عمليات قتل غامضة تعيق جهود التنمية في مناطق قروية بالهند

استقالات جماعية للمنتخبين في كشمير وأصابع الاتهام تذهب لأبعد من المسلحين الانفصاليين

محمد عبد الله لوني مع أفراد عائلته قرب منزله في كشمير. وكان لوني واحدا من زعماء المجالس المحلية الذين استقالوا إثر عمليتي قتل غامضتين في المنطقة
TT

في نفس اليوم الذي لقي فيه مصرعه، كان محمد شفيق تيلي يعمل على إنجاز نظام صرف صحي جديد، في إطار مجموعة من المشروعات غير الجذابة وقليلة الأهمية التي كان يفترض على المجلس المحلي للقرية أن ينجزها. وباستثناء هذا المشروع، لم تكن هناك أي حكومة محلية في قرى كشمير الهندية على مدار أكثر من ثلاثة عقود.

وفي العام الماضي، ورغم التهديدات بتنفيذ أعمال عنف، خرج مواطنو كشمير الريفيون بأعداد غفيرة ليدلوا بأصواتهم في انتخاب المجالس القروية، المعروفة باسم «غرام البانشايات»، فيما تحول لانتصار ساحق للديمقراطية الشعبية في أرض غارقة في الدماء. يتعين على شاغلي المناصب الجديدة في هذه المجالس، مثل السيد تيلي، العمل على بعض مشاريع التنمية التي تم إهمالها لفترة طويلة.

وفي يوم 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، وبينما كان في طريقه إلى المسجد لأداء صلاة المغرب، قتل تيلي رميا بالرصاص. جاء مقتل تيلي بعد أيام قليلة من ذبح أحد زعماء المجالس المحلية في قرية مجاورة. وبصورة غامضة، ظهرت بعض الملصقات في قرى مختلفة والتي حملت التهديد لأعضاء المجالس المحلية بالاستقالة. ونظرا لإحساسهم بالذعر، قام مئات من الأعضاء بإعلان استقالاتهم، بينما توقف الكثير من المجالس القروية عن العمل.

ربما يكون الهدف من وراء أعمال القتل تلك واضحا، حيث تملك هذه المنطقة من كشمير تاريخا طويلا من إراقة الدماء، لذا فهناك شخص ما يريد عرقلة عمل المجالس المحلية. ولكن من هو هذا الشخص؟ ولماذا يريد ذلك؟

يقول محمد ألطاف مالك، وهو زعيم إحدى القرى: «هناك بعض القوى التي لا تريد أن ترى المجالس المحلية تحقق أي نجاح. لقد زرعت انتخابات المجالس المحلية آمالا كبيرة في نفوس الناس، ولكن هذه الآمال تتلاشى الآن شيئا فشيئا».

تعد كشمير القضية العنيدة والمستعصية على الحل في جنوب آسيا، وهي منطقة تقطنها أغلبية مسلمة وتتمتع بسماء زرقاء وقمم مغطاة بالثلوج في جبال الهيمالايا، وشهدت في الماضي أعمال عنف دموية وما زالت منطقة متنازعا عليها بين باكستان والهند، رغم أن بعض المواطنين الكشميريين يتطلعون إلى الاستقلال التام عن الدولتين. ينتشر مئات الآلاف من قوات الجيش الهندي وغيرها من قوات الأمن في كشمير، التي شهدت مواجهات عنيفة بين الشباب الذين يحملون الحجارة والجنود على غرار ما وقع في صيف عام 2010.

في العام الماضي، وعقب استعادة الهدوء في كشمير، قامت حكومة الولاية بإجراء انتخابات المجالس المحلية. دعت الجماعات المسلحة إلى مقاطعة هذه الانتخابات، ولكن الإقبال على الانتخابات كان ساحقا، حيث بلغ 80%. وبعد فترة وجيزة، بدأ قادة المجالس المحلية المنتخبة، مثل تيلي، بإدارة مشروعات القرى، ولكنه لقي مصرعه في الشهر الماضي. وتقول بارفينا بيغوم، 35 عاما وهي شقيقة أرملة تيلي، بينما كانت تجلس على أرضية منزل العائلة إلى جانب أرملة تيلي وبنتين في سن المراهقة: «لم يتلق تيلي أي تهديد، ولم تكن لديه أي فكرة على أنه سيتعرض للقتل».

في البداية، اتهم زعماء الولاية الجماعات المسلحة بالمسؤولية عن عمليتي القتل. ولكن في مقابلة جرت في الأسبوع الماضي، أدلى عمر عبد الله، رئيس وزراء الولاية، بتصريحات تعتبر منعطفا جديدا في القضية، حيث أكد أن المحققين تمكنوا من تحديد هوية أحد المسلحين باعتباره مشتبها به في مقتل تيلي، لكنهم ما زالوا يحققون ما إن كانت دوافع ارتكابه الجريمة ترجع إلى وجود خصومات محلية وليست عملا إرهابيا.

