حرب الزيتون.. عقائدية ووجودية

الفلسطينيون مثل أشجارهم باقون وصامدون في وجه هجوم المستوطنين الكبير

رجال شرطة فلسطينيون يساعدون في قطف الزيتون في بلدة بيت عور التحتا غرب رام الله (أ.ب)
TT

لم يكد يشرع موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية، حتى بدأ المستوطنون حربهم الاعتيادية على الموسم، فسرقوا أطنانا من الزيتون وخربوا آخر، وقطعوا أشجارا وهاجموا الفلاحين في كل مكان.

وهذه الحرب السنوية المعروفة بحرب الزيتون أصبحت تقليدا لا بد منه مع اشتداد قوة المستوطنين، وقلة حيلة الفلسطينيين في القرى القريبة من المستوطنات في شمال وجنوب الضفة. وينتظر الفلسطينيون كل عام موسم قطف الزيتون بفارغ الصبر، إذ تنتج الضفة أحد أجود زيوت الزيتون في العالم. ويأمل الفلسطينيون بإنتاج يصل إلى 18 ألف طن هذا الموسم، وهذا يشكل دخلا جيدا لهم، ويسمح بتصدير الزيت أيضا.

وعلى مدار أسبوع كامل، هاجم المستوطنون، الفلاحين الفلسطينيين في قرى نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله. وأمس، أصيب فلاحون في تل الرميدة في الخليل بعد هجوم مفاجئ لمستوطنين على قاطفي الزيتون، تحول إلى عراك بالأيدي، وأدى إلى إصابة شاب بجراح.

ويتضح تماما أن الهجوم على قاطفي الزيتون في هذه المنطقة جاء انتقاما، بعد محاولة فاشلة يوم الأربعاء الماضي لسرقة الزيتون من المنطقة.

وفي بيت أمر القريبة من بيت لحم أيضا، هاجم مستوطنون لم يخفوا هوياتهم وجاءوا من مستوطنة «كرمي تسور»، المزارعين في المنطقة، ما أجبرهم على وقف العمل بالقطف، والانسحاب خوفا على أبنائهم. وعادة ما تخرج كل العائلة للمشاركة في الموسم الذي يعتبر موسما للنزهة والربح في مناطق أخرى من العالم.

وفي جنين، فوجئ أهالي قرية جلبوع، بسرقة محاصيل الزيتون، حتى قبل أن يصلوا. واستغل المستوطنون هناك وجود هذه الأراضي خلف جدار الفصل، فقطفوا الزيتون قبل أصحابه. ويحتاج هؤلاء الفلاحون إلى تصاريح خاصة، للدخول إلى أراضيهم خلف الجدار، أما المستوطنون فيصلون بكل سهولة.

وقال غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة: «إنها حرب الزيتون». وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «إنها حرب عقائدية».

وتابع: «في مناطق هاجموا الفلاحين بعنف، مثل بورين في نابلس والمغير، وفي مناطق حاصروا مزارعين ومنعوهم من العمل مثل بيتللو في رام الله، وفي مناطق سرقوا الزيتون، مثل برطعة في جنين، سرقوا زيتون 300 دونم». ومضى يقول: «إنها حرب على الأرض والشجرة والإنسان».

