الجيشان «النظامي» و«الحر» يتقاتلان للسيطرة على إدلب

30 ألف سوري يقيمون بالمدينة الجامعية في حلب وأكثر من 33 ألف قتيل منذ بدء الثورة

أحد السوريين يبكي بعد أن فقد أحد أفراد عائلته بعد قصف جوي للقوات النظامية على معرة النعمان أمس (أ.ف.ب)
TT

تشكل محافظة إدلب قبلة أنظار النظام السوري والمعارضة السورية على حد سواء، حيث تقاتل كتائب «الجيش السوري الحر» ببسالة لإبقاء سيطرتها على مدن عدة في إدلب، تحديدا مدن معرة النعمان وسراقب وخان شيخون، نظرا لمواقعها الاستراتيجية، إذ تشكل معبرا إلزاميا على خط إمداد النظام السوري قواته العسكرية في حلب، كبرى مدن شمال سوريا، التي تشهد منذ نحو ثلاثة أشهر معارك يومية بين المقاتلين المعارضين وقوات النظام.

وتصدى مقاتلون في «الجيش الحر»، مساء أمس، لقوات وتعزيزات نظامية كانت متجهة إلى مدينة معرة النعمان، حيث أوقفوا رتلا عسكريا من نحو 40 آلية، بينها عشر دبابات وعربات مدرعة وشاحنات صغيرة مزودة برشاشات وباصات لنقل الجنود، على بعد نحو 12 كيلومترا جنوب معرة النعمان بمحاذاة بلدة حيش، حيث وقعت اشتباكات بين الجانبين.

ويحاول «الجيش الحر» اعتراض تعزيزات القوات النظامية التي تتقدم ببطء إلى حواجزها في معرة النعمان، بعدما سيطر الثلاثاء عليها باستثناء حاجز واحد على مدخلها ما زال تحت سيطرة القوات النظامية، بينما تسعى القوات النظامية إلى استعادتها لإعادة إحكام سيطرتها على الطريق السريع الذي يربط بين دمشق وحمص وحلب، للتمكن من تعزيز وجودها في مدينة حلب وتزويدها بالإمدادات.

وكان الطيران الحربي قد استهدف صباح أمس 22 مقاتلا سوريا معارضا خلال محاولتهم اقتحام معسكر وادي الضيف القريب من مدينة معرة النعمان والمحاصر منذ أيام. وأفاد المرصد السوري بأن «المعارضين السوريين يفرضون منذ أيام حصارا على معسكر وادي الضيف، القاعدة العسكرية الأكبر في منطقة معرة النعمان، الذي شهد محيطه أول من أمس اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين».

وقال مصدر قيادي في «الجيش الحر» لـ«الشرق الأوسط» إنها «ليست المرة الأولى التي يتعقب فيها النظام الأسدي عناصر (الجيش الحر»)، فهو يفعل ذلك منذ أن بدأ باستخدام الطيران الحربي في معاركه اليومية»، لافتا في الوقت عينه إلى أن «قدرته باتت محدودة أكثر بعدما بدأ (الجيش الحر) باستخدام الرشاشات المضادة للطيران والقادرة على إبعاد الحوامات ودفعها للتحليق على مستوى مرتفع».

وأوضح المصدر القيادي أن «إصابة أكثر من 20 مقاتلا أمس، حصلت بعدما قلت الذخائر الموجودة معهم لا سيما المضادة للطيران، الأمر الذي دفع الحوامات للتحليق على مستوى منخفض وملاحقة عناصرنا، لكن ذلك لم يمنعهم من الاستبسال والتصدي لها عبر بنادق الكلاشنيكوف»، محذرا من «لجوء القوات النظامية إلى رمي براميل TNT في اليومين الأخيرين بحجم مضاعف من 500 إلى ألف كلغ تحديدا في إدلب».

وكانت بلدات وقرى سرمين وخان شيخون وموقة والعامرية وكفرمزدة وحيش وجبالا وكفرسجنة ومعرة حرمة والركايا والهبيط بريف إدلب، تعرضت للقصف من قبل القوات النظامية، رافقه تصاعد لأعمدة الدخان من المنطقة. كما استهدف قصف بطائرة حربية قرية معرشمشة المحيطة بمعسكر وادي الضيف.

في موازاة التطورات الميدانية، أعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن «عدد القتلى في سوريا وصل إلى 33 ألفا و82 شخصا، منذ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد»، موضحا أن الضحايا «هم 23 ألفا و630 مدنيا، و1241 مقاتلا منشقا، و8 آلاف و211 من القوات النظامية». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مدير المرصد قوله إن «قرابة ألف شخص قتلوا في الأيام الخمسة الأخيرة»، موضحا أن «المعدل اليومي للقتلى في أكتوبر (تشرين الأول) بلغ 189 شخصا».

أما في حلب، فقد دارت اشتباكات عنيفة في حلب القديمة بين القوات النظامية و«الجيش الحر»، بينما تمكن الأخير من إسقاط طائرة حربية من طراز ميغ، في بلدة كفرناها الواقعة في ريف حلب، وبث ناشطون شريط فيديو يظهر تصاعد الدخان من الطائرة بعد استهدافها. وذكرت لجان التنسيق المحلية في سوريا أن القوات النظامية اقتحمت بلدة خان العسل بالتزامن مع قيامها بحملة دهم وحرق طالت منازل ناشطين، بينما تم تحويل منازل أخرى إلى ثكنات عسكرية. كما حلق الطيران الحربي على علو منخفض فوق مدينة الباب، في حين هزت انفجارات قوية المنطقة المحيطة بفرع المخابرات الجوية في حي جمعية الزهراء، بالتزامن مع اشتباكات وإطلاق نار كثيف في المنطقة.

