النظام السوري يضع ذخيرة متفجرة في أسلحة يبيعها بالسوق السوداء للثوار

تنتشر هذه الطريقة بالأساس في ذخيرة البنادق العادية والآلية

أحد الثوار السوريين يستعمل المنجنيق الذي صنعه يدويا في مواجهة القوات النظامية في حلب (أ.ف.ب)
TT

لجأ النظام السوري، الذي يحاول احتواء الثورة التي تتوسع رقعتها بوتيرة سريعة، إلى خدع وألاعيب قذرة في ميدان المعركة الحديثة، ومنها إضافة مواد إلى الذخيرة التي يستخدمها المقاتلون بحيث تنفجر داخل الأسلحة لإصابة وقتل الثوار، وفي الوقت ذاته تدمر كثيرا من الأسلحة التي لم يحصلوا عليها بسهولة. يعد هذا التوجه، الذي يقول عنه الثوار إنه بدأ أوائل العام الحالي في سوريا، عنصرًا آخر يدخل ضمن محاولات النظام مقاومة المعارضة، إذ وجد الجيش النظامي السوري نفسه في مواجهة تحديات تمتد على طول البلاد وعرضها التي كان يمثل فيها قوة لا قبل لأحد بها فيما سبق. ويسيطر النظام على المجال الجوي ودكّ كثير من معاقل الثوار بالطائرات والمدفعية على مدى العام الحالي. مع ذلك لا يزال الثوار يقاومون بأسلحة خفيفة في أغلب الأحوال. ويتم توفير الذخيرة الفاسدة المزيفة كوسيلة ماكرة لتقويض ثقة الثوار في ما يحصلون عليه من ذخيرة، وكذلك تقليص عدد المقاتلين في صفوفهم.

ويقول غدير حموش، قائد إحدى المجموعات المقاتلة في محافظة إدلب: «عندما يفعلون ذلك، تخسر أنت الرجال والعتاد» مشيرا إلى علمه بخمس وقائع انفجرت خلالها أسلحة بسبب استخدام هذا النوع من الذخيرة. وتنتشر هذه الطريقة بالأساس في ذخيرة البنادق العادية والبنادق الآلية، لكن يمكن أن تستخدم أيضا في القذائف الصاروخية، وربما قذائف الهاون بحسب ما جاء في مقابلات مع بعض قادة الثوار في سوريا ومع كثير من المقاتلين فضلا عن فحص بنادق تم تدميرها، ومحتوى الخرطوش الزائف. تثير هذه الطريقة جدلا كبيرا نظرا لعدم شرعيتها. والمصدر الأساسي لهذا النوع من الذخيرة هو النظام السوري، الذي يخلط الحشوات المتفجرة بحشوات عادية ويبيعها في السوق السوداء التي يحصل الثوار على الأسلحة منها بحسب ما أوضح القادة.

وربما تكون بعض الذخيرة الفاسدة المتفجرة قد دخلت سوريا عن طريق العراق، التي وردت إليها وزارة الدفاع والاستخبارات المركزية الأميركية سرًا ذخيرة فاسدة مزيفة لتصل إلى أيدي الجماعات المتمردة على حد قول مسؤولين ومحاربين قدامى أميركيين. وضعت الولايات المتحدة برنامجا مشابها في أفغانستان كمحاولة لتقويض حركة طالبان. وزودت الولايات المتحدة الثوار السوريين بمساعدات غذائية ووسائل اتصال، لكنها رفضت تقديم أي نوع من الأسلحة إليهم.

تاريخ تصنيع معدات عسكرية فاسدة تنفجر في أوقات غير متوقعة وتوزيعها سرًا طويل، لكن لا يتم كثيرا تسجيلها في وثائق معلنة. واتبع كل من الجيش البريطاني والألماني هذه الطريقة في الحرب العالمية الثانية، وطورت الولايات المتحدة ذخيرة متفجرة تستخدم كحشو للبندقية الكلاشينكوف في الستينيات وسربتها إلى الجنود الفيتناميين في جنوب وشمال فيتنام.

