نقل الرئيس الموريتاني إلى باريس للعلاج بعد إطلاق النار عليه

قال إنه أصيب بـ «نيران صديقة» .. ومصادر تتحدث عن إصابته في ذراعه وبطنه

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز طريح الفراش في المستشفى العسكري في نواكشوط قبل مغادرته إلى باريس أمس لمواصلة العلاج (أ.ب)
TT

نجا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من إطلاق نار كثيف تعرض له ليلة أول من أمس أثناء عودته من مزرعة في شمال نواكشوط العاصمة، اعتاد أن يقضي فيها عطلته الأسبوعية. وظهر الرئيس ولد عبد العزيز صباح أمس في التلفزيون الرسمي يطمئن الموريتانيين على صحته، وبدا متعبا، بينما غطي جسده باستثناء وجهه بملاءة طبية بيضاء.

ونفى ولد عبد العزيز، في كلمة قصيرة بثتها وسائل الإعلام الرسمية، تعرضه لمحاولة اغتيال، وقال إنه أصيب بنيران صديقة في موقع بشمال نواكشوط دون أن يقدم تفاصيل أكثر. ونقل ولد عبد العزيز إلى فرنسا صباح أمس على متن طائرة طبية أرسلتها الحكومة الفرنسية لإكمال العلاج هناك.

وكان وزير الإعلام الموريتاني حمدي ولد محجوب قد أكد في وقت سابق أن نقطة تفتيش تابعة للجيش هي من أطلق الرصاص على ولد عبد العزيز عن طريق الخطأ، أثناء عودته من رحلة برية شمال البلاد.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن الرئيس ولد عبد العزيز أصيب بعدة رصاصات، وأن إحدى هذه الرصاصات أصابته في الذراع، فيما أصيب إصابة بالغة على مستوى البطن، وظل ينزف لساعات قبل أن يتمكن الأطباء الموريتانيون من السيطرة على النزيف إثر عملية جراحية ناجحة.

وقال مصدر طبي طلب عدم الكشف عن اسمه إن إحدى هذه الرصاصات استقرت في بطنه، وإن الطاقم الطبي تمكن من نزعها بصعوبة.

ورغم تأكيد السلطات على أن النيران التي أصابت الرئيس ولد عبد العزيز، هي نيران صديقة، فإنه يجري الحديث على نطاق واسع في نواكشوط عن محاولة فاشلة لتصفية الجنرال ولد عبد العزيز، الذي قاد انقلابا أوصله للسلطة في أغسطس (آب) 2008 قبل أن ينتخب رئيسا للبلاد في العام الموالي في اقتراع شاركت فيه المعارضة إثر اتفاق سياسي جرى التوقيع عليه في داكار.

وذكرت مصادر أن سيارة على متنها عدد من المسلحين اعترضت الرئيس أثناء عودته من المزرعة، وهو يقود سيارة رباعية الدفع، وتم استهدافه بشكل مباشر بوابل من الرصاص بيد أن هوية المهاجمين ونواياهم تبقى غير معروفة.

ويعتبر ولد عبد العزيز خصما قويا لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وأرسل منذ وصوله إلى السلطة مئات الجنود لمواجهة التنظيم على الحدود مع مالي والجزائر، فيما هدد التنظيم أكثر من مرة باغتيال ولد عبد العزيز.

ويعول الغرب، خاصة فرنسا، على تعاون ولد عبد العزيز وسط عن أنباء عن حرب وشيكة يجري الإعداد لها لتطهير مدن شمال مالي من الجماعات الإسلامية المتشددة.

ويأتي الحادث أيضا في وقت تشهد فيه البلاد تجاذبات سياسية حادة؛ بيد أن المراقبين يستبعدون تورط المعارضة في هذا الحادث نظرا لتشديدها أكثر من مرة على سلمية نهجها النضالي لإسقاط النظام.

وتعد الانقلابات والمحاولات الانقلابية الفاشلة مظهرا من مظاهر الحياة السياسية في البلاد. وعكس ظهور الرئيس في التلفزيون الرسمي رغبة في إظهار أنه ما زال يمسك بزمام الأمور في البلاد، وأن لا خوف من فراغ في السلطة رغم توجهه للعلاج في فرنسا.

إلى ذلك، نشرت وكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة أمس تفاصيل دقيقة حول حادث إطلاق النار على الرئيس، وقالت مصادر خاصة للوكالة إن الرئيس كان يستقل سيارة مدنية مع ابن عمه وشريكه أحمد ولد أباه خلال جولة أسبوعية يقوم بها في ضواحي أكجوجت، حين باغته حاجز لقوات من الجيش.

