اتهم الشهود والسلطات أحمد أبو ختالة بأنه أحد أبرز المشاركين في هجوم 11 سبتمبر (أيلول) على القنصلية الأميركية هنا في بنغازي. ولكن بعد أيام من إعادة تأكيد الرئيس الأميركي أوباما على تعهده بتقديم المسؤولين عن هذا الهجوم للعدالة، أمضى أبو ختالة ساعتين عشية يوم الخميس حرا طليقا في فندق فخم مزدحم، يحتسي عصير الفراولة ضاربا عرض الحائط بالتهديدات القادمة من الحكومتين الأميركية والليبية.
ووصف أبو ختالة الجيش الوطني الليبي الحر بأنه «جبان كالدجاجة». ولدى سؤاله عمن يجب أن يضطلع بمهمة اعتقال من شنوا الهجوم على القنصلية، سخر من فكرة أن الحكومة الليبية الضعيفة يمكنها أن تنهض بمثل هذه المهمة. واتهم قادة الولايات المتحدة بـ«التلاعب بمشاعر الشعب الأميركي» و«استغلال الهجوم في جمع أصوات في الانتخابات الرئاسية».
ويقدم قول أبو ختالة إنه لم تقم أية سلطة باستجوابه بشأن الهجوم وإنه ليست لديه أي خطط للاختباء، رؤية بشأن المشهد الظلي للميليشيات التي تشكلت بنفسها، التي أتت لتصبح المصدر الوحيد للنظام الاجتماعي في ليبيا منذ سقوط العقيد معمر القذافي.
إن جماعات قليلة فقط، على غرار الجماعة المسلحة «أنصار الشريعة» ذات الصلة بأبو ختالة والتي يجمع المسؤولون في واشنطن وطرابلس على كونها وراء الهجوم، هي التي تبنت أيديولوجية متطرفة معادية للغرب ومطامح لتوسيع نطاقها لتصل إلى ليبيا. لكن الأمر المقلق للولايات المتحدة هو التهاون الواضح الذي تظهره ميليشيات أخرى متحالفة مع الحكومة، والتي قد رفضت حتى الآن اتخاذ أي إجراء ضد المشتبه بهم في هجوم بنغازي.
وعلى الرغم من أن أبو ختالة ذكر أنه لم يكن عضوا في تنظيم القاعدة، فإنه أعلن أنه فخر له أن يكون مرتبطا بتنظيم القاعدة. وقال إن الولايات المتحدة لديها سياستها الخارجية الخاصة التي تدفعها لإلقاء اللوم فيما يتعلق بهجمات 11 سبتمبر 2011 الإرهابية. تساءل أبو ختالة قائلا: «لماذا تحاول الولايات المتحدة دوما أن تفرض أيديولوجيتها على الجميع؟ لماذا تحاول دائما توظيف القوة في تنفيذ أجنداتها؟».
وأضاف أبو ختالة (41 عاما)، الذي بدا وهو يرتدي طربوشا أحمر وصندلا، رأيه الخاص. فعلى نحو يناقض روايات كثير من الشهود وأحدث رواية لإدارة أوباما، أكد أن الهجوم قد نشأ من مظاهرة سلمية ضد مقطع فيديو لفيلم مسيء للإسلام تم إنتاجه في الولايات المتحدة.
وذكر أيضا أن الحرس داخل مقر القنصلية – الليبيين أو الأميركيين، حيث لم يكن على يقين – أطلقوا النيران في البداية على المتظاهرين، مما أدى لاستفزازهم. وأكد، من دون تقديم أدلة، على أن منفذي الهجوم قد عثروا على أسلحة، من بينها متفجرات ومدافع محملة بكواتم الصوت، داخل مقر القنصلية الأميركية.
وعلى الرغم من أن دور أبو ختالة لا يزال غير واضح على وجه التحديد، فقد ذكر شهود أنهم أبصروه يوجه مقاتلين آخرين في تلك الليلة. وقد ميزه المسؤولون الليبيون، ويقول المسؤولون في واشنطن إنهم يعكفون على تحديد دوره في الهجوم.
إلا أن أبو ختالة أصر على أنه لم يكن جزءا من العنف الذي وقع في مبنى القنصلية الأميركية. وقال إنه قد وصل بمجرد بدء القصف وحاول تفادي الازدحام المروري حول المظاهرات. وقال إنه بعد فراره لفترة، دخل مبنى القنصلية في نهاية المعركة نظرا لأنه قد طلب منه المساعدة في إنقاذ الحراس الليبيين الذين يعملون لحساب الأميركيين الذين حبسوا بالداخل. وعلى الرغم من أن منفذي الهجوم قد أحرقوا المبنى الرئيسي، فقد ذكر أبو ختالة أنه لم يلاحظ احتراق أي شيء.