من ناحيتها، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) أن القوات النظامية «دمرت 4 سيارات مزودة برشاشات دوشكا بمن فيها من الإرهابيين و6 سيارات محملة بالأسلحة والذخيرة على طريق الأتارب في حلب»، مشيرة إلى «تدمير مدفعي هاون ومقتل عشرات الإرهابيين في منطقة قسطل حرامي في حلب». ولفتت إلى «عمليات أخرى في باب الحديد ومحيط جامع النبي يوسف في خان العسل والجامع الأموي بالمدينة القديمة، وحول جامع حذيفة ببستان القصر وسوق الهال وسوق الفستق وباب أنطاكية، وعند جامع جمال في الكلاسة ودوار الصالحين».

من جهة أخرى، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول في المدينة الجامعية في حلب، رفض الكشف عن اسمه، قوله إن «نحو 30 ألف شخص بينهم عدد كبير من العائلات لجأوا إلى المدينة الجامعية»، بعدما «فروا من الاشتباكات في الأحياء التي يقيمون بها وتوزعوا على 18 من الوحدات العشرين في المدينة الجامعية».

ويبدي اللاجئون قلقهم من اقتراب فصل الشتاء، لا سيما أن زجاج غالبية الغرف في المدينة الجامعية محطم، إضافة إلى أن هذه الوحدات الجامعية ليست مؤهلة لاستقبال هذا العدد من الأشخاص. وتستضيف غرف مهاجع الطلاب، حيث من المفترض أن يقيم شخصان على الأكثر، عائلة أو اثنتين، يراوح مجموع أفرادهما بين خمسة وسبعة أشخاص، تحاولان العيش رغم ظروف الإقامة الصعبة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي العاصمة دمشق، استهدف قصف مدفعي عنيف أحياء القدم والعسالي والمادنية والسبينة والحجر الأسود، وقال ناشطون إن سحب الدخان تصاعدت من المنطقة. وأشار المرصد السوري إلى مقتل خمسة عناصر من «الجيش الحر» في بلدة عربين خلال اشتباكات مع القوات النظامية في محيط بلدة جسرين. وفي الغوطة الشرقية، أحرقت القوات النظامية مزارع عدة تمهيدا لفتح طريق لاقتحام بلداتها.

وفي محافظة حمص، تعرض حي الخالدية لقصف بقذائف الهاون، رافقته أصوات انفجارات هزت إرجاء الحي المحاصر، كما تعرضت مدينة القصير بريف حمص للقصف من قبل القوات النظامية. وذكر المرصد السوري أن «أكثر من 10 مواطنين أصيبوا بجراح، معظمهم أطفال، إثر القصف الذي تعرضت له قرية الزعفرانة بريف حمص. وشهدت المنطقة الحدودية مع لبنان قصفا بالطيران واشتباكات عنيفة جدا بالمدفعية، في موازاة نزوح نحو 70 عائلة سورية من بلدتي ربلة والقصير السوريتين».

في المقابل، أفادت وكالة «سانا» بمقتل «عدد من الإرهابيين وإصابة آخرين في حي باب هود في حمص»، وبـ«قتل إرهابيين وتدمير سيارتين لهم في قرية تلدو بريف حمص». ونقلت الوكالة عن مصدر في المحافظة قوله «إن وحدة من قواتنا المسلحة تصدت ليل أول من أمس لمجموعة إرهابية مسلحة كانت تعتدي على المواطنين وتقطع الطرقات في مدينة تلكلخ وأوقعت إصابات مباشرة في صفوفها».

وفي اللاذقية، قال عضو اتحاد تنسيقيات الثورة، عمار الحسن، لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر من «الجيش الحر» تمكنوا «من السيطرة على مركز للقوات النظامية في قمة النبي يونس كان يتولى القصف على قرى سلمى وجبل الأكراد»، لافتا إلى أنه «تم أسر عناصر المركز بعد السيطرة عليه وقتل عدد من الشبيحة».

وقال الحسن إن «الطيران الحربي ألقى براميل TNT متفجرة على قرى ناحية ربيعة وجبل التركمان»، مشيرا إلى أن «القوات النظامية اقتحمت منزل عائلته بحثا عنه وعبثت بمحتوياته وأثاثه، وغادرت بعدما كالت الشتائم له».

أما في درعا، فقد اقتحمت القوات النظامية بلدة معربة وسط إطلاق رصاص كثيف، مما أوقع خمسة قتلى في صفوف القوات النظامية وعددا من الجرحى في صفوف المواطنين و«الجيش الحر»، في ظل نقص في الكادر الطبي من أجل علاج الجرحى المهددة حياتهم، وفق المرصد السوري. كما دارت اشتباكات عنيفة في بلدة بصرى الشام.

من ناحيتها، ذكرت وكالة «سانا» أن «الجهات المختصة اشتبكت مع مجموعة إرهابية مسلحة على طريق عام خربة غزالة درعا، مما أسفر عن مقتل جميع أفراد المجموعة». كما أفادت بأن «وحدة من القوات النظامية قضت على عدد من الإرهابيين عند جامع الروضة بحي الجبيلة». ونقلت عن مصدر بالمحافظة قوله إن «وحدة أخرى من قواتنا المسلحة دمرت سيارة مزودة برشاش دوشكا خلف القسم الخارجي بحي العمال، كما دمرت سيارة بيك آب تقل عددا من الإرهابيين على دوار الجبيلة بدير الزور وقضت على جميع من فيها من الإرهابيين».