تتواجد المجالس المحلية في كافة المناطق الهندية، ولكن غياب هذا النظام في كشمير يعني أن السلطة السياسية والتنفيذية تظل في أيدي مشرعي ومسؤولي الولاية. هزت المجالس المحلية هذه البنية السياسية، وبخاصة عندما بدأ زعماؤها المنتخبون في الشكوى من أن النظام القائم لا يقوم بنقل السلطة والأموال، مثلما يقتضي القانون. ويقول عبد الله: «ينبغي أن ندرك جيدا أننا لم يكن لدينا نظام مجالس محلية فعال في هذه المنطقة لأكثر من ثلاثة عقود، ولذا، نشأ جيل كامل من الزعماء السياسيين والإداريين من دون الحاجة إلى العمل مع هذه المجموعات من الممثلين المنتخبين. ومن الواضح أن هؤلاء الأشخاص لا يفضلون التعامل مع الممثلين المنتخبين».

وفي الوقت الذي يواصل فيه المحققون النظر في جرائم القتل، تظهر هناك الكثير من الاتهامات والنظريات المختلفة، حيث أدان الزعماء الكشميريون الانفصاليون عمليات القتل، مؤكدين أن احتمال تورط الجهات الرسمية لا ينبغي إغفاله. ويقول ميروايز عمر فاروق، وهو قائد انفصالي معتدل: «سوف يقول الجميع إن الميليشيات المسلحة هي التي قتلت هؤلاء الأشخاص، ولكنني أعتقد أن هناك الكثير من الأمور التي لا نعلمها حول هذه المسألة. لا يمكننا إغفال وجود الكثير من الوكالات التي تعمل على تحقيق أهداف متعارضة مع بعضها البعض».

في نوبورا جاجير، التي تقع على حافة جبال الهيمالايا، توقفت أعمال المجالس المحلية بشكل مفاجئ عقب مقتل تيلي. وقبل ذلك، كان المسؤولون المنتخبون - وكل القرويين العاديين وبعض الأميين - يعملون على تنفيذ بعض المشروعات المهملة، وبخاصة مد المزيد من أنابيب مياه الشرب للقرية. ويقول محمد عبد الله لوني، 40 عاما، الذي كان أحد زعماء المجالس المحلية المنتخبة قبل أن يقوم بنشر استقالته في الصحيفة المحلية: «يستفيد فقراء القرية بصورة كبيرة من وجود المجالس المحلية المنتخبة. لقد بدأنا في القيام بالكثير من الأعمال التنموية، ولكن كل شيء متوقف في الوقت الحالي، فنحن لا نعلم من قتلهم».

جرت أولى علميات القتل يوم 10 سبتمبر الماضي بالقرب من قرية بالهالان، وهي القرية التي لا يزال المسلحون ينشطون فيها، حيث كان الضحية هو غلام محمد ياتو، 59 عاما، والذي كان أحد زعماء المجالس المحلية. أدت هذه العملية إلى بث الخوف في نفوس زعماء المجالس المحلية الأخرى، الذين تقدموا باستقالات جماعية. وبعد مضي أقل من أسبوعين، تم قتل تيلي، وهو ما دفع بعض أعضاء المجالس المحلية الآخرين لتقديم استقالاتهم خشية أن يتحولوا إلى الهدف التالي لهذه العمليات.

تقول ديلشادا بيغوم، وهي زوجة لوني التي تبلغ من العمر 37 عاما: «أرجوكم أن تخبروا الناس أنه ليس لنا أي علاقة بهذه المجالس المحلية. أرجوكم أن تخبروهم بذلك، فأنا لدي ثمانية أبناء وزوجي هو المعيل الوحيد للأسرة. إذا حدث مكروه له، فماذا عساي أن أفعل؟».

تركزت أعمال القتل والاستقالات بصورة كبيرة في إحدى مناطق كشمير التي عانت لفترات طويلة من التطرف والعنف والوجود القمعي للجيش. وبشكل عام، تقدم ما يزيد عن 900 من أعضاء المجالس المحلية باستقالاتهم، سواء عن طريق نشرها في الصحف أو عمل إعلانات في المساجد. ويؤكد عمر عبد الله، رئيس وزراء الولاية، أن غالبية أعضاء المجالس المحلية في ولاية جامو وكشمير لا يزالون يمارسون أعمالهم. لا يزال عبد الله يأمل أن يقوم الكثير ممن تقدموا باستقالاتهم بتغيير رأيهم فور حل لعز أعمال القتل تلك، مشددا على أن الحكومة لم تقبل أيا من هذه الاستقالات. ويقول عبد الله: «الناس في هذه المناطق، وبخاصة الأماكن التي شهدت هجمات، يشعرون بالصدمة، ولكنني أعتقد أن أعضاء المجالس المحلية سوف يبدأون بممارسة مهام عملهم مجددا».

في الوقت الحالي، ورغم الخوف المستشري في نفوس الناس، يقول لوني، الذي تقدم باستقالته من منصبه كرئيس المجلس المحلي في نوبورا جاجير: «أبقى في منزلي أثناء الليل. الله وحده يعلم من يأتي ومن يقتل ومن يذهب».

* ساهم هاري كومار في كتابة هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»