طبول الحرب تدق على أبواب تركيا.. وسكانها متخوفون من حرب إقليمية

الأتراك والسوريون يتقاسمون حدودا تمتد 500 ميل

دبابات تركية تقطع طريقها في إحدى قرى منطقة هاتاي المحاذية للحدود السورية أمس (رويترز)
TT

وقف الرجال على حافة الطريق يشاهدون الحرب التي تقترب أكثر فأكثر منهم. كان العمال يجمعون القطن والفلفل الأحمر في هذه البلدة المنعزلة الخصبة الواقعة جنوب غربي تركيا وسط دوي الانفجارات. ويقول إنفير إلماس، مزارع يبلغ من العمر 46 عاما «إنهم يقصفون البلدة منذ السادسة صباحا»، في إشارة إلى قوات الجيش النظامي السوري الذي يقاتل الثوار في بلدة عزمارين التي لا يفصلها عنهم سوى نهر أورونتيس الصغير. وأضاف «نحن مرعوبون، فالبلدة قريبة جدا من الحدود».

وتتقاسم كل من تركيا وسوريا حدودا تمتد بطول 500 ميل، وتبدو القرى الواقعة عليها منصهرة في بعضها بعضا، حيث للأسر الألقاب والأصول نفسها، إن لم تكن لهم جوازات سفر واحدة. وتمتد أشجار الزيتون المتعرجة على التلال. هنا وسط إيقاع حياة الريف الهادئ، يشاهد الناس أمرا يعد هو أكبر مباعث قلقهم منذ 19 شهرا، ألا وهو احتمال أن تمتد الحرب، التي تدور رحاها في الجوار، إلى دول الجوار ويصبح الصراع إقليميا في لمح البصر. ويبدو أن الحرب، التي تصبح أوضح مع مرور الأيام، تقترب منهم شيئا فشيئا. وزادت التوترات عبر الحدود على نحو خاص يوم الجمعة، عندما أرسلت تركيا طائرتين بعد أنباء عن هجوم مروحيات سورية على بلدة عزمارين، مما أثار مخاوف من حدوث اختراق جديد للأراضي التركية. وفي بلدة على أطراف أكاكال، وتبعد عن هنا خمس ساعات بالسيارة عبر حقول القطن الممتدة على التلال، لم تخل سرادقات العزاء من المعزين خلال الأسبوع الحالي بعد مقتل خمسة مدنيين قبل أسبوع في قصف سوري. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تسفر فيها الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا عن مقتل أحد داخل تركيا، وكذلك هي المرة الأولى التي يرد فيها الجيش التركي بعمل عسكري داخل سوريا.

وزار رئيس أركان الجيش التركي، الجنرال نجدت أوزيل، المعزين يوم الأربعاء، وبين عدسات كاميرات التلفزيون مال تجاه أحد أفراد الأسرة ووعد باتخاذ إجراء عسكري أكثر حسما وقوة إذا ما استمرت الهجمات السورية عبر الحدود.

وتكشف الرحلة عبر هذه البلدات الواقعة على الحدود ما تواجهه من خطر متنامي. وفي الوقت الذي لا يريد فيه قادة تركيا الاضطلاع بمساعدة الثوار السوريين من وراء الستار، يعاني سكان الحدود من العواقب. وكان هناك استياء شديد منذ البداية من قدوم عشرات الآلاف من اللاجئين في ظل الصعوبات الاقتصادية والتوترات العرقية الناتجة عن الصراع السوري. مع ذلك تبدو تلك الأعباء حاليا مجرد إرهاصات مقلقة لخطر حقيقي يلوح في الأفق، حيث شددت تركيا الإجراءات الأمنية في المناطق العسكرية ونشرت قوات المدفعية ومضادات الطائرات في اتجاه سوريا. وتمركزت طائرة «إف 16» بالقرب من الحدود لتكون مستعدة لتنفيذ هجمات جوية في حال ما استدعى الوضع ذلك.

يقول محمد علي مصطفى أوغلو، مدير شركة نسيج مملوكة لأسرته تقدر بملايين الدولارات في مدينة غازي انتيب التي تقع على الحدود وتشتهر بالفستق ومراكز التسوق التي تجذب السوريين «إنها فوضى الآن. لا يعرف من في اسطنبول وأنقرة ما يحدث هنا». ويردد الناس في هذه المنطقة الكلام نفسه.

استثمر مصطفى أوغلو قبل اندلاع الحرب 40 مليون دولار في مصنعين في سوريا قال إن عائداتهما السنوية 25 مليون دولار. ويخشى حاليا ضياع استثماراته مع تفسخ العلاقات التي ربطت الدولتين يوما ما ومثلت فرصة للاثنتين. وقال إنه كان يتوقع انجراف تركيا إلى الحرب بشكل أكبر، موضحا أن الدولة كان يجب عليها القيام بما هو أكثر من ذلك منذ البداية من خلال لعب دور الوسيط في النزاع. إنه يستعين حاليا بـ25 حارسا سوريا لحماية مصنعيه الخاليين ويعتمد على اتصالاته بالثوار وبمسؤولين في الحكومة السورية لضمان عدم تهدم المصنعين أثناء القتال.

وقد قال إن شقيقه كان يعتزم المخاطرة بالذهاب إلى حلب بمساعدة مهربين للاطمئنان على سلامة المصنعين. وقال «إنه استثمار بقيمة 40 مليون دولار، لا يمكنني أن أتركه هكذا». واستفادت هذه المنطقة من الانفتاح التجاري والثقافي على سوريا في عهد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وصل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه إلى السلطة عام 2002، وبدأ يدير دفة البلاد بعيدا عن الغرب وباتجاه العالم العربي. وكان الانفتاح على سوريا هو محور تلك الاستراتيجية، لكن في ظل عدم ظهور حل سريع للصراع على الساحة حاليا لا يبدو أن السكان المحليين أو الثوار يدعمون توجه تركيا نحو سوريا.

