معركة من أجل النساء في غزة.. «الجنة السوداء»

عندليب عدوان تكافح منذ أكثر من عقدين ضد القوانين الإسرائيلية وسطوة مسلحي حماس في القطاع

عندليب عدوان مع أفراد عائلتها في منزلها بغزة (نيويورك تايمز)
TT

عاشت عندليب عدوان شحاتة كل سنوات عمرها السبع والأربعين هنا في قطاع غزة، باستثناء سنتين، إلا أن الجيران على طول الممر حيث بنت هي وأسرتها منزلا مؤلفا من ثلاثة طوابق في عام 1998 قد ذهبوا إلى حد الإشارة إليهم بمسمى «الغرباء».

ربما يرجع هذا إلى أن ابنها البالغ من العمر 13 عاما يدرس بالمدرسة الدولية الأميركية. وربما أيضا بسبب أن الطبالين رافقوا حشدا من الجنسين إلى ساحة الدار للاحتفال بزفاف ابنتها مؤخرا. وقد يعزى هذا أيضا إلى أن عدوان، المسلمة التي تصوم رمضان لكنها نادرا ما تدخل مسجدا، لا تغطي شعر ابنتها الداكن الذي يصل طوله حتى كتفيها. أو ربما لأنها أمضت حياتها في الحديث بجرأة عن مشاكل النساء في مجتمع يهيمن عليه الرجال، متحدية مواقف المجتمع بشأن الاغتصاب والقتل بدافع الحفاظ على الشرف والطلاق، ومسلطة الضوء على إساءة معاملة النساء.

«أعتقد أن الحياة في غزة ليست ملائمة لأي إنسان.. الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه بالأمس»، هكذا تحدثت في مقابلة أجريت معها مؤخرا، مشيرة إلى «حصار نفسي» تفرضه مجموعة من القوانين الإسرائيلية الخاصة بالسفر والتجارة وسطوة جناح حماس المسلح على الحكومة المحلية والمجتمع. وقالت «إذا قبلت فكرة أنني أستحق هذا النوع من الحياة، فسوف أفقد الأمل. أؤمن بأنني أستحق حياة أفضل من هذه، لذلك، فسوف أستمر في خوض معركتي من أجل تحقيق هذا الهدف».

خسرت عدوان، التي تعرف باسمها الأخير الحقيقي – الذي حينما يقترن باسمها الأول يعني «العندليب العدواني» – معركة شخصية الشهر الماضي عندما رفضت المحكمة العليا في إسرائيل التماسا مقدما منها ومن ثلاث نساء أخريات للدراسة في الضفة الغربية.

بدأت عدوان الدراسة للحصول على درجة الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي بجامعة بيرزيت في عام 1999، لكنها منعت من حضور الفصول الدراسية بعد فصلين بسبب الانتفاضة الثانية. وعلى الرغم من ذلك، فقد استمرت حملتها الأكبر هنا في غزة، حيث أنشأت «مركز الإعلام المجتمعي» في عام 2007 لتدريب الفلسطينيين على استخدام الأفلام الوثائقية وغيرها من الأساليب الأخرى في كشف النقاب عن صعوبات الحياة اليومية. ويعتبر المركز، الذي تأتي ميزانيته السنوية البالغة 200 ألف دولار من منظمات غربية من بينها خدمات الإغاثة الكاثوليكية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، الأحدث بين سلسلة من المنظمات التي أسهمت عدوان في إنشائها أو إدارتها منذ عام 1991.

تعود بداية نشاطها السياسي إلى طفولتها في مخيم اللاجئين في رفح، حيث كانت الفتاة الوحيدة التي تدلي بتصريحات حول نظام الخطاب العام في المدارس وتشارك في الحركة الطلابية في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، والتي أدت إلى تعليق الدراسة لمدة يومين. وفي سن السادسة عشرة نشرت أولى قصصها القصيرة المتعددة حول ما يعرف بشكل عام هنا باعتباره «الوضع السائد».

وقد هُيئت عدوان، الابنة العاشرة بين 13 طفلا لأم تزوجت في سن الثانية عشرة، من جانب والدها لانتهاج مسار مغاير. كان هو المختار - الذي تربطه صلة قرابة بالعمدة - بقرية باربرا، شمال قطاع غزة، ثم بمخيم رفح، حيث استقرت أسرتها بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948. تتذكر عدوان مرافقة مسؤولين إسرائيليين في حضور اجتماعات لبلدية رفح. وعلى الرغم من كونها من النساء القلائل في غزة اللائي سافرن إلى عواصم أوروبية وعربية، فإن عدوان «أكثر تواصلا مع الناس على الأرض»، بحسب عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، وهو مركز في غزة كانت عدوان من بين أعضاء مجلس إدارته طوال ثلاث سنوات. وأضاف «إنها ليست من النساء النخبة».

