عرابو مبادرة جنيف يحذرون من انتفاضة فلسطينية جديدة

نشطاء سلام إسرائيليون: السلام مع مرسي نصف سنة أفضل منه مع مبارك 30 سنة

TT

في الوقت الذي يشكك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وغيره من شخصيات القيادة اليمينية في إسرائيل في التغيرات في العالم العربي ويسمونها «خريفا أسود وليس ربيعا» بسبب فوز جماعة الإخوان المسلمين فيها - خرجت مجموعة من قادة اليسار الإسرائيلي بدعوة إلى اعتبار هذه التغيرات بمثابة فرصة قد تسفر عن نتائج إيجابية رائعة.

ففي مؤتمر جمع عددا من عرابي مبادرة جنيف، الإسرائيليين والفلسطينيين، في مدينة القدس، الليلة قبل الماضية، تحت عنوان «الربيع العربي وتأثيره على العملية السياسية»، صدرت دعوة إلى ضرورة تغيير الواقع الحالي وإقامة الجسور مع الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية. وحذر المتحدثون من أن استمرار الجمود في مفاوضات السلام في المرحلة المقبلة، سيفجر أخطارا كبيرة ويجدد الانتفاضة والعنف.

وقال البروفسور إيال زيسر، من جامعة تل أبيب، إن المنطقة شهدت «ربيعا عربيا» من قبل، وذلك في فترة الانقلابات في أواخر الأربعينات، وبداية الخمسينات من القرن الماضي، وكان محورها تأجيج الصراع مع إسرائيل، وعلى وجه الخصوص رفض الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط. وخلافا لما سبق، فإن الربيع العربي الراهن، لم يرتكز على نفس المحور، بل كانت إسرائيل على هامش القضايا التي شغلت الميدان العربي. وأشار زيسر إلى أن «الربيع العربي» الراهن هو في نظره فرصة كبيرة للسلام، وأن الاعتماد على سياسة الوضع القائم لا تلائم الفترة، بل يتعين على الزعماء، خاصة في إسرائيل، طرح المبادرات للحوار معها ومحاولة التأثير الإيجابي عليها.

وقال زيسر: «إن سلاما مع مرسي لمدة نصف سنة، كما هو حاصل اليوم، هو أفضل من سلام مع (الرئيس السابق حسني) مبارك لمدة ثلاثين عاما». وفسر قوله بالتأكيد أن كل خطوة يقوم بها مرسي، رجل الإخوان المسلمين في السابق، إزاء إسرائيل، لها صدى هائل لدى الجماهير.

ووافق على هذا الكلام الوزير الأسبق في الحكومة الإسرائيلية وأحد مهندسي اتفاقيات أوسلو، يوسي بيلين، وهو القائد الإسرائيلي لمبادرة جنيف، وقال إن الربيع العربي لم يقلص احتمالات السلام، بل خلق فرصا جديدة. وأضاف أنه عرف زعماء عربا صرحوا في لقاءات مغلقة معه ومع غيره من القادة الإسرائيليين بأن القضية الفلسطينية لا تهمهم كما يظهرون أمام الجماهير. وإن من يولي الاهتمام للقضية الفلسطينية في الحقيقة، ويتضامن مع الشعب الفلسطيني، هو الشعوب العربية بالأساس. وشدد بيلين في ذلك على أهمية الفترة الراهنة، بعد أن أصبحت مقاليد الحكم بأيدي الشعب، وعلى ضرورة أن يخاطب القادة الإسرائيليين الأمة العربية ويطلقوا المبادرات السلمية معها ويتجاوبوا مع المبادرة العربية للسلام، التي أطلقتها القمة العربية في بيروت سنة 2002 وتعتبر حدثا تاريخيا.