وتشير إحدى الوثائق السرية الاستخباراتية العسكرية الأميركية التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الاتحاد السوفياتي كان يتبنى برنامجا مشابها في أفغانستان خلال فترة الثمانينات. وتعمل الحكومات جاهدة من أجل الإبقاء على سرية برامج التلاعب بالأسلحة، التي قد تكون غير شرعية، وكثيرا ما تزود القوات المعادية بذخيرة سليمة مخلوط بها ذخيرة مزيفة. ويمكن أن تعرض هذه الطريقة قوات صديقة للخطر، إذ من الممكن أن تتسبب في وقوع ضحايا أو تدمير أسلحة بين صفوف النظام أو أنظمة حليفة له مما يؤدي في النهاية إلى حساسيات سياسية وتقويض الروح المعنوية.

وقال نيكولاس مارش، زميل باحث في معهد أوسلو لأبحاث السلام، الذي يعنى بأمور الأسلحة وتهريبها، إنه لهذه الأسباب لا تحظى هذه الطريقة بانتشار واسع في الوقت الحالي، رغم وجود وقائع سابقة كثيرة. وأوضح قائلا: «مشكلة هذه الطريقة مثل مشكلة حقول الألغام، فالمرء لا يسعه التأكد من هوية ضحيتها ومن سيحاول استخدام هذه الذخيرة».

وصلت هذه الذخيرة المتفجرة في كثير من المرات في سوريا إلى الهدف المراد المتمثل في المقاتلين الذي يسعون إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. ويقدم محمد صالح حاج موسى، (36 عاما) في منطقة جبل الزاوية المرتفعة، مثالا حيًا على ذلك. لقد كان موسى ضمن مجموعة حاصرت نقطة تفتيش تابعة للنظام في نهاية الربيع الحالي وكانت تستعد للهجوم، وعندما أطلق موسى أول طلقة من سلاحه، حدث الانفجار بين يديه فأصابه. وقال موسى الذي تشوه وجهه وبترت يده اليمنى: «لقد كنت أظن أن قذيفة قد سقطت علي». وقضى أشهر قبل أن يتماثل للشفاء، لكنه عاد إلى القتال مجددًا بإصابته.

