تركيا تؤكد العثور على «مواد مشبوهة» ومعدات عسكرية في الطائرة السورية

دمشق ترفض «السلوك العدائي» وتتمسك بـ«الصداقة» مع الشعب التركي.. وبوتين يقرر تأجيل زيارته لتركيا

أشخاص يتحدثون على سلم الطائرة السورية التي أجبرتها المقاتلات التركية على النزول بمطار أنقرة أمس (أ.ب)
TT

أعلنت تركيا عزمها تكرار عمليات التفتيش لأية طائرة تشتبه بوجود «حمولة ممنوعة» على متنها، كما حصل مع طائرة الـ«إيرباص» السورية التي أجبرتها السلطات التركية على الهبوط في أنقرة ليل أول من أمس، وقالت إنها عثرت على «مواد مشبوهة» فيها، في حين أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن الطائرة كانت تنقل «ذخيرة» ومعدات عسكرية إلى دمشق. وقال أردوغان في خطاب متلفز إن حمولة طائرة الـ«إيرباص 320» كانت تشمل «معدات وذخيرة مرسلة إلى وزارة الدفاع السورية» من مصنع روسي لإنتاج العتاد العسكري. وفي المقابل أعلنت قناة «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله أن «المواد التي صادرتها السلطات التركية من الطائرة السورية أجهزة مدنية لكشف العبوات الناسفة وأخرى للسلامة العامة». وقد رفضت وزارة الخارجية السورية هذا التصرف «المستهجن»، مؤكدة أن الحمولة قانونية، مشيرة إلى أن هذا «السلوك العدائي المدان للحكومة التركية لن يثني سوريا عن التمسك بعلاقات الصداقة التي تربط الشعبين السوري والتركي، والتي هي أكبر واهم من أية حكومة».

واعتبر مسؤول في مكتب رئيس الوزراء التركي أن اعتراض الطائرة السورية هو تأكيد إضافي على التزام تركيا حماية الشعب السوري، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بلاده تسعى إلى منع وصول السلاح الذي يقتل الشعب السوري عبر أراضيها وأجوائها، وهذا ما يجب أن تقوم به بقية الدول المحيطة بسوريا احتراما للمعايير الأخلاقية والإنسانية. وأكد المسؤول الذي رفض ذكر اسمه أن أنقرة سوف تقوم في المستقبل بكل ما هو لازم لضمان احترام هذه القواعد، حتى لو اضطرت إلى تكرار عمليات التفتيش مستقبلا.

وأكدت السلطات التركية أمس أنها عثرت على «مواد مشبوهة» في حمولة الطائرة السورية التي اعترضها سلاح الجو التركي مساء أول من أمس. وقال دبلوماسي تركي لـ«الشرق الأوسط» إن نتيجة تحليل هذه المواد أظهرت أنها «مواد يمكن أن تستعمل لإنتاج قنابل»، مشيرا إلى أن من بين المواد المصادرة أجهزة اتصالات عسكرية ومعدات أخرى لا يمكن تحميلها على الرحلات المدنية العادية بناء على قوانين السلامة الدولية.

واستبعد الناطق بلسان الخارجية الروسية سلجوق أونال أن تؤثر هذه الحادثة على العلاقات بين روسيا وتركيا، مشيرا إلى أن بلاده لم تعرف بوجود مواطنين روس على متن الطائرة إلا قبيل دقائق من مغادرتها مطار صبيحة الدولي في أنقرة. وقال أونال لـ«الشرق الأوسط» إن الخارجية التركية استدعت السفير الروسي في أنقرة وأبلغته بعثور السلطات التركية على «معدات عسكرية» على متن الطائرة السورية، وهذا ما يتعارض مع قوانين النقل الجوي. ورفض أونال الرد على أسئلة تتعلق باحتمال تكرار هذا الإجراء، قائلا إنه لن يجيب على أسئلة «افتراضية». ونفى الدبلوماسي التركي المعلومات التي ترددت عن انتهاك الطائرات التركية لقواعد السلامة العامة باقترابها من الطائرة السورية، كما نفى الاعتداء على طاقم الطائرة وإجبارهم على توقيع مستندات كما ادعت السلطات السورية. وأكد الدبلوماسي التركي أن الطلب إلى شركات الطيران التركية عدم استعمال المجال الجوي السوري لا يرتبط بحادثة الطائرة، بل بسلامة الأجواء السورية في ظل المعارك الدائرة في أكثر من مكان، كاشفا أن سلطات بلاده طلبت من الشركات التركية وقف استعمال المجال الجوي السوري منذ 4 أيام على الأقل.

