أخذت الثورة السورية في الفترة الأخيرة طابعا أكثر دموية، بسبب تعنت النظام الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، ولجوئه إلى حد ارتكاب جرائم الإبادة البشرية ضد أبناء شعبه، إلى جانب تصاعد وتيرة القمع السلطوي الذي وصل إلى تدمير المدن على رؤوس ساكنيها والإعدامات الجماعية لعوائل عديدة حتى اصطبغت كل شوارع المدن بدماء ضحايا مدنيين عزل وأبرياء كل مطلبهم هو تحقيق الحرية والكرامة.
لكن هناك قيادات سورية ما زالت تردد شعار «سلمية» المظاهرات، منها عدد من القيادات السياسية الكردية الذين يؤخذ عليهم اليوم أنهم أصبحوا يتفرجون على مشاهد الدماء الغزيرة التي تسيل من الشعب السوري من دون أن يتحركوا بفتح جبهة شمالية بمناطقهم لمواجهة النظام وتخفيف الضغط عن بقية المدن والمناطق السورية التي تتعرض يوميا إلى مذابح وجرائم تقترفها أجهزة النظام وشبيحته.
وهذه تهمة يرددها العديد من تلك القيادات، ومنهم صالح كدو رئيس الحزب اليساري الديمقراطي الكردي السوري، الذي أكد في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» أن الشعب الكردي هو جزء أساسي من الثورة السورية، وأن «المناطق الكردية تحولت الآن إلى ملاذات آمنة لعشرات العوائل العربية التي تفر من ديارها بسبب قمع النظام»، مشيرا إلى أن «الحركة الكردية عملت منذ البداية - وبجهد كبير - لكي لا يأخذ الحراك الشعبي منحى عسكريا، حفاظا على تماسك الشعبين الكردي والعربي، وغيرهم من الإخوة، ولدرء مخاطر الحرب الأهلية عنهم».
وقال كدو إن «المدن الكردية كانت في بداية الثورة سباقة بالتحرك الجماهيري للاحتجاج على السلطة، وشهدت تلك المدن مظاهرات عارمة تطالب بالحرية والديمقراطية وتؤيد الثورة التي اندلعت في درعا وبقية المدن السورية. لكن منذ البداية أيضا أدركت القوى الكردية المخاطر التي سيتعرض لها البلد في حال اتخذ الحراك الجماهيري طابعا عسكريا، وأقر المجلس الوطني الكردي في مؤتمره المنعقد في 2011/11/26 بأن الشعب الكردي هو جزء من الثورة السورية، لكنه يرفض تحويل الصراع إلى مواجهة عسكرية. وقامت مظاهرات عديدة في مناطقنا الكردية، وفي الحقيقة لم يتعرض النظام لهذه المظاهرات، لأنه ربما فكر في أنه بهذا الأسلوب قد يحيد الشعب الكردي، لكنه لم يدرك أن الشعب الكردي قد اتخذ قراره بنصرة الثورة وبأنه أصبح جزءا منها. أما ما يتعلق بموضوع القتال والمواجهة فنحن حذرنا إخواننا الآخرين من عدم الوقوع في شراك النظام الذي كان يسعى إلى جرهم للقتال، ولكن للأسف ارتُكبت أخطاء، وأعتقد أن النظام استفاد من هذه الأخطاء».
وتابع القيادي الكردي «منذ البداية كنا أعلنا موقفنا الواضح من الثورة ومن النظام أيضا، وقلنا إننا جزء من الثورة، وضد النظام، فبعد نحو شهر من اندلاع الثورة أرسل الرئيس بشار الأسد طائرة خاصة إلينا نحن قادة الأحزاب الكردية بسوريا، وحدد لنا موعدا للقاء معه في العاشرة مساء. واتصل بي محافظ الحسكة لعشرين دقيقة محاولا أن يقنعني بالذهاب إلى دمشق للقاء الرئيس، وفعل الشيء نفسه مع بقية القادة الكرد، لكننا جميعا رفضنا لقاءه، وأكدنا على نقطتين أساسيتين، الأولى هي أننا لن ندخل في أي حوار مع نظامه بمعزل عن بقية أطراف المعارضة الأخرى، والثانية أن يتجنب النظام التعامل مع المظاهرات بشكل عنيف وبالأساليب العسكرية. رفضنا اللقاء لأن الحوار كان مستحيلا مع هذا النظام، وواصلنا احتجاجاتنا السلمية ضد النظام، ومن يأخذ علينا الطابع السلمي لمواجهتنا مع هذا النظام أعتقد أنه على خطأ، لأننا مشاركون فعلا في الثورة، لكننا ما زلنا مصرين على الطابع السلمي لمظاهراتنا ومواجهاتنا».
