وزير شؤون البرلمان المصري: التراشق بين موسى والشيخ برهامي مفيد للجميع

محسوب: لـ «الشرق الأوسط»: مواد الدستور ستحسم بطريق التوافق وليس بطريق التصويت

د. محمد محسوب
TT

بينما تظاهر الألوف من أنصار الدولة المدنية في جمعة «مصر مش عزبة.. مصر لكل المصريين»، في قلب ميدان التحرير احتجاجا على مشروع الدستور الجديد، الذي تعكف على كتابته جمعية من مائة عضو أغلبيتهم من تيار الإسلام السياسي، كان في نفس اليوم في العاصمة البريطانية لندن وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية ورئيس لجنة الصياغة بالجمعية التأسيسية للدستور دكتور محمد محسوب يؤكد أن التظاهر حق مكفول لجميع فئات المجتمع، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن المليونيات ظاهرة صحية بدءا من جمعة «كشف الحساب» الأسبوع الماضي، ثم جمعة «مصر لكل المصريين». وقال الدكتور محسوب هذه ليست ضغوطا على التأسيسية بل ازدهار في العمل السياسي المصري، لأن الدولة المصرية والقوى السياسية لم تتعود على أسلوب الاحتجاج في العمل السياسي، وكل ما يحدث من اختلاف في وجهات النظر سواء في التأسيسية أو خارجها أمر حسن جدا، لأنه يوسع قاعدة كل طرف، والذي يذهب إلى ميدان التحرير يوسع قاعدته ومؤيديه، مؤكدا على وجهة نظره التي يلتزم بها، وربما يدفع هذا الطرف الآخر إلى الحفاظ على مؤيديه فيحدث التظاهر في تلك المليونيات، وبالتالي تكون فرصة لإصلاح ما فاته من لغة خطاب ومقترحات، وأعتقد أن مصر تسير سيرا حسنا في الاتجاه والتطور الديمقراطي السليم. وعندما نقول إن القوى السياسية تتنافس في الشارع فهو أمر منطقي تماما، والغريب أن لا تتنافس، والغريب أنها كانت تتناحر عندما كان هناك مجلس عسكري حاكم، ولكن اليوم هناك رئيس دولة منتخب شرعيا، ونحن مقبلون بعد الدستور على انتخابات، والمسمى المنطقي أن يكون هناك تحالفات وتجاذبات واختلافات، أي أن يكون هناك آراء مختلفة متباينة واحتجاجات في الشارع، وهكذا.

وأوضح دكتور محسوب أنه تم الانتهاء من مرحلتي «تراشق الأفكار» و«ترتيب الأفكار»، وبدأت مرحلة استطلاع الرأي الأخيرة يوم الأحد الماضي 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وشدد على أن المسودة الأولية الحالية - التي تتكون من 226 مادة موزعة على 5 أبواب - «ما زالت قابلة للنقاش والتعديل».

وقال دكتور محسوب ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول مزاعم سيطرة الإسلاميين من إخوان وسلفيين على الجمعية التأسيسية، بالقول: «لا توجد سيطرة فصيل على آخر داخل التأسيسية، وهناك نسب متساوية، ويجلس المرشح الرئاسي السابق السيد عمرو موسى بجانب الشيخ الدكتور ياسر برهامي يوميا في حالة حوار وتجاذب ونقاش لا ينقطع من أجل مصلحة دستور الوطن المرتقب، ولقد شاركت في تشكيل الجمعية التأسيسية، وأنا مقتنع أنه لا يوجد أحد قادر بمفرده على حسم أي موضوع، بسبب أن الجمعية قائمة في الأساس على التصويت ليس في غرف مغلقة، أي أن النقاش حول مواد الدستور الـ231 في ظل زخم شعبي، أي أن المواطنين منتبهون في التلفزيونات والمقاهي والمنازل لما يدور من نقاش داخل التأسيسية، أي أن الجميع يتشارك في هذه العملية، أي أنه لو كان هناك فصيل له أغلبية بصوت أو صوتين، هل يستطيع مواجهة المعارضين في الجمعية وكذلك في الشارع؟ أي أن مواد الدستور ستحسم بطريق التوافق وليس بطريق التصويت».

وأضاف، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» على هامش لقائه بأبناء الجالية المصرية في بريطانيا، أنه كي تستقر الأوضاع في مصر «لا بد أن تتقبل القوى السياسية المتعددة كل منها الآخر، وتبتعد عن نهج استبعاد الآخرين أو شطبهم». وحدد القوى السياسية التي يعنيها بأربع: «التيارات الإسلامية، والليبرالية، والقومية، واليسارية».

