النائب العام يضع الرئيس مرسي في حرج.. ويرفض منصب سفير

مصدر قضائي لـ «الشرق الأوسط» : مسؤولون كبار اتصلوا بعبد المجيد للضغط عليه لكنه يعتزم مباشرة مهامه

TT

وضع المستشار عبد المجيد محمود النائب العام المصري، الرئيس محمد مرسي في حرج بالغ، بالإعلان عن رفض منصب السفير لدى الفاتيكان، وهو ما يعني بقاءه في منصبه كنائب عام، عقب ساعات من إعلان مؤسسة الرئاسة قرار التعيين.

وتصاعدت أزمة إقصاء النائب العام على خلفية إعلان نادي قضاة مصر عن وقوفه وراء النائب العام وعقد جمعية عمومية طارئة غدا لبحث سبل الرد على قرار مرسي، مؤكدا أن «جموع قضاة مصر وأعضاء النيابة العامة يرفضون هذا القرار، ويعتبرونه بمثابة مذبحة جديدة للقضاة، وأنهم يتمسكون ببقاء محمود في منصبه».

ودفع الإخوان بأنصارهم إلى الميادين للضغط على النائب العام لقبول المنصب الجديد، وقال القيادي الإخواني البارز الدكتور عصام العريان على حسابه الشخصي على موقع «تويتر»: «أهمس لعبد المجيد محمود: الخيار افضل لك قبول المنصب بكرامة. فكر جيدا. الخيارات الأخرى صعبة».

في المقابل، رفضت قيادات بارزة في تيار استقلال القضاء إقصاء النائب العام قائلين إن ما حدث بمثابة «اعتداء على القضاء»، كما رفضوا محاولات «إرهاب النائب العام أو الضغط عليه لقبول التخلي عن منصبه».

وكشف مصدر قضائي رفيع طلب عدم ذكر اسمه عن تلقي النائب العام لاتصالات متعددة من مسؤولين كبار بالدولة رفض ذكر أسمائهم، لمحاولة الضغط عليه للقبول بقرار الرئيس، غير أنه رفض كل هذه المحاولات مؤكدا أنه سيستمر في موقعه كنائب عموم مصر، وأن رحيله عن هذا المنصب بهذه الطريقة والأسلوب سيعتبر البداية لمسلسل التدخل في عمل القضاء من جانب السلطة التنفيذية وسيقضي على حصانة القضاة وحياديتهم للأبد.

وقال وكيل النائب العام سعيد محمد وهو قيادي في تيار استقلال القضاء: «وقفنا إلى جوار المستشار محمود مكي (نائب الرئيس المصري حاليا) عام 2006 حينما تعرض لبطش النظام السابق (في إشارة للمحاكمة التأديبية التي تعرض لها مكي والمستشار هشام البسطويسي).. ورغم بعض تحفظاتنا على النائب العام فإننا سنقف إلى جواره اليوم لأن الاعتداء عليه هو اعتداء على استقلال القضاء وهو ما ناضلنا ضده خلال السنوات الماضية».

وتابع في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نتواصل مع نائب الرئيس ووزير العدل (المستشار أحمد مكي) لتجاوز هذه الأزمة لكي لا يبقى في تاريخ الرئيس مرسي كارثة اقتراف مذبحة جديدة للقضاة كما حدث في عام 1969».

واستخدم العديد من القضاة لفظ «مذبحة القضاة» لوصف قرار إقصاء النائب العام، في إشارة لخطوة مشابهة أقدم عليها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر حينما أصدر قرارا بعزل نحو مائتي قاض وعضو بالنيابة العامة عقابا لهم على اعتراضهم على محاولات إدخال القضاة لعضوية الاتحاد الاشتراكي (الحزب الحاكم والتنظيم السياسي الوحيد في ذلك الوقت) متهما إياهم بالعداء لثورة 23 يوليو وأهدافها.

وقال قاض وقيادي بارز في تيار استقلال القضاء أيضا، إن مندوبا من الرئاسة زار النائب العام قبل الإعلان عن تعيينه سفيرا، لكننا لا ندري بالضبط ما الذي حدث خلال هذه الجلسة. وأضاف: «حتى لو تراجع محمود عن موقفه ورفض تعيينه سفيرا فلا مجال للضغط عليه، ولو كانت الرئاسة تملك دليلا على قبوله المنصب الجديد فلتظهره فورا وإلا فلتعتذر عن هذه الإساءة».

