حرب صامتة بين الجزائر وفرنسا بشأن الاحتكام إلى القوة العسكرية في شمال مالي

الجزائريون مستاؤون من تلميحات فرنسيين مفادها أنهم غير حازمين في حسم الموقف ضد الإرهابيين

بائع بدون ترخيص في أحد شوارع العاصمة الجزائرية صادر الأمن الوطني بضاعته ( رويترز)
TT

أبدت الجزائر امتعاضا من أطراف دولية تنتقدها بسبب تحفظها على شن حملة عسكرية ضد الجماعات الإرهابية في شمال مالي. ونشبت حرب صامتة بين فرنسا والجزائر، بسبب خلاف حول مدى ضرورة حسم الموقف عسكريا في منطقة الساحل التي تواجه تهديدا إرهابيا غير مسبوق.

وقال عمار بلعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية: «إن بلاده طالما أكدت أن استعمال القوة للقضاء على الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل، أمر مشروع، وأنها ليست مع حل المشكلات الأمنية في المنطقة بالطرق السياسية فقط». وأوضح بلعاني لوكالة الأنباء الجزائرية أول من أمس، أنه «يوجد توجه في الآونة الأخيرة نحو تفسير الموقف الجزائري (حيال الوضع في الساحل) بشكل مبسط، مع إغفال بعض العناصر المهمة من تصورنا، وجعله بكل بساطة يتعارض مع موقف بعض الشركاء في المنطقة».

وأضاف المتحدث باسم الخارجية الجزائرية: «إن الجزائر، وعكس ما يقال، ليست كليا مع الحل السياسي، وقد أكدنا على الدوام أنه يحق اللجوء إلى جميع الوسائل، بما في ذلك القوة، من أجل القضاء على الجماعات الإرهابية وما يرتبط بها من الجريمة المنظمة العابرة للأوطان في منطقة الساحل. وتعرفون جيدا أن الجزائر التي طالما عانت الأمرين من الإرهاب والجريمة، لا يمكنها أن تتساهل أبدا أو تبدي لا مبالاة في هذا المجال».

وترى الجزائر، حسب المسؤول في خارجيتها، أن استعمال القوة «يجب أن يتم بتبصر من أجل تجنب أي خلط أو غموض، بين سكان شمال مالي الذين لهم مطالب مشروعة، والجماعات الإرهابية وتجار المخدرات الذين يجب أن يكونوا الهدف الأول (لضربة عسكرية) لكونهم مصدر الخطر الذي يهدد المنطقة».

ويرجح أن كلام الناطق باسم الخارجية، بمثابة رد على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي صرح في اليوم نفسه لـ«فرانس24» و«إذاعة فرنسا الدولية» وقناة «تي في 5 موند»، بأنه سيحاول أن يقنع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة «بضرورة مكافحة الإرهاب عسكريا، ولكنني لا أنوي إعطاء أي درس للجزائر؛ لأنها تعرف أكثر من أي جهة أخرى معنى العنف والإرهاب، وعانت منهما لسنوات».

وتبدي الجزائر حساسية من تلميحات حملتها تصريحات مسؤولين فرنسيين في المدة الأخيرة، مفادها أنها «تفضل الحل السياسي السلمي القائم على الحوار بين الحكومة المالية والجماعات الإسلامية المسلحة في الشمال». بينما الأصل، برأي الفرنسيين، أن لا حوار ولا تفاوض مع الإرهابيين.

وتقرأ الجزائر في هذه التصريحات اتهاما لها بعدم إظهار حزم تجاه الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» وشقيقتها «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا». وترى أن باريس تدفع بقوة إلى شن حرب في شمال مالي، ستكون الجزائر أول المتضررين منها، كما حصل في الحرب الليبية التي كانت فرنسا لاعبا أساسيا فيها؛ فقد اشتكى الجزائريون من تسرب شحنات كبيرة من السلاح الليبي إلى ترابهم، ووقوع أسلحة حربية بين أيدي الإرهابيين.

وتدافع السلطات الجزائرية عن نظرتها لحل مشاكل الساحل الأمنية بقولها إنها «تبحث عن حل سياسي تفاوضي في أقرب الآجال، لتفادي تفاقم الوضع وتشارك فيه أطراف تبتعد دون أي تحفظ عن الإرهاب، وعن الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتكف عن أي مساس بالوحدة الترابية لمالي». يذكر أن الساحل منطقة صحراوية تشترك فيها، إلى جانب الجزائر، مالي والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو.

ومن المتوقع أن لا تسهم تصريحات الفرنسيين ورد الفعل الجزائري، في موضوع مخاطر الإرهاب في الساحل، في انفراج العلاقات الثنائية التي هي أصلا متوترة. يشار إلى أن فرانسوا هولاند سيزور الجزائر نهاية العام الحالي، لمحاولة إبعاد تأثير الماضي المشترك بين البلدين، على العلاقات بينهما. وفي كل مرة يحاول أحد الجانبين أن يخطو خطوة نحو الآخر، تأتي تصريحات من إحدى الضفتين لتعيد مسار التطبيع إلى نقطة البداية.