وأشارت المصادر إلى أن عناصر الجيش المكلفين مراقبة المنطقة حاولوا تنبيه سائق السيارة (الرئيس) دون جدوى، حيث كان منشغلا بالحديث مع رفيقه، ولما اقترب من الحاجز أطلقوا رصاصات تحذيرية فوق السيارة، وأضافت المصادر ذاتها أن «الرئيس آنذاك ترك الطريق الرئيسية وعرج على طريق فرعية، وواصل سيره إلى العاصمة نواكشوط، غير أن ضابطين من الوحدة العسكرية المرابطة على الحدود الشمالية للعاصمة قاما باستعمال سيارة مدنية وحاولا وضع كمين للسيارة (الرئاسية) التي لم تتوقف دون معرفة من بداخلها»، وزادت المصادر قائلة: «ولما عاد الرئيس إلى الطريق الرئيسية شاهد العنصرين، وهم يقفان أمامه، فاشتبه في السيارة هو ورفيقه، فرفضا التوقف لها، واتصل بحرسه وكانوا على بعد كيلومترات منه، مثلما جرت العادة خلال جولاته الأسبوعية في بوادي إنشيري».

وقال أحد الضباط الموقوفين في تصريحات بعد الحادث لمرؤوسيه إن اشتباهه في السيارة ازداد بعد رفضها التوقف ثانية، وإن رفيقه أطلق عليها وابلا من الرصاص (14 رصاصة) لإجبار ركابها على التوقف.

وقالت المصادر إن أحمد ولد أباه نجا من الحادث، بينما أصيب الرئيس بطلق ناري في المناطق السفلية من جسده، وإن حالته ليست خطيرة، لكنه تعرض لنزف بفعل اختراق الرصاص جلده وبعد المسافة.

وذكرت المصادر أن الرئيس واصل السير بالسيارة إلى أن تجاوز المجموعة التي استهدفته، ثم سلمها لرفيقه أحمد ولد أباه، ومن ثم اتصل الرئيس بحرسه وطلب منهم اعتقال المجموعة، ومباشرة التحقيق معهم، وهو ما تم بالفعل.

وقالت وكالة «الأخبار» الموريتانية إن الضباط تم تحويلهم للتحقيق بقاعدة عسكرية شمال البلاد، ولم يتسن لـ«الشرق الأوسط» التأكد من صحة تلك المعلومات.

وفي باريس، صدر مساء أمس بيان عن وزارة الدفاع الفرنسية جاء فيه أن فرنسا «استجابت لطلب الحكومة الموريتانية من أجل توفير العلاج الطبي المناسب» للرئيس الموريتاني الذي دخل أمس إلى المستشفى العسكري في بيرسي - كلامار، جنوب غربي العاصمة الفرنسية. ولم تتوقف الاتصالات بين باريس ونواكشوط منذ لحظة وقوع الحادث. وسارعت باريس إلى إرسال طائرة مجهزة طبيا حطت في مطار نواكشوط صباح أمس (الأحد) من أجل نقل الجنرال ولد عبد العزيز إلى أحد المستشفيات الباريسية المتخصصة؛ مما يدل على أن الحديث عن «إصابته الخفيفة» بعيد كل البعد عن الحقيقة رغم ظهوره القصير على شاشة التلفزيون الموريتاني حيث تحدث قليلا وبصعوبة، وكان واضحا أن الرئيس الموريتاني لا يتنفس بشكل طبيعي.

وتفيد المعلومات المتوافرة فرنسيا أن الرئيس الموريتاني أصيب برصاصتين وليس برصاصة واحدة. وإذا كانت الرصاصة الأولى أصابته في الذراع، وهي غير خطيرة، فإن الرصاصة الثانية أصابته في البطن وربما في الصدر، وهذه الإصابة هي التي استدعت نقله إلى باريس.

ونقلت إذاعة فرنسا الدولية عن وزير الخارجية الموريتاني، حمادي ولد حمادي، الموجود حاليا في كينشاسا (الكونغو الديمقراطية)، أن الجنرال ولد عبد العزيز، لم يتعرض لعملية اغتيال. وبحسب الوزير حمادي، فإن رئيس الدولة «أصيب برصاص حاجز متحرك لم يكن أمن الرئيس على علم بوجوده في هذا المكان»، الأمر الذي أفضى إلى سوء تفاهم، وبالتالي إلى إطلاق النار.