ويتحدث الأفراد السابقون في الجيش الأميركي والعمليات الخاصة الذين شاركوا في توزيع هذه الذخيرة في أفغانستان والعراق عن مجموعة متنوعة من الخطوات التي يتم اتخاذها لاحتواء وصول أخطر أشكال هذه الذخيرة الفاسدة المزيفة إلى المدنيين. وقالوا إنه في برامج وزارة الدفاع الأميركية يتم تعبئة بعض الحشوات بكمية صغيرة نسبيا من المتفجرات القوية، التي تكفي لإفساد سلاح ناري بشكل دائم. وتستخدم مثل هذه الحشوات في أسلحة من المحتمل أن تصل إلى أطراف غير مستهدفة، ويحدث ذلك على سبيل المثال عندما يتم إسقاط صندوق ذخيرة يحتوي على حشوات مزيفة من شاحنة نقل ليبدو الأمر وكأنه فُقد. وهناك حشوات أخرى تحتوي على مواد متفجرة مميتة، وتستخدم عندما يكون من المتوقع أن تظل الذخيرة في حدود ضيقة، مثلما يحدث عند وضع الحشوات المتفجرة داخل خزائن أسلحة عناصر مقاتلة من صفوف الأعداء بعد مقتلهم ليظن من يأخذها أنها مملوكة لرفيق له، فيأخذها ليستخدمها فيما بعد. شرعية هذه الطرق أمر غير مؤكد، حيث رفضت وزارة الدفاع الأميركية التعليق على برامجها الخاصة بالذخيرة المزيفة في أفغانستان والعراق. وذكر المقدم جيمس غريغوري، متحدث باسم وزارة الدفاع في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «للأسف لن نستطيع أن نقدم لكم أي معلومات تتعلق بهذا الأمر». ولم يفصح المسؤولون والقادة السابقون الذين تحدثوا عن الأمر عن أسمائهم نظرا لسرية الأمر. ولم يعرف بعد ما إذا كان النظام السوري وزع هذه الحشوات المتفجرة التي تختلف شدة انفجارها أم لا، لكن اتفق المحللون والمقاتلون على أن هذه البرامج تقل فاعليتها بمرور الوقت، نظرا للخبرة التي تكتسبها القوات المتمردة، التي تحول دون خداعهم. ويبدو أن هذا يحدث في سوريا. وفي الوقت الذي كان موسى يتماثل فيه للشفاء، لم يكتشف المقاتلون الحشوات الفاسدة المزيفة، لكن بات الثوار الآن يعرفون العلامات التي يحملها هذا النوع من الحشوات وباتوا قادرين على التمييز بينها. كان هذا واضحا في حالة المقاتلين الثوار في كفر تخريم في شمال البلاد، فعندما تم سؤالهم عن الذخيرة الفاسدة المزيفة، قدموا لنا حشوة مشتبه فيها عيار 7.62 × 39 ملليمتر وهي الذخيرة التي عادة ما تستخدم في حشو بنادق الكلاشنكوف. تشير الكتابة على مقدمة الذخيرة إلى أن تاريخ صناعتها هو 2006. ولم يكن مكان المنشأ واضحًا على الذخيرة. وقال محللو السلاح، الذين فحصوا صورة فوتوغرافية نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، إن الختم لا يُرى عادة على الذخيرة التي يتم تداولها خلال الصراعات. وقال أحدهم إنها إيرانية على ما يبدو، بينما رجح محلل آخر، هو نيك جينزين جونز من أستراليا، أن تكون سوريا.

وتم وضع مادة «بلون القرفة» مع حبيبات بيضاء داخل الحشوة بدلا من المادة الأصلية. وقال بوب غارفيت، استشاري متفجرات عسكرية، الذي قام بتوثيق انفجار حشوات سلاح في حروب سابقة، إن البارود المستخدم كان يشبه مادة الـ«تي إن تي» المتفجرة البيضاء التي ربما كانت مخلوطة بالسكر لزيادة قابليته للاشتعال. وقال قادة الثوار إن ضباط الجيش السوري الحر، الذين انشقوا عن الجيش النظامي، والمخبرين داخل النظام أخبروا الثوار بأن الجيش السوري كان يصنع حشوات سلاح مغشوشة، وإنه بدأ يوزعها بين صفوفهم منذ تسعة أشهر. وقال أبو عزب قائد إحدى المجموعات المقاتلة في الجبال: «لديهم متخصصون في هذه الأمور».

وقال المقاتلون أيضا إنه تم إمطار الأسواق السوداء بقذائف صاروخية فاسدة، تم إفراغ محتواها من المادة الفعالة ووضع بدلا منها مادة خاملة أو أخرى تنفجر عند استخدامها. كذلك قالوا إن بعض الحشوات الموجودة داخل قذائف الهاون أدت إلى مقتل فرق بشكل عنيف عندما تم وضعها في أنبوب أو ماسورة وهو شكل آخر من أشكال الحشوات الفاسدة المزيفة. وأشار أبو عزب، القائد في منطقة جبل الزاوية، إلى أن فعالية برنامج الأسلحة المغشوشة، الذي وضعه النظام السوري، أقل عما سبق وإن كان قابلا للتطوير. وقال: «لقد توقفنا عن شراء أسلحة من الأسواق، ونحصل الآن على ما نحتاجه من سلاح من خلال الاستحواذ عليه بأنفسنا، لكن لا يزال لدينا بعض الذخيرة التي اشتريناها منذ وقت طويل».

* خدمة نيويورك تايمز