ناشطون يحذرون الجيش الحر من فقدان «حاضنته الشعبية»

بعد تزايد أخطائه و«غياب التنسيق والشرذمة وتجاهل شكاوى المدنيين»

TT

انعكس تعقد الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا على مكونات الثورة، لا سيما كتائب الجيش الحر التي تزداد يوما بعد آخر عددا وتشعبا، كما تزايدت «أخطاؤها» مع اشتداد المعارك داخل المدن، الأمر الذي قال ناشطون إنه «ينعكس سلبا على الحاضنة الشعبية»، كما تكررت الدعوات لعملية «نقد ذاتي» تصوب خطى الثورة، بعد تصاعد حدة التوتر الطائفي في أكثر من منطقة.

ووجهت الناشطة السورية المعروفة رزان زيتونة انتقادات للجيش الحر تداولها الثوار تحت عنوان «الثورة تنقد ذاتها»، وطالبت زيتونة الجيش الحر «بتشكيل هيئات التحقيق المستقلة من النشطاء المحليين في المناطق، وتخصيص لجان محايدة لتلقي الشكاوى، وإتاحة الفرصة لإجراء رقابة ومحاسبة من الأهالي على سلوكيات الكتائب التي تمس حياتهم وممتلكاتهم وحرياتهم الشخصية».. وذلك بعد أن نبهت الجيش الحر إلى ضرورة أن «يعي جيدا ما يخضع له المدنيون من ضغوط هائلة، ومن خسارات لا توصف في الأرواح والممتلكات»، وأن «يساعدهم في تجاوز هذه الضغوط» من خلال «عودته جزءا منهم كما سبق وانبثق عنهم وكانوا حاضنته لأشهر كثيرة».

ورأت زيتونة أن ذلك لا يمكن أن يكون «باستمرار تجاهل شكاواهم من سلوك كثير من عناصره وكتائبه.. وتجاهله عدم وجود حد أدنى من التنظيم والتناغم بين كتاب المنطقة الواحدة، وعدم وجود حد أدنى من القواعد الأخلاقية والقانونية المعلنة التي يلزم عناصرهم بالالتزام بها». وأكدت زيتونة على أنه «كما شكل المدنيون حاضنة المسلحين بإمكانهم أن يكونوا عونا لهم في كثير من الأمور، فقط إذا قرر الجيش الحر أن يستمع لنداءاتهم وشكاواهم».

الناشطة والحقوقية زيتونة، المتوارية منذ بداية الثورة بسبب ملاحقتها من قبل قوات النظام، رأت أنه لا بد من الاعتراف بأن «النشطاء المدنيين قصروا جدا بحق أنفسهم ومناطقهم، حين تخلى الكثير منهم عن أدوارهم، إما ملتحقا بالمقاتلين، وإما تاركا إدارة الأمور المدنية للمسلحين»، مشيرة إلى أن «التنسيقيات ضعفت، ولم تأخذ المجالس المحلية دورها المفترض بعد حتى في المناطق المحررة». وقالت إنه في «مناطق محدودة، وعى كل من المقاتلين والمدنيين حاجة بعضهم إلى بعض، وبدأوا بالتماس إصلاح الأمور بمساعدة بعضهم بعضا، لكن ذلك لا يزال تجربة محدودة في المكان وعدد الكتائب». كلام زيتونة جاء بالتزامن مع انتشار فيديو لعبد السلام حربا، زعيم فصيل مسلح متشدد في منطقة القصير بريف حمص، ظهر فيه يخطب في مسجد ومعه مجموعة من مؤيديه يتوعد فيه «الكافرين وشاربي الخمر بالذبح والإلقاء في المجارير»، وكذلك توعد «المتعاملين مع النظام من المخبرين».. وأثار هذا الخطاب استياء غالبية المثقفين والناشطين على شبكة التواصل الاجتماعي، واستنكروا خطابه المتشدد وتهديداته بالقتل. وسبق لهذا الزعيم أن هدد أبناء الطوائف الأخرى من غير المسلمين السنة بالذبح ما لم يلتحقوا بالثورة، إلا أن ناشطين من منطقة القصير قللوا من أهمية هذا الخطاب، باعتبار أن «هذا الزعيم يمثل نفسه ومجموعته المحدودة». ومؤخرا بدأت شكاوى كثيرة تصدر من تصرفات وسلوكيات فصائل مسلحة تدعي الانتماء للجيش الحر بينما تمارس عمليات تشبيح ونهب وسرقة وخطف بهدف الحصول على فدية. وعلت الأصوات بين الأهالي التي تطالب الجيش الحر بوضع حد لهؤلاء، إذا كان هو بريئا منهم. كما انتقد نشطاء بشدة غياب الرؤية السياسية والعسكرية الموحدة والمنظمة للجيش الحر في حلب.

