«أرامكو السعودية»: ماضون في التحقيق لكشف منفذي الهجوم الإلكتروني

بعد توجيه مسؤول أميركي الاتهام إلى طهران بالوقوف وراء فيروس «شمعون»

TT

امتنعت شركة «أرامكو السعودية» أمس عن التعليق على حديث مسؤول أميركي اتهم إيران صراحة بأنها وراء هجوم الفيروس «شمعون» الذي ضرب أجهزة الشركة منتصف أغسطس (آب) الماضي، كما ضرب الشبكة الخاصة بشركة «راس غاز» القطرية، ولكنها شددت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على «أن التفاصيل التي تتعلق بالهجوم على الشبكة الإلكترونية سيجري كشفها حين انتهاء التحقيقات» مؤكدة أنها ماضية في هذه التحقيقات حتى نهايتها.

وأعادت الشركة أمس التأكيد على أن الهجوم الذي تعرضت له شبكتها «من مصدر خارجي»، منتصف شهر أغسطس الماضي وأثر على قرابة 30 ألف جهاز كومبيوتر مكتبي، لم ينتج عنه «أي تأثير يذكر على سير الأعمال الإدارية أو إنتاجية العاملين فيها»، وأن «أعمال التنقيب والاستكشاف والإنتاج والتصدير والتوزيع والمبيعات والأعمال المالية والموارد البشرية وقواعد البيانات الخاصة بها وغير ذلك، لم تتوقف للحظة واحدة بسبب ما حدث؛ حيث إنها أنظمة داخلية معزولة».

كما جددت الشركة تأكيدها العمل على «تعزيز وتحصين الشبكة بكامل الوسائل الممكنة لمنع تكرار مثل هذا الاختراق في المستقبل». وأن الشركة «تواصل إجراء تحقيقاتها حول هذا الحادث والأطراف المتسببة فيه».

ولم نتمكن على الفور من الحصول على تعليق من شركة «راس غاز» القطرية، التي اتصلت بها «الشرق الأوسط» أمس، وفضلت التريث للتعليق على الخبر.

وكانت جيمس لويس، مسؤول أميركي سابق عمل في قضايا تتعلق بأمن المعلوماتية، ذكر «أن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران تقف وراء هجوم إلكتروني كبير على شركة النفط الحكومية السعودية وشركة قطرية للغاز».

وجاءت تصريحات المسؤول تعقيبا على خطاب وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الذي ألقاه الأسبوع الماضي حول أمن المعلوماتية ووجه خلاله تحذيرا مبطنا إلى طهران بأن واشنطن مستعدة للقيام بتحركات وقائية لحماية شبكات الكومبيوتر الأميركية، موضحا أن الجيش الأميركي يضع اللمسات الأخيرة لقواعد الاشتباك للتصدي لهجمات معلوماتية يمكن أن تسبب أضرارا كبيرة، بما في ذلك عبر وسائل هجومية. وأضاف: «القواعد الجديدة ستؤكد أن وزارة الدفاع لا تتحمل مسؤولية الدفاع عن شبكاتها فحسب، بل أن تكون مستعدة أيضا للدفاع عن البلاد ومصالحنا القومية في أي هجوم».

وقال المسؤول جيمس لويس إن الوكالات الحكومية الأميركية خلصت إلى أن إيران هي من دبر الفيروس «شمعون» الذي أدى إلى شل عشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر في الشركة السعودية «أرامكو» وشركة «راس غاز القطرية» للغاز الطبيعي.

ولويس عمل لحساب وزارة الخارجية الأميركية ووكالات حكومية أخرى في مجال الأمن القومي وقضايا الإنترنت.

وأضاف لويس الذي يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن المسؤولين الأميركيين لديهم أكثر من شكوك بأن إيران تقف أيضا وراء هجمات أغسطس التي استهدفت مصارف أميركية. وتابع: قائلا لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك قناعة بشكل عام بأنها إيران»، وأضاف أنه من غير الممكن ألا تكون الحكومة الإيرانية على علم بعملية كبرى على الإنترنت تأتي من مصادر داخل البلاد.

وتساءل: «كيف يمكن القيام بعملية واسعة النطاق مثل هذه في إيران من دون علم الحكومة، في حين أنها تراقب الإنترنت لغايات سياسية».

وخلص مسؤولون حكوميون أميركيون إلى أن إيران قد شنت الهجوم على الأرجح ردا على العقوبات بسبب برنامجها النووي وحملة تخريب على الإنترنت أشارت معلومات إلى أنها حظيت بدعم واشنطن كما قال.

من جهته، قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية رفض الكشف عن اسمه إن الهجوم المعلوماتي على عملاقي النفط في الخليج يعتقد أنه تم من «جانب دولة» وأقر بأن إيران قد تكون مشبوها أساسيا.

وكان بانيتا تحدث في خطابه عن فيروس إلكتروني ضرب مؤخرا شبكات شركة النفط السعودية «أرامكو» ما أدى إلى توقف 300 ألف جهاز كومبيوتر عن العمل وأوضح أن هذا الفيروس المتطور يعد «الهجوم الأكثر تدميرا على القطاع الخاص حتى اليوم».

وأضاف بانيتا: أن «وزارة الدفاع تعرف أن أطرافا أجنبية تختبر شبكات البنى التحتية الأساسية للولايات المتحدة، خصوصا أنظمة مراقبة محطات الكهرباء وشبكات توزيع المياه والنقل».