ووثقت منظمة «بيتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية عدة اعتداءات من قبل مستوطنين على الفلسطينيين منذ مطلع موسم قطف الزيتون في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري. وقالت «بيتسيلم»: «تثير كثرة الاعتداءات منذ بدء موسم القطاف المخاوف من أن الجيش لم يتجهز كما يجب من أجل القيام بالدفاع عن قاطفي الزيتون الفلسطينيين وممتلكاتهم في وجه عنف المستوطنين». وأضافت: «في بعض الاعتداءات على قاطفي الزيتون يبدو أن أفراد الجيش الذين كانوا حاضرين في الموقع لم يطبقوا التعليمات الواضحة الصادرة عن الجيش ولا تعليمات قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يمنع إغلاق المناطق أمام المزارعين الفلسطينيين ويمنع إبعاد مزارعين فلسطينيين يقوم مستوطنون بالاعتداء عليهم». وطلبت بيتسيلم من الشرطة والجيش الإسرائيلي «التحقيق في جميع هذه الحالات، وفحص وقوف الجنود جانبا أثناء اعتداءات المستوطنين». ورغم هذه الهجمة الكبيرة، يواجه الفلسطينيون ذلك بكثير من التحدي. وطالما انتهت الاشتباكات بين المستوطنين والفلسطينيين، بانسحاب المهاجمين، ويكمل الفلاحون قطف الزيتون وهم يغنون، أو أن يواصلوا ذلك وسط حصار وهتافات وتهديدات من مستوطنات قريبة. وأول من أمس، زار رئيس الوزراء، سلام فياض، قرية جيوس في قلقيلية شمال غربي الضفة، مفتتحا موسم قطف الزيتون في رسالة دعم للفلاحين. وقال فياض: «صمودكم أقوى من الاحتلال والاستيطان، وسيظل شعبنا كزيتونه، متجذرا في أرضه، والثبات والصمود هي اللغة الصحيحة التي نواجه بها الاحتلال، وهي المربع الأول لمقاومة مخططاته التي تستهدف وجودكم على هذه الأرض». وأضاف: «وجودنا مع الأهالي اليوم لمساندتهم في قطف الزيتون هو امتداد لرسالة السلام، ولكنها أيضا رسالة تحد للاحتلال وتأكيد على تمسك شعبنا بأرضه وحقوقه».

وكتب فياض على صفحته على «فيس بوك» أمس: «إذا كان غصن الزيتون رمزا للسلام، وهو كذلك، فجذع شجرة الزيتون رمز للتحدي ولإصرار شعبنا على التمسك بحقوقه». وجدد دعوته للمجتمع الدولي بالعمل على إلزام إسرائيل بوقف كافة أنشطتها الاستيطانية، ووضع حد لممارسات المستوطنين وإرهابهم، والتوقف عن وضع العراقيل أمام جهود السلطة الوطنية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية للمواطنين.

وبينما يواجه الفلاحون هجمات المستوطنين بمزيد من التحدي، تواجه السلطة ذلك بحملة «تخضير». فقررت زراعة 700 ألف شجرة زيتون هذا العام في المناطق المستهدفة من الضفة وقال دغلس «الإمكانيات غير موجودة لمواجهة هذه الهجمة، غير أن صمود الناس يحتذى». وأضاف: «نواجههم بمزيد من الصمود، هناك مئات المتطوعين ينضمون إلينا يوميا، ومزيد من حراس الأرض».

ومع ذلك يطلب دغلس دعما أكبر من السلطة. وقال: «إنهم يدفعون من أجل مهرجان للتسوق، أو من أجل دخول غينيس.. على أكلة مفتول، أو طبق كنافة، بينما لا نجد ما ندفعه أحيانا للحراثين».

وأمس، هاجم مستوطنون بالرصاص، الفلاحين في حقول الزيتون على أطراف قرية قريوت قرب نابلس. وقال مزارعون إن متطرفين من مستوطنة «شيفوت راحيل» القريبة، هاجموهم بالرصاص، واستولوا على معداتهم وطردوهم من المنطقة. وقبل ذلك كان المستوطنون قد أحرقوا أشجار زيتون معمرة في القرية نفسها.

وهذا المشهد، أي مطاردة مستوطنين للفلاحين، أصبح يوميا ومتكررا. وأصيب أول من أمس فلاحون في تل الرميدة في الخليل بعد هجوم مفاجئ لمستوطنين على قاطفي الزيتون، تحول إلى عراك بالأيدي، وأدى إلى إصابة شاب بجراح. ويتضح تماما أن الهجوم على قاطفي الزيتون في هذه المنطقة جاء انتقاما، بعد محاولة فاشلة الأربعاء الماضي، لسرقة الزيتون من المنطقة.