وأوضح أونال في تصريحات أخرى أن السلطات التركية قررت طلب الهبوط من الطائرة السورية، التي كانت متجهة من موسكو إلى دمشق، بعد ورود معلومات استخباراتية بأنها تنقل معدات ومستلزمات عسكرية. وقال إن السلطات التركية، أعطت توجيهات للطائرة، حينما كانت في أجواء البحر الأسود، أي قبل دخولها المجال الجوي التركي، إما بالهبوط في أنقرة للتفتيش وإما بالعودة إلى موسكو، مشيرا إلى أنه جرى إنزالها في الساعة 17:15، بعد أن فضل قائدها الهبوط في تركيا على العودة إلى موسكو مرة ثانية. وأضاف أونال أن الطيار السوري لم يزود السلطات التركية بقائمة أسماء المسافرين وجنسياتهم، كما أن أنقرة لم تعلم بوجود مواطنين روس على متن الطائرة إلا عن طريق سفارة روسيا الاتحادية في أنقرة، قبيل معاودة إقلاع الطائرة من مطار في أنقرة، متجهة إلى العاصمة السورية دمشق بعد الانتهاء من تفتيش حمولتها. وتابع أونال: «وتعقيبا على البلاغ الخاص بالركاب الروس، الذي نشرته السفارة الروسية، نسقت وزارتنا بين الجهات المختصة، ثم قامت بإبلاغ السفارة الروسية حول ما يتعلق بالمسافرين الروس، كما أعلمت وزارة الخارجية الروسية صباح اليوم بالموضوع، عن طريق سفارتنا في موسكو».

وأكد وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو أن تأجيل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا لا علاقة له بحادث إجبار الطائرة المدنية السورية على الهبوط في مطار أنقرة. وقال داود أوغلو في حديث مع قناة «تي جي آر تي» التركية الخاصة إن تأجيل زيارة بوتين ليس له علاقة بأي أزمة، وإن الزيارة ستتحقق في الأسابيع المقبلة، مؤكدا أن حادث اعتراض الطائرة السورية ليس له أبعاد قد تؤثر على العلاقات التركية الروسية.

وفي المقابل أكدت سوريا أن الطائرة كانت تحمل بضائع قانونية ولم تكن تحمل أسلحة. وقالت وزارة الخارجية السورية إن العمل التركي يعد انتهاكا للقانون الدولي، وإن أنقرة أظهرت السياسة العدائية تجاه سوريا. وشددت على أن كامل محتويات الطائرة المدنية السورية التي أجبرتها السلطات التركية على الهبوط في مطار أنقرة مدرجة أصولا على بوليصة الشحن النظامية وعلى بيان حمولة الطائرة ولم تحمل أي نوع من الأسلحة أو البضائع المحرمة.

وكانت مديرة مؤسسة الطيران العربية السورية غيداء عبد اللطيف قالت للصحافيين في دمشق: «إن السلطات التركية اعتدت على طاقم الطائرة قبيل السماح للطائرة بالإقلاع من مطار أنقرة، وذلك بعد رفضه التوقيع على أن الطائرة هبطت اضطراريا». وأوضحت أنه عند تفتيش الطائرة تبين أنه يوجد... طرود مدنية وتجهيزات إلكترونية مسموح نقلها وأدرجت نظاميا». وقالت عبد اللطيف: «إن طائرات حربية تركية (...) أجبرت الطائرة على الهبوط دون إعلام مسبق لكابتن الطائرة بقصد التفتيش ولم تطبق الإجراءات الدولية وإعلام خط الطيران المدني التركي بذلك مسبقا، ما كاد أن يتسبب في حادثة طيران نتيجة اقتراب الطائرات الحربية على مسافة غير مدروسة». واعتبرت أن ما حصل «عمل غير إنساني ويدل على خلل في طريقة التعامل مع الأنظمة والقوانين التي تنص عليها اتفاقية شيكاغو للطيران المدني». كما انتقدت «بقاء الركاب لساعات طويلة دون تقديم أي خدمات لهم وإعلامهم بما يجرى»، ما تسبب في «دب الذعر وتأثرت الحالة النفسية لديهم».