وحين أشارت «الشرق الأوسط» إلى أن الوضع الآن اختلف تماما عما كان عليه في بداية الأحداث، حيث تجري اليوم أنهار من دماء السوريين على الأرض والنظام يمعن في القتل، فكيف يعقل مهادنة نظام يدمر المدن ويقتل شعبه؟.. أجاب رئيس الحزب اليساري الديمقراطي الكردي السوري «نحن لسنا متفرجين، بل نسهم في الثورة. معظم مناطقنا الكردية تحولت إلى ملاذات آمنة لعشرات العوائل العربية التي تأتي إلينا هربا من قمع السلطة، ونضمهم كإخوان لنا».
ومع ورود الأخبار من الداخل عن تكريس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الموالي لحزب العمال الكردستاني، لسيطرته الأمنية المطلقة على الأرض ميدانيا، وما إذا كان ذلك يهدد بقية الأحزاب الكردية، قال كدو «جميع الأحزاب الكردية منضوية حاليا تحت راية المجلس الوطني الكردي السوري ما عدا هذا التنظيم، وأجرينا مع مسؤوليه حوارات عديدة من أجل ضمهم للمجلس أو على الأقل الاتفاق على مشتركات بيننا وبينهم، وطلبنا منهم أن تكون الحواجز الأمنية التي يقيمونها في الداخل مشتركة، ولكن للأسف لم نتوصل معهم إلى نتيجة حتى الآن. هذا التنظيم موجود على الأرض وله قوته وسلاحه، نحن كأحزاب كردية لا نرغب في تسليح عناصرنا لأننا نعتقد أن ذلك سيلحق الأذى بنا في المستقبل، هناك خروقات تحصل منهم، وهناك مشاكل بسبب عدم تكافؤ القوة بيننا وبينهم، مع ذلك ما زلنا نسعى للحوار معهم وتعميق الاتفاقية التي توصلنا إليها في أربيل».
وحول ما إذا كان الوجود المسلح لهذا الحزب سيجر تدخلا عسكريا من تركيا، خاصة أنه حزب يعتبر مواليا لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، قال كدو «طبعا الأتراك يحاولون استغلال وجود هذا الحزب وتحركاته، لكن حتى الآن لا يشكل هذا الحزب أي تهديد لتركيا وحدودها. وأعتقد أن القرار الذي أصدره البرلمان التركي بإرسال جيشه إلى خارج تركيا كان قرارا خاطئا، وكان الأحرى بتركيا أن تعمل على حل القضية الكردية بالداخل حيث إن هناك عشرين مليون مواطن كردي محروم من أبسط حقوقه القومية داخل تركيا».
وأما عن مسألة إقامة تركيا لقواعد عسكرية داخل الأراضي الكردية السورية، فقال كدو «نحن نرفض بشكل مطلق إقامة أي قواعد عسكرية داخل أراضينا، أما ما يقال حول إقامة المناطق الآمنة فنحن لا نمانع في ذلك؛ بشرط أن تكون تحت إشراف دولي وليس تحت إشراف تركيا».
وحول الحديث الذي يدور حاليا بشأن ترشيح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لقيادة المرحلة الانتقالية بسوريا، قال كدو «هذه المسألة تحتاج إلى مشاركة واسعة من أبناء الشعب السوري ومن الفعاليات السياسية.. وأعتقد أن المسألة لا تحل بوصول الشرع، فهو جزء من النظام الحالي ورافقه منذ أكثر من ثلاثة عقود. وعلينا ألا نأخذ الأمور بطابعها الطائفي، وأنه لأن الشرع سني فيجب أن يكون بديلا. في تقديري أن المسألة تحتاج إلى نقاشات معمقة، وهناك الآلاف من الشرفاء السوريين ممن هم قادرون على قيادة المرحلة الانتقالية، ولسنا بحاجة إلى بديل مثل الشرع الذي كان جزءا أساسيا من هذا النظام القمعي».
وعن العلاقة مع المجلس الوطني السوري ومستقبل الصراع في سوريا، قال كدو «نحن نحترم كل أطياف المعارضة في الداخل والخارج، لكننا لو كنا راضين عن أداء المجلس الوطني السوري لكنا اليوم جزءا منه.. لدينا ملاحظات كثيرة بشكل خاص حول الموقف السلبي من هذا المجلس تجاه القضية الكردية. من الممكن أن ننسق مع المعارضة وأن نقيم معهم تحالفات وجبهات، لكن الانضمام لم نناقشه في المجلس الوطني الكردي لأننا نريد أن نحافظ على شخصيتنا المميزة. أما ما يتعلق بالوضع المستقبلي فأنا أعتقد أن سوريا تتجه الآن نحو نفق مظلم، والأمور تأخذ طابع الحرب الأهلية في بعض المناطق، وهذا يشكل خطرا كبيرا على المستقبل. ونحن أبناء الشعب الكردي ندين هذه الحرب التي أخذت طابعا طائفيا، ونعتقد أنها ستكون مدمرة، لكن رغم هذه الصعوبات فنحن نأمل أن تنتصر الثورة ويتمكن الشعب السوري من الإتيان ببديل ديمقراطي علماني برلماني يتمتع في ظله الشعب والأقليات الأخرى بحقوقهم المشروعة».