وأصدرت مجموعة تطلق على نفسها اسم «تجمع دعاة الشام» بيانا قالت فيه إن «الثورة وصلت إلى مرحلة من الاستعصاء والمراوحة في المكان والأفق المسدود»، واعتبرت أن «الثورة كانت خيرا مما هي عليه الآن وحاضنتها الشعبية كانت أكبر»، وأن «تصحيح الأخطاء بات واجبا، واستمرار تجاهلها سيحولها إلى مصائب تغير مسار الثورة».

كما أشار البيان إلى ما وصفه بـ«استهتار عدد من القيادات بتضحيات الناس وبكلفة الثورة العالية»، وأنهم «لا يعيرون اهتماما بحجم الدمار والخراب الذي تسببه تحركاتهم». واعتبر أن «ما وصلت إليه معركة حلب يؤكد وجود ضعف واضح في القيادات الميدانية»، و«جهل مطبق وقلة فهم لطبيعة المعركة في المدينة.. والفروق الجوهرية بينها وبين معركة الريف»، مشيرا إلى عدد من «الأخطاء الجسيمة التي وقعت في حلب».

واعتبر البيان أن دخول منطقة السبع بحرات، التي تضم عددا من المؤسسات والمصالح الحيوية للمواطنين، وتضررها «يؤثر بشكل مباشر على المواطنين دون أن يؤثر على النظام»، كما اعتبر أن دخول المناطق الصناعية والتجارية «أثر على اقتصاد الناس وأدى إلى بطالة آلاف العمال». ولفت البيان إلى «عدم قدرة كتائب الجيش الحر المشرذمة والمختلفة على حفظ أمن الناس»، وإلى «تباطؤهم في إقامة العقوبة على السارقين المندسين في صفوفهم»، وإلى «عدم إقامة شرع الله بين الثوار»، وذلك «بحجة عدم تفريق الكلمة وخوفا من الفتن القبلية والعشائرية». وتوجه البيان بخطابه إلى من سماهم «عقلاء القيادات وأصحاب الأحلام» بحثهم على «ترك هوى النفس والتعاون مع القيادات الحكيمة من أهل المدينة، بما يضمن تخفيف فاتورة الثورة على الناس.. مع ضرورة التأكيد على حرمة الأموال وأرواح وأعراض الناس».

ويشار إلى أن «تجمع دعاة الشام» تأسس في مارس (آذار) 2012، بحسب صفحته الرسمية على شبكة الإنترنت. ويضم «ائتلافا من علماء ودعاة ومثقفين ينتهجون الدعوة إلى الله سبيلا للإصلاح»، رافعين شعار «الكلمة الطيبة والعمل الصالح»، وهدفهم «إحداث نقلة نوعية في المجتمع بإعادة الحضور الإسلامي الفاعل إلى واجهة الأحداث، ليلعب دور القيادة والريادة والإمامة والإرشاد في حركة المجتمع على مختلف الأصعدة». ولم يكشف التجمع في موقعه وبياناته أي اسم للشخصيات التي تؤلفه.