ونصح بيلين القيادة الإسرائيلية بالكف عن تجاهل المبادرة، وفتحها من جديد وقراءتها بإمعان والتجاوب معها. وقال: «هنالك مبادرة صدقت عليها الجامعة العربية بأسرها، وعلى إسرائيل اختبارها، ووضعها تحت المجهر لكي نتفقد مدى جديتها وواقعية تنفيذها ومدى استعداد الدول العربية لتطبيقها بالنسبة لتسوية نهائية مع إسرائيل».

وتحدث عدد من المشاركين الإسرائيليين عن الشعور بأن الشارع العربي يحمل مشاعر الكراهية والعداء لإسرائيل، وأن هنالك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الزعماء العرب في ذلك، واستغلالهم إسرائيل كورقة لصرف نظر الجماهير عن مشاكلهم الداخلية، واجتثاث غضب الشارع بواسطتها. ولكنهم أضافوا أنه رغم الكراهية، فإن الدول العربية تتجه نحو بناء دول ومجتمعات أقوى، وأن التسوية أصبحت ملحة أكثر من ذي قبل، لتحقيق هذا الهدف.

وبرز في الجانب الفلسطيني المتحدث أشرف عجرمي، وزير الأسرى السابق، والكاتب الصحافي، الذي نبه إلى أن الشارع الفلسطيني تسوده حالة من الإحباط الشديد. وقال إن الشباب في فلسطين ينظرون إلى محيطهم، ويرون شبابا مثلهم يثورون على حكامهم، ويعيدون لأنفسهم الكرامة والحقوق الأساسية، أما هم، فيعانون الفقر والذل، وليسوا قادرين على القيام بثورة حقيقية. ورجح عجرمي ألا تبقى الأوضاع جامدة، وأنها ستتحرك نحو انقلاب واحتجاجات ربما عنيفة، وبعد أن تجتاح الاحتجاجات المناطق الفلسطينية، ستنتشر وستصل إلى إسرائيل، وتتحول إلى ثورة ضد الاحتلال.

ونصح عجرمي القيادة الفلسطينية بالجلوس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واختبار الرجل بشكل فعلي. وتساءل: «لماذا لا تجلس القيادة الفلسطينية مع نتنياهو وتستمع لاقتراحاته؟ فحتى لو كانت اقتراحاته ضعيفة، يمكن حينها كشفها على الملأ». وأضاف أن «المحاولات الحالية عبر أروقة الأمم المتحدة تجعل من القيادة الفلسطينية سلطة ضعيفة، تمر في أزمة حقيقية، وهي عالقة بين رفض الدول العظمى لهذه الخطوات، وغضب الشارع إثر فشلها».

وبالنسبة لإسرائيل، قال عجرمي: «إن كلمة السحر هي حدود 1967. وإن تبناها الجانب الإسرائيلي، فيصبح هو الجانب الذي سيختبر جدية أقوال الجانب الفلسطيني». وفي مرحلة متقدمة، أضاف عجرمي: «ستجتاح الاحتجاجات قطاع غزة، حيث باتت حماس مكروهة جدا». وأوضح أن حماس تمارس القمع في القطاع، ولم تغير الوضع للأفضل، بل للأسوأ، رغم وعودها. وقال إن «الشعب لا يخرج إلى الشارع في غزة لأن حماس لا تسمح، وليس لأن الوضع جيد»، مضيفا أن حماس تفضل المصالحة في هذه الفترة على الانتخابات، لأنها فقدت شعبيتها.

يذكر أن «مبادرة جنيف» التي أطلقتها شخصيات فلسطينية وإسرائيلية بارزة من مختلف الأطياف السياسية والأمنية والاقتصادية والأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني، استنادا إلى اتفاق أوسلو 1993، والاتفاقات اللاحقة، ومفاوضات الوضع الدائم، بما في ذلك قمة كامب ديفيد لعام 2000، وأفكار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وتؤيد فكرة دولتين للشعبين على أساس حدود 1967 وإبقاء القدس مدينة موحدة تكون عاصمة للدولتين وحل قضية اللاجئين بالتعويض.