مكة تفتقد نايف بن عبد العزيز في يوم العرض العسكري الكبير

الأمير الحازم.. الصادق السجية الذي غاب بعد 37 عاما من الاهتمام بالحج وأمنه

الأمير نايف محييا قوات أمن الحج العام المنصرم (تصوير: أحمد حشاد)
TT

افتقدت مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، يوم أمس تحديدا، الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز، وهو يستعرض قوات بلاده الباسلة في يوم العرض العسكري الكبير، وهو الذي لم يغب طوال 37 سنة تمثل فترة توليه حقيبة وزارة الداخلية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 1975 وحتى وفاته في 16 يونيو (حزيران) 2012، عن هذه المناسبة التي كان يوليها كل اهتمام، ثم يعقبها بجولة يطمئن فيها على راحة ضيوف الرحمن، وما أعدته الجهات المعنية في سبيلهم من خدمات صحية ووقائية وأمنية، وما توفره الحكومة من تسهيلات وخدمات في سبيل راحة حجاج بيت الله الحرام، ثم يعقب ذلك مؤتمر صحافي يعقده في مقر الوزارة بمكة المكرمة طالما أجاب فيه عن أسئلة الإعلاميين ووسائلهم المختلفة.

الأمير نايف.. شخصية أطلق عليها المراقبون وتد الحج، ووائد الفتنة في مهدها.. عقلية تقرأ الأمور بذكاء خارق. ما زادته السنين التي أشرف فيها شخصيا على الحج إلا ثباتا ومنهجا، فهو يعلو بهمم الرجال، ويطور منظومة الحج، ويدحر الأعمال التخريبية بكل أنماطها ودسائسها.

ما إن يقترن اسم الأمير نايف بن عبد العزيز بموسم أي حج، حتى ترتعد فرائص أهل الفتن في ظلامهم، فالأمير السعودي عرف عنه حزمه الشديد، وضربه بيد من حديد، على كل من يمس شعيرة المسلمين، التي يعتبرها ويعتبرها المسلمون شعيرة فوق كل شيء لا ينبغي المساس بها.

وصقل الأمير نايف بن عبد العزيز قوات السعودية في الحج، وعصرن كل مفاصلها، حتى باتت اليوم قوة مهيبة، جاهزة في كل لحظة لقطع أصابع المخربين في شعيرة الحج، ومن أرادوا بهذا البلد سوءا، فنقل أداء المنظومة وأدخل عليها أدوات التطوير ونياشين العز.

كان لصدق سجية الأمير نايف بن عبد العزيز أبرز الأثر في تحويل الخصوم إلى أصدقاء، والشتات إلى اجتماع، والتفرقة إلى لواء واحد، بحنكة قائد يرى أن القوة ليست كل شيء، لأن الحق أبلج، مطبقا الآية الكريمة «تعالوا إلى كلمة سواء».

ولأن الشمس لا تغطى بغربال، فقد عمد الأمير الراحل إلى معاملة المغرر بهم من السعوديين، وفق المنطق والعقل، والأبوة الحانية، بعيدا عن العنف، لأن السعودية قيادة وشعبا تضم أهل حق لم يعتدوا يوما على أحد، ولم يظلموا أحدا، بل إنهم وفق منظومة متكاملة، قيادة وشعبا، استنكروا التصرفات الإرهابية من بعض أبناء جلدتهم، لأنها تتعارض جملة وتفصيلا مع أخلاق المسلم الذي يمقت الإرهاب ويستنكره.

كان لحنكة الأمير نايف أبلغ الأثر في تحويل الخارجين عن القانون إلى أبناء مجتمع مشاركين وفاعلين، وصهرهم باللحمة الوطنية، وتفعيل دورهم نحو الخير وبناء المجتمعات، بدلا من هدمها، فأنشأت السعودية استنادا إلى توصيات الأمير نايف لجان المناصحة، وسخرت لها رجالا أكفاء وصلوا الليل بالنهار، وبالكلمة الحق، لمحاربة الأفكار التكفيرية والعدائية للمجتمع.

وطالما أكد الأمير الراحل أن العواقب مؤلمة، والإساءة مريرة، حينما خرجت الفئة الضالة عن تعاليم العقيدة الإسلامية، وقتلت الأبرياء، وانتهكت حرمات المسلمين وغير المسلمين، ودمرت أموالهم وممتلكاتهم ظلما وعدوانا، إساءة إلى هذا الدين، على النحو الذي يفوق ما كان يحلم به أعداء الدين ومخالفوه، كل ذلك حينما انحرف الاعتقاد لدى الفئة الضالة ممن ينتمون للإسلام، والإسلام منهم براء.

وليس تناقضا ولا من باب الازدواجية أن ترى شخصية الأمير نايف بن عبد العزيز حاضرة في كل تفاصيل الحج، فهي شخصية تجمع شمائل متعددة، فالأمير السعودي وقف على الدوام سدا منيعا تجاه كل محاولات الإرهاب والتخريب في الداخل السعودي، فهو الأمير الذي يحمل في داخله شخصية إنسانية بالغة المدى.

عرف عن الأمير نايف بن عبد العزيز أنه شخصية إنسانية تعمل خلف وسائل الإعلام، وبعيدة عن عدسات المصورين، فهو يعتقد ويؤمن أن أعمال الخير يجب ألا تتراءى للأعين، وتشهد عليها الصحف الورقية، وشاشات التلفزة، فقد عرف بأنه يعطي بسخاء، لكنه لا يحب أن تكون تلك الصدقات والمساعدات في العلن.

بيد أنه ترك خلفا يقود دفة الركب، بكل عزم وإصرار، وتذليل للصعاب، ودفع للهمم، وارتقاء بأمن البلاد، وخدمة لضيوف الرحمن.. إنه رفيقه في الوزارة الأمير أحمد بن عبد العزيز، نائبه في المهام منذ عام 1975، وحتى تعيينه وزيرا للداخلية خلفا للأمير الراحل.