أزمة السلطة المالية تتفاقم.. والحكومة لن تدفع الرواتب كاملة قبل عيد الأضحى

الإضرابات تشل المدارس.. ونقابة الموظفين لاحقا ومصادر لـ «الشرق الأوسط»: لا بوادر للحل

TT

في ساعة مبكرة من صباح أمس، كان عشرات آلاف التلاميذ الفلسطينيين، يملأون شوارع الضفة الغربية على غير العادة، بعدما توقفت الدراسة بعد الحصة الثالثة، احتجاجا من المعلمين على عدم تلقي رواتبهم عن الشهر الماضي، فيما ستتوقف الدراسة اليوم تماما في المدارس والجامعات أيضا، لنفس السبب.

وفي الأثناء، أعلنت نقابة الموظفين الحكوميين عن اجتماع حاسم اليوم، بعد انتهاء مهلة الشهر، من إعلان نزاع عمل مع الحكومة، قد تعلن بعده إضرابا مفتوحا. وحتى أمس، لم تقدم الحكومة الفلسطينية أي إجابة شافية حول رواتب الشهر الماضي، وقالت: إنها لن تدفعها كاملة على أي حال، حتى قبل عيد الأضحى، نهاية الشهر. وتمر السلطة بأزمة مالية منذ عامين، لكنها آخذة بالتفاقم شهرا بعد شهر، حتى اضطرت أخيرا إلى تجزئة الراتب إلى 3 دفعات، ولم تسدد ما عليها من ديون والتزامات للقطاعات المختلفة. ويبلغ حجم العجز المالي الحالي أكثر من مليار دولار.

وبعد شهور من الصبر، لم يعد يتقبل الموظفون أعذار الحكومة بشأن الأزمة المالية، في ظل الغلاء الكبير الذي ضرب الضفة هذا العام كذلك، وهذا ما حرك الفلسطينيين إلى الشوارع، يهتفون ضد الحكومة والسياسات المالية والاقتصادية والاتفاقات السياسية. وقال محمد صوان، رئيس اتحاد المعلمين، إن الاتحاد قرر تنفيذ إضراب شامل، اليوم، وإضرابات جزئية الأسبوع القادم، احتجاجا على تأخر صرف الرواتب. ودخلت الجامعات الفلسطينية على خط الإضرابات بعد سلسلة إنذارات، في خطوة مهمة، احتجاجا على عدم استجابة الحكومة للمطالب المتمثلة في زيادة حصة الجامعات المالية ومنح المتقاعدين التأمين الصحي وصرف العلاوات وغلاء المعيشة وتأخر صرف جزء من رواتب العاملين في بعض الجامعات. وتعاني الجامعات الفلسطينية من أزمة مالية، متهمة الحكومة بعدم دفع ما عليها من التزامات. ونفذت الجامعات في وقت سابق إضرابات جزئية، لكنها قررت تنفيذ إضراب شامل اليوم ويومين من الأسبوع المقبل.

وقال رئيس اتحاد العاملين بالجامعات الحكومية، أمجد برهم «الإضراب تقرر بعد فشل المفاوضات مع وزير التعليم». وأضاف: «لم نتلق سوى وعود». ومع الإضراب الذي يشل التعليم اليوم، تدرس نقابة الموظفين العموميين، وهي أكبر نقابة في الضفة الغربية وقطاع غزة، قرارا بإعلان الإضراب المفتوح متهمة الحكومة «بتطنيش» مطالب النقابة. وكانت نقابة الموظفين قالت في بيان إن «أداء الموظف في عمله بدأ بالتناقص انعكاسا لوضعه المالي وما يواجهه من ضغوط، وبالتالي ينعكس ذلك على كفاءة عمل المؤسسة والقيام بواجباتها، بينما الحكومة غير مكترثة». ولم يستبعد رئيس النقابة بسام زكارنة اللجوء إلى إضراب مفتوح. ومن شأن مثل هذا الإضراب، إغلاق الوزارات الحكومية تماما.

وبدأت أزمة الحكومة الفلسطينية قبل عامين، بسبب توقف دول عربية عن دعمها للسلطة، ومن ثم ازدادت الأزمة، بعد احتجاز الولايات المتحدة أموالا مخصصة لدعم السلطة، بقرار من الكونغرس، عقابا لها على توجه الرئيس الفلسطيني للأمم المتحدة. وطالما قال أبو مازن إنه يواجه حصارا ماليا بسبب مواقفه من الأمم المتحدة. والشهر الماضي، لم تحصل السلطة على دعم كاف من مؤتمر المانحين في نيويورك، وعاد وزير ماليتها نبيل قسيس بخفي حنين. وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»: «الأزمة الحقيقية تكمن في عدم وجود آفاق». وأضافت: «لا معونات ولا وعودات حتى».

وكان قسيس اعترف هذا الشهر بتراجع الدعم الأجنبي أيضا، قائلا: «لم نحصل على ما يمكننا من الخروج من الأزمة المالية المستمرة (من مؤتمر المانحين)».

ورسم قسيس صورة قاتمة «هذا الشهر أسوأ من الشهر الذي سبقه، وسيستمر الوضع للأسوأ إذا لم تحصل السلطة على المعونات». وطلبت السلطة، مؤخرا، منحة من صندوق النقد الدولي بقيمة 400 مليون دولار، وتفكر أيضا في الاستدانة من البنوك لسد بعض العجز المالي الذي فاق مليار دولار. وتحتاج السلطة إلى نحو 150 مليون دولا شهريا، تحصل على 100 مليون منها من إسرائيل، كمستحقات ضريبية. وأفرجت إسرائيل مؤخرا عن أموال محتجزة، قائلة إنها لا تريد مزيدا من التدهور المالي في السلطة. وقالت إسرائيل أمس إنها ستصدر تصاريح للعمال الفلسطينيين للعمل في مجال البناء في إسرائيل بهدف تحسين الوضع الاقتصادي لدى السلطة الفلسطينية. لكن السلطة تنظر إلى مثل هذه الإجراءات على أنها شكلية، وتقول: إن العجز الذي تعانيه اقتصاديا هو عجز بنيوي سببه إجراءات الاحتلال التي تكبل يد الاقتصاد.