وقالت الخارجية السورية إن الحكومة التركية «خرقت القوانين والاتفاقيات الدولية عبر إجبار الطائرة على الهبوط عسكريا رغم عدم رفض الطيار لتعديل مسار الرحلة، مما عرض سلامة الطائرة والركاب للتهديد من خلال الظهور المفاجئ لطائرات عسكرية دون مبرر أو سابق إنذار». وطالبت السلطات التركية بإعادة باقي محتويات الطائرة كاملة وسليمة، علما بأن تلك السلطات فتشت الطائرة وأساءت معاملة طاقمها واحتجزت الركاب لساعات طويلة. ورأت أن «هذا التصرف التركي المعادي والمستهجن هو مؤشر إضافي على سياسة حكومة أردوغان العدائية، مع الأخذ في الاعتبار ما تقوم به من تدريب وإيواء للإرهابيين وتسهيل تسللهم وقصف مدفعي للأراضي السورية». لكن بيان الخارجية أشار إلى أنه «رغم هذا السلوك العدائي المدان للحكومة التركية فإن هذا لن يثني سوريا عن التمسك بعلاقات الصداقة التي تربط الشعبين السوري والتركي، التي هي أكبر وأهم من أية حكومة».

إلى ذلك، أفادت محطة «سكاي نيوز» بأن «نجل مفتي سوريا أحمد بدر حسون كان على متن الطائرة السورية التي اعترضتها تركيا».

ومن جهتها فاجأت موسكو الأوساط التركية الرسمية باتخاذ قرارها حول تأجيل زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لتركيا، التي كان من المقرر القيام بها خلال الفترة من 14 إلى 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وكانت وكالة أنباء «بلومبرغ» نقلت هذا الخبر عن مكتب رئيس الوزراء التركي الذي قال إن قرار التأجيل يعود إلى ازدحام جدول أعمال الرئيس بوتين ولا علاقة له بالخلافات في الآراء تجاه سبل معالجة الأزمة السورية. وأضافت المصادر التركية أن الموعد البديل سيكون في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقد جاء الإعلان عن قرار تأجيل زيارة بوتين لتركيا في أعقاب اشتعال المواجهات بين تركيا وسوريا والإعلان عن حادث إرغام الطائرة السورية التي كانت في طريقها من موسكو إلى دمشق، على الهبوط في أراضيها، الذي طلبت وزارة الخارجية الروسية من تركيا توضيحا لملابساته. ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» عن هذه المصادر قولها إن السفارة الروسية في أنقرة طالبت السلطات التركية بتفسير أسباب احتجاز الطائرة السورية إلى جانب طلبها السماح لمسؤولي السفارة بالاتصال بالمواطنين الروس الموجودين على متن الطائرة وعددهم 17 مواطنا. وأضافت المصادر أن السلطات التركية لم تسمح لممثلي السفارة الروسية بالاتصال بالمواطنين الروس نظرا لأن الطائرة كانت في سبيلها إلى الإقلاع إلى دمشق. وبينما نقلت وكالة «إنترفاكس» عن مصادر قطاع تصدير السلاح الروسي «روس ابورون اكسبورت» نفيها لوجود أسلحة أو معدات عسكرية على متن الطائرة السورية التي أجبرت على الهبوط في تركيا، قالت المصادر الرسمية إن موسكو لا تحتاج إلى تهريب مثل هذه المعدات وإنها يمكنها إرسالها بموجب الاتفاقيات المعمول بها وعدم وجود ما يمنع ذلك.