وأكد بانيتا أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) «طورت قدرات على القيام بعمليات فعالة لتطويق مثل هذه الهجمات ضد مصالحنا القومية في مجال الإنترنت، من دون أن يستخدم على الإطلاق عبارة (القدرة الهجومية)».

وعبر بانيتا في الخطاب نفسه أمام اجتماع لرجال أعمال في نيويورك عن القلق الأميركي إزاء التهديدات بالهجمات المعلوماتية المرتبطة بالصين وروسيا، قائلا إن إيران تبني قدراتها الرقمية.

وتحدث بانيتا عن سيناريوهات عدة لمهاجمة أهداف أميركية من قبل دول أو مجموعات قد تسيطر على شبكات حيوية. وقال، إن «النتيجة يمكن أن تكون (بيرل هاربور إلكترونية)»، أي «هجوم يؤدي إلى دمار مادي أو فقدان أرواح أو شلل أو صدمة للشعب ويولد مجددا إحساسا بغياب الأمان».

واعتبر لويس الذي كان مستشارا أيضا للحكومة الأميركية حول أمن المعلوماتية أن بانيتا «اقترب من الإشارة إلى إيران بالنسبة لبعض الخلل الذي شهدناه الشهر الماضي، لكن من دون تسميتها»، وأضاف: «نأمل أن يعتبر الإيرانيون ذلك بمثابة تحذير».

وقال لويس إن إيران طورت قدراتها الرقمية في المجال العسكري أسرع مما كان يتوقع مسؤولون أميركيون على الرغم من أن الهجوم المعلوماتي على شركة «أرامكو السعودية» كان غير متطور نسبيا. وأضاف: «نحن معتادون على الصين أو روسيا، لكن دخول إيران على الخط أمر جديد ومختلف. وكثير من الناس لم يكونوا يعتقدون أنها ستتطور بمثل هذه السرعة».

وكانت معلومات أشارت إلى أن بانيتا الذي كان مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي آيه) ساعد في شن حملة تخريب معلوماتية لا سابق لها استهدفت البرنامج النووي الإيراني.

وقال مسؤولون أميركيون إن «المعلومات حول الهجمات المعلوماتية الأخيرة رفعت السرية عنها لإفساح المجال أمام بانيتا لكي يشير إليها في خطابه».

وأتلف الفيروس «شمعون» ملفات حساسة واستبدلها بصور عن إحراق إعلام أميركية.

وبعد أسبوعين على الهجوم المعلوماتي على «أرامكو» في 15 أغسطس ، أعلنت الشركة أنها أعادت تشغيل جميع خدماتها الإلكترونية التي تعطلت جراء فيروس «تخريبي» أثر على نحو ثلاثين ألف جهاز كومبيوتر تابع للشركة، لكنه لم يؤثر على العمليات الحيوية المتعلقة بالنفط.

ورأى ستيوارت بيكر، مساعد سابق في وزارة الأمن الداخلي، والآن مستشار قانوني أمني في واشنطن: أن «إيران صارت بلدا فيه الإرهاب مجرد أداة أخرى من أدوات السياسة الخارجية. صارت بلدا يشعر بأنه سيفقد أقل وأقل إذا كسر قواعد اللعبة السياسية السلمية لبقية العالم».

وبدوره، قال ريتشارد بيجتليتش، مسؤول أمني كبير في شركة «مانديانت للأمن الإلكتروني»، ومقرها ولاية فرجينيا: «هذا يقلقني. أنا لست متخوفا، ولكن عندما أرى حذف محتويات 30.000 كومبيوتر في شركة (أرامكو السعودية)، أؤمن أن هذا شيء خطير». وأضاف: «لا ترى الحكومة الصينية، أو الحكومة الروسية، أو حتى القراصنة الفرديين في هاتين الدولتين يتعمدون إلغاء كل هذه المعلومات في كل هذه الأجهزة.» لهذا، قال بيجتليتش، تعتقد إيران: «أنها في حالة حرب مع الولايات المتحدة».

أما فرانك سلوفو، مستشار للأمن القومي في إدارة الرئيس السابق بوش الابن، والآن مدير معهد الأمن الوطني في جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة، فقد كشف أن السلطات الأميركية اشتبهت منذ فترة طويلة، في أن إيران وراء بعض الهجمات ضد الأهداف الأميركية، بما في ذلك المحطات النووية، وأن الحرس الثوري الإيراني يحاول تجنيد مجموعات القراصنة تحت سيطرته، حتى يقدر على الاستفادة من قدراتهم بصورة منظمة ومخططة مسبقا.بينما اعتبر مايكل شيرتوف، وزير الأمن السابق، والآن رئيس شركة شيرتوف للأمن الوطني، أن على الحكومة الأميركية وضع خطة متكاملة عن مصادر الهجمات وأنواعها وطرق الرد عليها. وقال: «لا يزال أمامنا عمل كثير للقيام به. هل سوف نتخذ إجراءات استباقية، أو إجراءات انتقامية، ومتى وكيف؟» وأضاف: «أوضحنا المشكلة مرارا وتكرارا، لكن لم تكتسب المشكلة الأهمية المطلوبة. نحن نحتاج إلى توضيح أن المشكلة ليست مجرد ضجيج خلفي. إنها تتعلق بالمبادئ الأساسية لأمننا القومي».