عشائر العراق تطالب بإقرار قانون خاص بها.. وشيوخها يعدون بإصلاح الأعراف العشائرية

وسط رفض قانوني ومجتمعي خشية تعارضه مع الدولة المدنية

شيوخ عشائر يحضرون اجتماعا عشائريا في بغداد (أ.ب)
TT

لم يزل الكثير من شيوخ العشائر والقبائل العراقية يفخرون بالدور الكبير الذي تميزوا به خلال السنوات التي تلت الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، من حيث إسهامهم في بسط الأمن وحل النزاعات والمشاكل التي طرأت على المجتمع العراقي بسبب الفوضى السياسية وعمليات التهديد والإرهاب، وحتى النزاعات السياسية بين الأحزاب ومراكز القوى في البلاد.

وسبق أن طالبت قبائل وعشائر العراق بتفعيل مشروع المجلس الوطني للعشائر والقبائل كمجلس رديف لمجلس النواب، أو شبيه بمجالس الأعيان في دول أخرى، لأجل العمل على تعميق روح التسامح ونبذ الطائفية، لكن طلباتها لم تلق القبول، وصارت تسعى اليوم لمحاولة إقرار قانون خاص بها تحت اسم (قانون مجلس قبائل وعشائر العراق) يعمل تحت إشراف مجلس النواب ويتضمن بنودا كثيرة، من أهمها: حماية وحدة العراق وسيادته وحماية العشائر والقبائل من الطارئين، إضافة إلى منع الأعراف العشائرية التي تنافي حقوق الإنسان والشريعة الإسلامية.

عن هذا القانون، يقول النائب حسين علي الشعلان، رئيس لجنة العشائر النيابية في مجلس النواب العراقي، لـ«الشرق الأوسط»: «كلنا يعلم الدور الكبير الذي لعبته العشائر العراقية في حماية النسيج الاجتماعي العراقي خلال أوقات الأزمات والحرب ضد الإرهاب، عبر دعم تعديل العملية السياسية الحالية بوسائل سلمية، ودعم التوجه نحو حكومة مركزية قوية على حساب النظام الفيدرالي». وأضاف: «لا نريد عبر القانون أن تحكم العشائر البلاد وتفرض هيمنتها على الدولة، بقدر ممارسة مهمتها الرئيسية في لجنة العشائر لخدمة المجتمع وتطوره، كونها شكلت صمام أمان للجميع على مر التاريخ». وشدد الشعلان على رفض إدراج العشائر في العراق كإحدى منظمات المجتمع المدني، وقال: «إن العشائر تعني كل الشعب العراقي».

بدوره قال النائب خالد شواني، رئيس اللجنة القانونية في البرلمان: «ندرك أهمية وثقل العشائر اجتماعيا في العراق، كما أن هناك فقرة واضحة في الدستور العراقي تؤشر إلى هذه الأهمية، لكن المشكلة التي واجهتنا في اللجنة القانونية، أننا ننظر للقوانين والمشاريع والمقترحات المقدمة من حيث مدى مطابقتها للدستور أو تعارضها مع القوانين الأخرى أو التشريعات والتطورات في الواقع السياسي والديمقراطي الحاصل في العراق بعد التغيير». وأضاف: «تشير المادة 14 من الدستور إلى أن العراقيين متساوون أمام القانون ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الانتماء المذهبي أو الطائفي أو جميع الانتماءات الأخرى للإنسان، وهذا يتعارض مع إعطاء ميزة لطبقة مثل شيوخ العشائر، وهو تمييز مرفوض وربما يؤثر سلبا على الواقع الاجتماعي والقانوني والسياسي مستقبلا». وشدد قائلا: «لا بد أن نتعامل مع القانون مع المحافظة على دستورية المؤسسات المدنية، والحياة العامة في العراق».

واستغرب الأكاديمي الدكتور هاشم حسن، عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد، مطالبة العشائر العراقية بإقرار قانون خاص بها، وقال: «لا نفهم من القانون المقترح هل يريد أن يحافظ على بنية العشيرة كمكون اجتماعي ضمن المجتمع العراقي الحالي والمستقبلي، أم يريد رسم أدوار مدنية جديدة للعشيرة». وتابع: «من المؤسف أن المجتمع العراقي الآن عاد لمرحلة ما قبل تأسيس الدولة المدنية، عبر مؤشرات كثيرة، أي إنه عاد لعوامله الأولية، للعشيرة والطائفة والمذهبية والقوميات، وهي نقطة تراجع خرافية وخطيرة في حياة الأمم». وأضاف: «لا بد من البحث عن آليات معينة من كل المكونات الاجتماعية، لنضعهم على مسار دولة حديثة مدنية، تؤمن بعد الله العظيم بدولة المواطن والحقوق والواجبات والقانون، وإذا أردنا أن نؤسس إطارا للعشيرة يجب أن تكون العشيرة منسجمة مع روح القانون وتعود إلى التقاليد العشائرية الحقيقية بمقاطعتها الإرهاب والإجرام والعادات البالية».

أما علي الرفيعي، عميد كلية القانون في جامعة بغداد، فقال: «جميع مكونات الشعب العراقي تنتمي إلى العشائر والقبائل، وحتى الذين يسكنون المدن الآن هم أبناء ريف بنسبة 80% ويمارسون السلوك العشائري يوميا».

وأكد «الحاجة لوجود العشائر لا تأتي لأسباب ترفية، وإنما لكون الأمور العشائرية تمس حياة الإنسان وكرامته وعرضه، وهو يلجأ لها لأجل تحقيق اطمئنان نفسه وأمنه وكرامته». وأكد: «لا نريد أن نكبد خزينة الدولة شيئا، ولسنا نريد سلطة قضائية تشريعية أو تنفيذية بقدر ما نريد تنظيم هذه الشريحة للفوضى الحاصلة فيها بسبب وجود الطارئين فيها، ولأجل أن نحافظ على أصول العشائر العراقية الحقيقية».