في مدينة أخرى هي مدينة كيليس، يقول مصطفى أوغلو إن سعر الغذاء وإيجارات الشقق ارتفع ارتفاعا حادا، وامتلأت المستشفيات التركية بسوريين إلى حد عدم وجود مكان للمواطنين في بعض الأحيان. لا يوجد طريق واحد يربط بين هذه المدن والبلدات والقرى التي تمتد شرقا وغربا على هذه المساحة الشاسعة، لكن تربطها المعابر الحدودية التي تعد بوابة التحديات المشتركة في المنطقة. كان أحد الثوار السوريين الذي قال إن اسمه أبو بشير منشغلا بمحاولة العثور على سائق سيارة أجرة بالقرب من معبر على أطراف كيليس بجوار معسكر للاجئين يضم آلاف السوريين حتى يقله هو وزملاءه إلى سوريا ليعودوا إلى القتال. ومن المفترض أنه سيترك زوجته وأبناءه الثلاثة هنا في أحد المعسكرات، وقال إنه كان ممتنا لهذه المساعدة التي تقدمها تركيا إليهم. وفي حين كان يتفاوض مع السائق، كان هناك مزارع يدعى داود بايرام أوغلو، يقف بالقرب منهم يبيع الشاي والبسكويت والسجائر ويخفي سخطه بداخله. وقال السيد بايرام أوغلو «لا أحب ذلك لأن هؤلاء الناس سيبقون هنا إلى الأبد، ويتسببون في مشاكل». وأضاف أن مزرعته أصبحت خالية من العنب والكرز بسبب اللاجئين السوريين، حتى إنه أصبح يجني 10 ليرات تركية فقط (5.50 دولار) يوميا من إعداد الشاي. وأوضح قائلا «نحن نظل نقول إنهم مسلمون وعلينا مساعدتهم، لكن أليس هناك مسلمون آخرون ليساعدوهم؟».

وفي قلب المدينة يلعب الرجال في مقهى بمتنزه الطاولة، ويشعرون بالقلق من الحرب. لقد قالوا إن نسيج المجتمع بدأ يتمزق مع وصول هذا العدد الكبير من السوريين. وارتفعت إيجارات الشقق، ولا يستطيع المواطنون الحصول على الرعاية الصحية بالقدر الكافي. بدت شكاواهم لا نهاية لها. وقال عثمان التينويماك، مصرفي متقاعد «مستشفى المنطقة واحد من أفضل المستشفيات في تركيا، لكنه لم يعد يحتمل تقديم الخدمة للمواطنين، فهو مليء بالرعب». وأكدت موظفة الاستقبال في المستشفى، التي رفضت ذكر اسمها لرفض مديرها ذلك، ما قاله عثمان، حيث أوضحت قائلة «يوجد الكثير من السوريين الذين يأتون كل يوم لتلقي العلاج لأنه مجاني. ولا يوجد مكان للمواطنين. إنها مشكلة كبيرة في تركيا».

مع ذلك تعد هذه المنطقة هي أهم منطقة للثوار المقاتلين ومركز رموز المعارضة السورية. بدا هذا في البداية هو عين ما أرادته الحكومة وهو منح الثوار ملجأ ليتمكنوا من التخطيط والاستراحة والتسلح على الأراضي التركية الآمنة، قبل أن يعود الثوار أدراجهم إلى سوريا، لكن تقوضت هذه الاستراتيجية أو هذا التخطيط المرحلي في ظل اقتراب الحرب أكثر من تركيا.

على أطراف بلدة أكاكال، حيث تم قتل مدنيين في قصف بقذائف الهاون، تمركزت دبابة تركية بجوار المعبر وماسورتها موجهة نحو سوريا. وظهر القناصة على سطح صومعة، في حين يرفرف علم الجيش السوري الحر على الجانب الآخر.

يقول محمد توكتيمور، الشاب ذو الأربعة وعشرين ربيعا الذي يجني رزقه من قيادة السيارات الأجرة عبر الحدود «عليهم الشعور بثقل تركيا. كان الرد فعلا جيدا». وفي واد على أطراف بلدة هاسيباسا، يشاهد الجنود الأتراك السوريين وهم يعبرون النهر الصغير بكل حرية، وكذا مناورات الشاحنات البيضاء التي يقودها أتراك على طريق ضيق مترب إلى حافة النهر حيث يجمعون الجرحى وينقلونهم إلى المستشفيات.

أصيب رجل كان يقود سيارة «رينو» بيضاء، يوم الأربعاء على المعبر المزدحم، عندما اصطدم بسيارة أخرى؛ ومرت نصف ساعة ولم ينقل من على الرصيف بينما يعاني من جروح في الصدر وينتظر سيارة الإسعاف التي استغرقت وقتا أكبر من المعتاد بسبب كثرة عدد السوريين الذين يحتاجون إلى رعاية صحية، على حد قول أحد مسؤولي الشرطة.

على الجانب الآخر كان الرجال يجتمعون لسبب آخر، حيث سقطت قذيفة على حقل مزارع قريب، لكنها لم تنفجر. وقال المزارع أحمد بهلوان «لقد طلبت الجيش. نحن ننتظر الآن وصول فرقة المفرقعات».

* شارك كل من سيبنيم أرسو في إعداد التقرير من أنطاكية في تركيا

* خدمة «نيويورك تايمز»