في الوقت نفسه، أعرب عن غياب واضح للندم بشأن الهجوم، الذي أسفر عن مصرع أربعة أميركيين، من بينهم السفير الأميركي جون كريستوفر ستيفنز. وقال: «لم أعرفه».
وقد رفض بشدة إدانة فكرة أن تدمير مبنى قنصلية دبلوماسية يمكن أن يمثل رد فعل مناسب لنشر مثل هذا الفيديو. وقال: «من منظور ديني، يصعب تحديد ما إذا كان فعلا صائبا أم لا».
وفي واشنطن، سخر عضو جمهوري بلجنة مجلس النواب التي تتولى التحقيق في الهجوم من رواية أبو ختالة. قال جاسون تشافيتز، الجمهوري عن ولاية يوتا: «يبدو فقط أمرا مشكوكا فيه أن تقول إنك كنت موجودا في موقع الهجوم ولم تشارك بدور». وأضاف: «كان السواد حالكا في الساعة العاشرة إلا الثلث ليلا».
وأكد أبو ختالة أن الولايات المتحدة كان لديها دوافع خفية لمساعدة الليبيين إبان الثورة، وأشار إلى أنها كانت تتدخل بالفعل في الدستور المخطط له لليبيا، على الرغم من أن البرلمان المنتخب مؤخرا لم يبدأ بعد في مناقشته.
وذكر أيضا أنه يرفض الديمقراطية بوصفها تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ووصف هؤلاء الذين يدعمون الدساتير العلمانية بـ«المرتدين»، مستخدما المصطلح الذي يوظفه الراديكاليون الإسلاميون في الإشارة إلى المسلمين الذين يقال إنهم قد خرجوا عن الملة بتعاونهم مع حكومات فاسدة.
وأشار إلى أن الإسلاميين على غرار هؤلاء المنضمين لعضوية جماعة الإخوان المسلمين ممن تقبلوا فكرة الانتخابات قد تبنوا «مزيجا» من أنظمة غربية وإسلامية. وأقر بأن معارضته للانتخابات كانت نقطة خلاف بين أتباعه وقادة الميليشيات الليبية الآخرين، الذين قام معظمهم بتأمين عملية التصويت واحتفي بها.
غير أنه قال: «تربطنا علاقة طيبة جدا بقادة أكبر الميليشيات في بنغازي» – التي تمثل القوة الأمنية الوحيدة بالنسبة للحكومة – منذ أيام قتالهم معا على الخطوط الأمامية أثناء الثورة ضد العقيد القذافي. حتى أنه ذكر اسم اثنين من كبار قادة تلك اللواءات، قال إنه شاهدهما خارج مقر القنصلية عشية الهجوم.
وقد أشار شهود عيان وسكان من بنغازي، فضلا عن تقارير إخبارية غربية، من بينها تقارير نشرت في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أبو ختالة بوصفه زعيم جماعة «أنصار الشريعة»، التي شوهدت شاحناتها ومقاتليها تهاجم القنصلية. وأثنى أبو قتالة على أفراد الجماعة بوصفهم «أشخاص طيبين أصحاب أهداف نبيلة، يسعون من خلالها لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية» وأكد على أن شبكة الدعم الشعبي تم الاستهانة بها بدرجة كبيرة من جانب قادة اللواءات الأخرى الذين قالوا إن الجماعة ضمت أقل من 200 مقاتل.
وقال: «الأمر يتعدى مجرد لواء. إنها حركة».
وأشار أبو ختالة إلى أنه كان مقربا من الجماعة، ولكنه لم يكن جزءا رسميا منها. قال إنه كان ما زال قائدا للواء إسلامي، هو لواء «أبو عبيدة بن الجراح». انضم بعض أعضائه إلى جماعة «أنصار الشريعة»، غير أن أبو ختالة أشار إلى أنه على الرغم من أن لواءه قد تم حله، فإنه ما زال بإمكانه إعادة تشكيله مجددا. وقال: «إذا كان الأفراد موجودين، فاللواء موجود أيضا».
أثناء الثورة، اتهم اللواء بقتل قائد رفيع المستوى انشق عن جيش النظام لينضم للثوار، وهو عبد الفتاح يونس. وأقر أبو ختالة بأن القائد قد توفي في مقر اللواء، ولكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
معظم الليبيين يدينون بالإسلام، وتعتبر المشروبات الكحولية محظورة، فيما يباح تعدد الزوجات، وغالبية النساء يرتدين الحجاب. لكنه قال إن كل هذه المظاهر تفتقر إلى مبادئ الشريعة الإسلامية الحقيقية.
* خدمة نيويورك تايمز ساهم سليمان علي زواي من طرابلس، بليبيا، ومايكل شميدت من واشنطن في كتابة التقرير.