لبنان في يوم الحداد: غليان كبير.. وتوترات تذكر باغتيال الحريري

مئات المسلحين يجوبون شوارع طرابلس.. ومهاجمة مقري حزبين مواليين لسوريا

معارضون للحكومة اللبنانية ينصبون خيمة وسط بيروت منددين بمقتل الحسن (أ.ب)
TT

منذ لحظة الإعلان عن اغتيال وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بسيارة مفخخة استهدفته في منطقة الأشرفية (شرق بيروت)، أول من أمس الجمعة، بدا بالنسبة للمواطنين كأن لبنان يدخل مرحلة جديدة تشبه في خطورتها تلك التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. فردود الفعل على اغتيال الحسن، الذي أعلن عنه بعد أربع ساعات من وقوع التفجير، جاءت سريعة وغاضبة، إذ قام شبان بقطع طرقات عدة في العاصمة بيروت ومختلف المناطق بالإطارات المشتعلة، وخرج مواطنون إلى الشوارع للتعبير عن سخطهم، كما بدا أن ثمة مناطق باتت تتحضر لتوترات أمنية محتملة.

محاولات فتح الطرقات يوم أمس بعد ليل طويل من الاحتجاجات، وتنظيفها من حاويات النفايات التي استخدمت بدورها لمنع مرور السيارات، لم تجد كبير نفع، خاصة أن يوم الحداد الوطني، رافقه توتر أمني وإعادة إغلاق للطرقات، سواء بالسواتر الترابية أو بالإطارات المشتعلة. وشمل قطع الطرقات أوتوسترادات رئيسية تربط العاصمة بمحيطها، كما قُطعت طرق أساسية في بيروت، وطريق شتورا ضهر البيدر، وشهدت عكار قطعا لطرق رئيسية وفرعية كثيرة، وهي المنطقة التي ينحدر منها مرافق وسام الحسن الذي قضى معه في الانفجار، أي المؤهل أحمد صهيوني، المولود في البيرة. وكان صهيوني يرافق الحسن بالسيارة بعد خروجه من بيته في الأشرفية.

وإذا بدت الحرارة الأمنية مرتفعة في كافة المناطق اللبنانية أمس، حيث سمع في العاصمة صوت رشقات رصاص قريبا من كورنيش المزرعة ومنطقة الكولا، فإن المناطق الشمالية بدت في حال غليان كبير، ليس فقط بسبب تعاطف غالبية من السكان مع تيار المستقبل الذي يعتبر الحسن جزءا منه، ولكن أيضا لأن الحسن من بلدة بتوراتيج الشمالية القريبة من طرابلس.

وبمجرد الإعلان عن مقتل الحسن مساء أول من أمس، تقطعت أوصال طرابلس بالإطارات المشتعلة، وبدأ ظهور مسلح كبير وغير مألوف لمجموعات مزودة بكلاشينكوفات، وأسلحة أخرى ليس للأهالي خبرة بأسمائها.

وإذا كان من تطور أمني بارز جدا يوم أمس، فهو أن الظهور المسلح في مدينة طرابلس وأحيائها لم يعد خجولا أو مموها، بل جابت دراجات نارية وسيارات حملت مسلحين يشهرون أسلحتهم بشكل استعراضي مقصود، شوارع العاصمة الثانية، وكان واضحا أن الأسلحة جديدة لا تشبه في شيء تلك المهترئة الصدئة التي كان يراها الأهالي بين أيدي الميليشيات أثناء الحرب الأهلية.

وبنتيجة التوترات، تمت مهاجمة مركز للتوحيد الإسلامي المحسوب على سوريا في منطقة أبي سمراء في طرابلس مساء أول من أمس، وقتل الشيخ عبد الرحمن الأسمر، مما زاد من حدة الغليان، وتم تشييع الشيخ عصر أمس، وسط ظهور مسلح واضح، ومخاوف من حدوث صدامات جديدة.

وحاولت مجموعة أخرى من المسلحين مهاجمة المركز القومي السوري الاجتماعي في منطقة الجميزات، وحال تدخل الجيش لإخلاء المركز دون حصول كارثة جديدة تضاف إلى المشهد. لكن المجموعات المسلحة المعادية للحزب القومي عادت لتحرق الإطارات في نهاية النهار حول المركز الذي يقع في منطقة سكنية ومحاطا بعمارات مأهولة بالسكان، في محاولة لتطويقه ومع إصرار على اقتحامه.

وقال أحد المسلحين الذين كانوا يجوبون الشوارع لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس: «إن مهاجمة حركة التوحيد الإسلامي في أبي سمراء كما مهاجمة الحزب القومي السوري الاجتماعي، هدفها تطهير طرابلس من أنصار حزب الله وتنظيفها عن بكرة أبيها». وقال الرجل وهو يحمل كلاشينكوفا يلمع كأنه خرج من علبته للتو: «لا مكان للخونة بيننا، لن نسمح لهم بالبقاء هنا لحظة واحدة».

ولم تنج منطقتا التبانة وجبل محسن في شمال طرابلس من التوترات، إذ شهدت المنطقتان ومحيطهما حوادث إطلاق نار وعمليات قنص أدت إلى سقوط ما لا يقل عن ثلاثة جرحى.

وكانت المناطق اللبنانية كما العاصمة بيروت، قد التزمت بيوم الحداد، وأغلقت غالبية المحال أبوابها، فيما اضطر من فتحوا محالهم للإغلاق سريعا إما تخوفا من تطور الأوضاع، أو تحت ضغط المسلحين وتهديداتهم، كما هو الحال في مدينتي طرابلس والميناء الشماليتين.

وعبر أهالي الأشرفية عن احتجاجهم وغضبهم منذ صباح أمس، وهم الذين دفعوا الثمن الأكثر فداحة لهذا الانفجار الإرهابي، حيث سقط، إضافة إلى الحسن ومرافقه، ستة قتلى من بين المارة أو من تصادف وجودهم في المكان، وما يقارب مائة جريح، واكتفى أهالي الأشرفية بمسيرة سلمية حملوا أثناءها الورود البيضاء حزنا على ضحاياهم.