وعقد نادي قضاة مصر في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية اجتماعا عاجلا، شارك فيه قرابة 500 من القضاة وأعضاء النيابة العامة، واستمر حتى ساعات الصباح الأولى، أعلن فيه رئيس النادي المستشار أحمد الزند رفض قضاة مصر بصورة قاطعة قرار مرسي بإقصاء النائب العام.

وطبقا لقانون السلطة القضائية، فإن النائب العام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، غير أنه لا يجوز للرئيس أو أي جهة أن تصدر قرارا بعزله أو إقصائه أو إقالته أو إبعاده بأي صورة من الصور، ويشترط لحدوث ذلك موافقة النائب العام بنفسه على أي من هذه الأمور، ويبقى في منصبه إلى أن يبلغ سن التقاعد الرسمي في سلك القضاء (70 عاما).

ووصف الزند قرار مرسي بأنه مخالف لقانون السلطة القضائية، وأنه «جاء بإيعاز وتدبير من مستشاري الرئيس وبطانته الذين حملوا النائب العام مسؤولية حكم البراءة في قضية موقعة الجمل رغم أن النيابة لم تباشر التحقيق فيها من الأصل وانتداب مستشاري تحقيق فيها».

واعتبر الزند، في كلمته أمام حشود القضاة، قرار الإقصاء بأنه محاولة لعقاب القضاء والقضاة والنيل منهم وكسر شوكتهم، مشددا على أن القضاة سيظلون حريصين على تطبيق صحيح لحكم القانون على المتهمين والمتقاضين بمنأى كامل عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، بحيث يدان من تثبت إدانته ويبرأ من لا يوجد دليل على إدانته، وأن القضاة ليسوا طرفا في الخلافات السياسية الراهنة وأنهم لا يتأثرون في أحكامهم بما يطالب به بعض المتظاهرين أو المنتمين لهذا الحزب أو ذاك بل يحكمون وفق ما تقضي به ضمائرهم وحكم القانون.

من ناحية أخرى، أكد مصدر قضائي مسؤول لـ«الشرق الأوسط» أنه بموجب قانون السلطة القضائية، وفي ضوء إعلان النائب العام رسميا أنه باق في منصبه وأنه لم يتقدم باستقالته طواعية، فإن قرار إقالته يصبح «هو والعدم سواء». وكشف المصدر أن النائب العام سيتوجه اليوم (أمس) منذ الصباح الباكر إلى مكتبه لأداء مهام عمله، دونما الالتفات إلى أي شيء آخر، ذلك أن استمراره في منصبه يعد صحيحا تماما بحكم القانون الذي يحظر إقالة النائب العام من منصبه أو حتى «أصغر معاون للنيابة العامة».

وأكد المصدر أن اتصالات تجرى على مستويات متعددة بهدف تشديد الإجراءات الأمنية في محيط دار القضاء العالي حيث يقع مكتب النائب العام، أثناء وجود المستشار عبد المجيد محمود في مكتبه لأداء عمله «في ظل احتمالية خروج مسيرات ومظاهرات مدعومة من جماعة الإخوان المسلمين أو غيرهم قد تهدف إلى محاولة إحراجه والتعدي عليه أو اقتحام مكتبه».. بحسب ما ذكره المصدر. وأضاف أن العديد من رجال القضاء والنيابة العامة اتفقوا على الحضور منذ الصباح الباكر إلى دار القضاء العالي لمؤازرة النائب العام والوقوف إلى جواره. وقال المصدر إن نوادي القضاة بالأقاليم (المحافظات المصرية) يبحثون من جانبهم سبل الرد على قرار رئيس الجمهورية، باتخاذ خطوات تصعيدية، لافتا إلى أن العديد من كبار رجال القضاء طرح فكرة «تعليق العمل بكافة المحاكم والنيابات كوسيلة للاحتجاج والضغط لسحب قرار الرئيس مرسي».

وأشار المصدر إلى أن النائب العام تلقى المئات من الاتصالات الهاتفية المتضامنة معه، وأن العشرات من رجال القضاء ذهبوا إلى منزله بضاحية مصر الجديدة بعد منتصف الليل لإعلان تأكيدهم رفضهم لقرار رئاسة الجمهورية.

وذكر المصدر أن نادي القضاة يجري حاليا اتصالات موسعة ليس بين القضاة وحسب، وإنما مع بقية الهيئات القضائية الأخرى ونواديها (مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا وهيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية) وجهات أخرى، للمشاركة في الجمعية العمومية لنادي القضاة التي ستعقد غدا الأحد، لاتخاذ موقف موحد ضد أي تدخل من السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، في عمل القضاء والقضاة وشؤونهم.