الحل الأمني ينتج «رعبا معكوسا» في المناطق الكردية بسوريا

قيادي كردي سوري لـ «الشرق الأوسط» : عناصر الأمن أصبحوا اليوم يرتعبون منا.. ويحتمون كالجرذان بمباني مؤسساتهم

TT

الثورة السورية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام غيرت بتداعياتها المتلاحقة على الوضعين المحلي والإقليمي العديد من المفاهيم التقليدية والثابتة المعروفة عن الأنظمة الشمولية والديكتاتورية.. فهذه الأنظمة التي تعتمد غالبا على قبضتها الأمنية لترويع الأصوات المعارضة لها، تعتبر أجهزتها الأمنية والمخابراتية جزءا وركنا أساسيا من النظام. وكان العديد من الأنظمة العربية قد نجحت فعلا خلال العقود الماضية في ترويض شعوبها عبر ترهيبها بالأجهزة الأمنية، في مقدمتهم النظام القمعي السوري الذي يقوده بشار الأسد والذي ورث حكما شموليا ونظاما أمنيا قوي الشكيمة من والده الراحل الذي وضع أسس بناء نظامه الديكتاتوري بالاستناد إلى الفكر البعثي المعروف بإقصائه للآخر وتبنيه لمبدأ الحزب القائد للدولة والمجتمع.

تلك الأجهزة الأمنية التي كانت تحصي أنفاس المواطنين في عموم أرجاء سوريا طوال أربعين عاما، وكان مجرد خروج أي مواطن إلى السفر للخارج يحتاج إلى جملة من الإجراءات وإعداد جملة من ملفات التحقيقات الأمنية، تراخت قبضتها اليوم بفعل الثورة الشعبية، حتى بات منتسبوها اليوم يرتعبون من مجرد المخاطرة بالخروج من حدود مباني تلك الأجهزة التي كانت إلى الأمس القريب علامة شاخصة لقوة النظام وسطوته على المجتمع، فأصبح المواطن السوري حرا طليقا يسافر أينما شاء ووقتما شاء، لا بل وأصبح حرا حتى بحمل السلاح وفرض الحواجز الأمنية، وقد يصادف أن يحقق عنصر من تلك الحواجز مع رجل أمن النظام عند مروره بتلك الحواجز، وهذه من تصاريف القدر أن ينقلب السحر على الساحر كما يقال.

يشير قيادي كردي سوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عناصر الأمن أصبحوا اليوم يرتعبون منا، بعد أن أذاقونا مر العذاب لأكثر من أربعة عقود، فتراهم يحتمون كالجرذان بمباني مؤسساتهم، ولا يجرؤون على الابتعاد عنها بمسافة مائة متر خوفا من إلقاء القبض عليهم من المواطنين أو قتلهم»! هذا القيادي الكردي الذي نحجم عن كشف هويته بناء على رغبته يقول إن «الحدود أصبحت مفتوحة أمامنا، لا أحد يحاسبنا بالخروج والدخول، وهذه هي المرة الأولى طوال حياتي السياسية أتمتع بهذه الحرية التي أستنشق هواءها لأول مرة، حتى إنني استطعت أن أزور أولادي اللاجئين بإحدى الدول الأوروبية بعد عقود طويلة من هجرتهم».

هذا السياسي الكردي المعارض التقته «الشرق الأوسط» في أربيل قبل يومين وكان عائدا من زيارة له إلى تركيا، العدو اللدود للنظام السوري حاليا، فليقس القارئ مدى تراخي قبضة نظام بني أساسا بإحكام قبضته الأمنية والمخابراتية على مفاصل الدولة، وكيف تحول حاله اليوم حتى بدا عاجزا عن محاسبة معارضيه من لقاءات سياسية بالدول المعادية له.

يقول السياسي الكردي المعارض «كنت مدعوا من قبل الأحزاب الكردية التركية، فخرجت من القامشلي (المدينة ما زالت تحت قبضة النظام في دمشق) وعبرت الحدود إلى إقليم كردستان ومن هناك ذهبت إلى ديار بكر والتقيت بعدد من قادة الأحزاب الكردية هناك وأجرينا مباحثات تتعلق بالوضع الكردي في سوريا وتركيا، وأنا الآن عائد إلى القامشلي».

هناك العديد من قادة الأحزاب الكردية المعارضة للنظام يأتون بشكل يومي سواء عبر وفود حزبية أو زيارات شخصية إلى إقليم كردستان ويجتمعون مع قادته للتباحث حول مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفيهم من يذهب إلى بروكسل أو باريس أو واشنطن للمشاركة في مؤتمرات المعارضة، ولا أحد يجرؤ على ملاحقتهم أو محاسبتهم عند عودتهم.

يقول أحد المعارضين الآخرين «أنا عضو بمكتب سياسي لحزب كردي معارض، ومقيم حاليا بإقليم كردستان، ولا أشعر بأي خوف إذا ما اضطررت إلى الذهاب للقامشلي أو أي مدينة كردية أخرى للاجتماع مع قادة حزبي، فلا أحد يجرؤ على المحاسبة أو التحقيق معي، جميع عناصر المؤسسات الأمنية ضباطا ومراتب أصبحوا الآن داخل مؤسساتهم ولا أحد يجرؤ على الخروج، فارتحنا منهم».

ويضيف أنه «في السابق كنا نحتمي منهم ونهرب من ملاحقاتهم، بل ونصرف الآلاف والملايين كرشى ندفعها لهم أو لأقربائهم حتى لا يقتلونا أو يتهمونا بجرائم معادية للنظام، واليوم هم يتصلون بنا سرا لنضمن لهم حياتهم».

ودعا القيادي الكردي في ختام تصريحه «ضباط ومنتسبي المؤسسات الأمنية إلى المراجعة والمبادرة بالانضمام إلى الثورة الشعبية» التي أكد أنها «لن تتوقف حتى استئصال هذا النظام القمعي والدموي الذي أوغل بقتل الشعب، ففرط بكل حل سلمي يتيح له خروجا آمنا من سوريا، وعلى هؤلاء الضباط والمراتب ألا يربطوا مصيرهم بمصير حكم زائل لا محالة، وأن يعودوا إلى صف الشعب قبل فوات الأوان».