كاميرون التعامل مع الموقف عن طريق التظاهر بأنه لا يبالي بالأمر، فضلا عن التعامل مع جونسون كما لو كان نوعا من الحيوانات الأليفة التي تتمتع بروح الفكاهة. ففي مقابلة أجراها مع صحيفة «ذي صنداي تلغراف»، سخر كاميرون من عمدة لندن، واصفا إياه بـ«ممسحة من الشعر الأشقر ترفع صوتها بين حين وآخر».

ولكن جونسون يملك طريقة خاصة لقلب الطاولة على رؤوس منتقديه، فبطريقة ما أو بأخرى، لم يتسبب الحادث الذي وقع له في الصيف الحالي والذي تركه معلقا في سلك كابل فوق حشد من الناس إلا في زيادة شعبيته. وخلال الكلمة التي ألقاها في القاعة التي كانت مكتظة بالجماهير في مؤتمر حزب المحافظين الثلاثاء، أشار جونسون إلى كلمة «ممسحة الشعر الأشقر» التي وصفه بها رئيس الوزراء. وقال موجها حديثه إلى رئيس الوزراء كاميرون، الذي كان جالسا في الصف الثامن في القاعة، محاولا أن يبدو في مظهر الرجل الواثق بنفسه: «إذا كنت أنا ممسحة يا ديفيد، فأنت مكنسة. أنت المكنسة التي تنظف الفوضى التي خلفها حزب العمال!». ثم وصف جونسون وزير الخزانة بـ«لقاطة الكناسة»، ووزير التعليم بـ«قطعة القماش التي تستخدم في المطبخ».

أشاد جونسون، الذي يقوم بتضمين بعض النكات في خطاباته التي يكون جزء منها موجها إلى كاميرون، باتخاذ بعض القرارات الصعبة مثل «القدوم إلى هنا لسماع خطابي اليوم». كما لم يفوت الفرصة لتأكيد ولائه للحكومة، إلا أنه تحدث كسياسي له تطلعات وطنية.

أكد جونسون أن الأمة، بأسرها، يمكنها أن تتعلم مما حققته لندن في دورة الألعاب الأولمبية الماضية، مضيفا أن الأمر متروك للحكومة لتوفير الظروف المناسبة لنمو وازدهار الأعمال التجارية، تماما كما تمكنت لندن من توفير الظروف المواتية لنجاح دورة الألعاب الأولمبية.

يتمتع كاميرون بجاذبية المظهر وطلاقة اللسان، بصورة نسبية، ولكنه عادة ما يبدو متجهم الوجه ومتثاقل الخطى كلما ظهر إلى جوار جونسون الذي يتمتع بروح الدعابة الكبيرة. وخير مثال على ذلك حدث خلال الصيف الحالي عندما ألقى الرجلان خطابين متتاليين، بعدما طاف موكب الرياضيين الأولمبيين البريطانيين في لندن عقب انتهاء فعاليات دورة الألعاب البارالمبية، حيث بدا كاميرون في صورة الرجل الذي يعرف واجباته ويمكن التنبؤ بتصرفاته، بينما ظل جونسون هائما بسعادة في عالمه الخاص، حيث تحلق الأفكار والكلمات في السماء ثم تعود مجددا إلى الأرض في صورة جديدة وغير مألوفة. قال جونسون مخاطبا الرياضيين: «لقد وصلنا الآن إلى نهاية فعاليات دورة الألعاب الصيفية 2012 في لندن، أنتم من دحرتم المشككين وبددتم الغيوم»، ثم أضاف، في إشارة إلى بطل بريطاني لسباقات الكراسي المتحركة: «كان الدافع الوحيد وراء إنجازهم هو عصير الشمندر الذي يفضله ديفيد وير لأسباب مجهولة».

عبر الأشخاص الذين حضروا المؤتمر عن حبهم لجونسون، رغم أن بعضهم قد صرح في بعض المقابلات بأنهم لم يعتقدوا أنه كان جادا بالدرجة الكافية كي يكون رئيسا للوزراء. وعلى أي حال، لا يزال جونسون بعيدا كل البعد عن الوصول إلى هذا المنصب، فلكي يصبح زعيما للحزب، ينبغي له أولا التخلي عن منصبه كعمدة للندن والعودة إلى البرلمان. وأكد بعض الأشخاص أنه ينبغي لجونسون أن يسلك هذا الطريق للوصول إلى هذا المنصب. وتقول باربرا تايلور، وهي متطوعة محلية في حزب المحافظين: «أعتقد أنه يتحدث عن الحقيقة بطريقة غير عادية، وأعتقد أيضا أنه سيفوز بأصواتنا في الانتخابات المقبلة».

وبالنسبة لجونسون، يبدو أنه يتمتع بشدة بالفرص المتاحة أمامه للحصول على هذين المنصبين، ففي مقابلة إذاعية جرت معه الثلاثاء الماضي، ادعى جونسون أنه قد سئم من كافة التوقعات بخصوص طموحاته السياسية، وقال: «سوف أرحب بابتعاد الأضواء عما أراه موضوعا مبتذلا ومرهقا وعقيما بصورة كبيرة». ولكن طبقا لما أشار إليه تيم شيبمان، نائب رئيس تحرير صحيفة «ذا ديلي ميل» للشؤون السياسية، على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، فقد صرح جونسون بهذه الكلمات خلال «خامس مقابلة إعلامية يجريها في نفس ذلك اليوم».

* خدمة «نيويورك تايمز»