في واقع الأمر، تجاهلت عدوان أسئلة على غرار ما إذا كان يمكن أن تظهر السيدات في الأماكن العامة من دون حجاب أو أن يسمح لهن بتدخين الشيشة في المقاهي - وهما أمران يعتبران من المحظورات في هذه المنطقة المحافظة – حيث يقول البرجوازيون «كم عدد النساء اللائي يرتدن هذه المقاهي ويرغبن في تدخين الشيشة؟ يمكنك أن تحصي عدد السيدات اللائي لا يغطين شعورهن». غير أن نقادا يدينونها باعتبارها يسارية رفضت التعاون مع الجهود الحكومية بشأن النساء أو دعوة مسؤولين بحركة حماس إلى الأحداث التي تقيمها. واتهمتها أميرة هارون، المدافعة عن حقوق النساء المسلمات، بأنها تهدر وقتها في الترويج لـ«أجندة غربية مختلفة». وقالت هارون «يجب أن يكون العمل قائما على الأجندة الوطنية ومستلهما منها». وأضافت «يجب أن يكون محور برنامج عملي هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي كأولوية، نظرا لأن الاحتلال هو أصل كل المشكلات».

وأشارت ريما حمامي، الأستاذة بجامعة بيرزيت والتي تعرف عدوان منذ عقدين من الزمان، إلى أن كثيرا من المناديات بالمساواة بين الجنسين في غزة قد فررن في حالة من الإحباط، لكنها بقيت لأنها «تحب غزة بشدة». وقد وصفت عدوان غزة بأنها «جنة سوداء». وقالت عدوان، التي تعيش في القاهرة منذ عامين نظرا لعمل زوجها في مجال الإعلام الإخباري التلفزيوني، إنهما كانا يعاملان «كأجانب» وأجبرا على العودة للوطن، على الرغم من الصعوبات. وقالت «يجب أن نكون هنا. أسرتنا تعيش هنا ومنزلنا وذكرياتنا وتاريخنا هنا».

غير أنها كانت تتوق بشدة للدراسة في الضفة الغربية، حيث قالت إن «العقول مختلفة لأن الحصار لم يطلها». إلا أن المحكمة الإسرائيلية أصدرت حكمها، بنسبة 2 إلى 1، ضد النساء الأربع يوم 24 سبتمبر (أيلول)، متقبلة موقف الدولة الذي ينص على أن منحهن تأشيرات سفر سوف يقوض سياسة «الفصل»، التي تقوم على اعتبارات أمنية وسياسية.

وبدلا من ذلك، تستكمل عدوان رسالة ماجستير في الدراسات الشرق أوسطية - موضوعها كيف تعاملت وسائل الإعلام الإخبارية المطبوعة مع قضايا المرأة أثناء وبعد حرب غزة في الفترة من 2008 إلى 2009 - في جامعة الأزهر هنا. وقد نشر مركز الإعلام المجتمعي، الذي يضم ثمانية موظفين، صحيفتين تسلطان الضوء على ظروف السجن بالنسبة للنساء والشباب، وهو يخطط لاستضافة مهرجان سينمائي عن حقوق الإنسان يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول).

ويأتي على رأس برنامج عدوان تحسين وضع المرأة في حالة الطلاق وإجراءات الوصاية، وتعزيز العقوبات ضد المغتصبين ومن يقتلون النساء بذريعة الدفاع عن الشرف. إلا أنها معنية أيضا بالمثل بالمشكلات اليومية مثل الكهرباء هنا، والتي تعمل لمدة ثماني ساعات، ثم تنقطع لمدة ثماني ساعات. وقالت «لا أدري ما إذا كان يمكنكم تخيل الوضع في الظلام أم لا. من الصعوبة بمكان الاكتفاء بالجلوس والانتظار إلى أن تعود الكهرباء. من الصعب جدا بالمثل السير في الشوارع والمولدات تعمل. أشعر بالاختناق، ولا يمكنني التنفس بسبب التلوث. لا يمكنني سماع الشخص الذي يسير بصحبتي».

كان زواج ابنتها مؤخرا بأحد أبناء غزة الذي يعمل في محل لبيع السيارات في نيوجيرسي، المرة الأولى التي يجتمع فيها أفراد الأسرة معا منذ ست سنوات في منزلهم. ما زالت الجدران التي تحمل لون سمك السلمون تحمل آثار شظايا قذيفة تعود إلى عام 2009، عندما ضربت طائرة حربية إسرائيلية مبنى سكنيا على مقربة؛ لم يكن مبلغ 3000 دولار من وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة كافيا لإصلاحه بعد أن تم استبدال النوافذ المحطمة جراء الانفجار. يؤدي المطبخ الكبير الواقع في الطابق الأول إلى الصالون، على طراز غرفة أميركية كبيرة، وهو أمر آخر يبدو غريبا في غزة، حيث عادة ما تطهي النساء بعيدا عن نظر الضيوف.

وعلى طاولة القهوة، توجد مجموعة تضم 13 تمثالا صغيرا لأفيال وأوان خشبية وأطقم من الخزف الصيني وأوان معدنية، أتت بها من رحلاتها إلى قبرص ومصر وإسبانيا والمغرب وفرنسا. وعلى الأرض، يقف فيل حجري من دون ناب للحراسة.

«إنها حيوانات مسالمة لا تؤذي أحدا، حتى مع كونها كبيرة لا يمكنها أن تلحق الأذى بأي شخص»، هكذا تحدثت عدوان عن مجموعتها. وأنهت حديثها قائلة «على رأس الأخلاقيات السامية أن تكون لديك القوة ولا تستغلها ضد أي شخص».

* أسهم فارس أكرم في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»