وأوضح الوزير المصري أن الوضع الاقتصادي في مصر أصبح متدهورا إلى حد كبير، وأرجع ذلك إلى السياسات الاقتصادية غير المبنية على رؤى واضحة التي مارستها النظم السياسية قبل قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير. وأشار الدكتور محسوب إلى الفساد الذي ساد البلاد في الحقبة الماضية، وقال إن سياسة الخصخصة التي مارستها بعض الحكومات السابقة شابتها عمليات «سمسرة» وبيعت بعض الأصول بأبخس الأسعار.

إلا أن الدكتور محسوب بدا متفائلا فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، وأكد أن الحكومة الحالية تدرس حاليا مشاريع ستنعش من وضع البلاد الاقتصادي، معطيا الأولوية لمشروع تطوير قناة السويس وتحويلها إلى منطقة حرة على غرار هونغ كونغ ودبي، بل يمكن أن تفوقهما على حد قوله. وتطرق الوزير إلى الجهود المبذولة لإعادة الأموال المنهوبة من الخارج، واصفا مسألة إعادة هذه الأموال بالصعبة وأنها تحتاج إلى صبر.

وأوضح دكتور محسوب أن الجمعية التأسيسية التي تضطلع بمهمة وضع الدستور الجديد هي الثانية من نوعها في مصر، بعد تلك التي وضعت دستور فبراير (شباط) عام 1882، الذي ألغي بعد الاحتلال البريطاني لمصر.

وأشار إلى أنها تتبنى نظام «العمل المفتوح»، بإشراك متخصصين من خارج عضوية الجمعية، واستطلاع آراء جهات ورموز وطنية وسياسية وممثلين للرأي العام، لتحقيق الحد الأدنى من التوافق.

وأشار إلى أن مشروع الدستور الجديد: «يستحدث حقوقًا جديدة، مثل الحياة الآمنة، والمياه النقية ومياه النيل، والموارد الطبيعية. باعتبار المواطن شريكًا فيها، إضافة إلى أنه، للمرة الأولى في تاريخ مصر، يلزم الدولة بالتعويض عن أخطاء القضاء».

وقال إن هناك ما يتراوح بين 5 - 10 موضوعات ما زالت تحتاج إلى نقاش، لم يتحدث أحد حتى الآن، عن بنية السلطة التنفيذية، اللهم إلا في نص واحد، يتعلق بسلطة رئيس الجمهورية في حل البرلمان. وبالنسبة للسلطة التشريعية لم يتحدث أحد إلا عن أسباب الإبقاء على مجلس الشيوخ، وأسباب ثماثل سلطاته مع مجلس النواب».

وأشار دكتور محسوب إلى بعض الإنجازات التي حققتها الحكومة الحالية، موضحا أن الدولة أخذت على عاتقها ضرورة وضع حد أدنى لرواتب العاملين، وهو ما ساعد على رفع المعاناة عن عدد غير قليل من أفراد الشعب المصري. واعترف الوزير ببعض المشاكل التي واجهت المواطنين في الآونة الأخيرة مثل أزمة السولار وانقطاع الكهرباء، موضحا أن هذه المشاكل بدأت تنفرج تدريجيا.

وأشار الوزير المصري إلى أن الحكومة الحالية بدأت تسعى لجلب الاستثمارات الخارجية، مشيرا إلى أن الوضع الأمني في البلاد لن يقف حائلا أمام جلب هذه الاستثمارات، وأن دولا كثيرة تشهد اضطرابات أمنية وإضرابات، ومع ذلك فإن عجلة الاستثمار لم تتوقف، ضاربا المثل بجنوب أفريقيا.

ورد الوزير محسوب على كثير من استفسارات المصريين في بريطانيا. ونفى أن تكون هناك مواد بها إطالة في الدستور إلا لسبب يستلزم الإطالة لتوصيف الضمانات للمواطن. وقال إن هناك 3 معايير في قراءة هذه المسودة باعتبارها مسودة أولية لم يراع فيها التنسيق بشكل نهائي، وربما يعاد تعديل وترتيب بعض المواد بحكم الترتيب المنطقي ومطروحة للنقاش داخل الجمعية التأسيسية والحوار المجتمعي ولا ينتهي النقاش فيها إلا بعد اللقاء الثاني على أرضية هذه المسودة.

وأوضح أنه لم يتم تجاهل أي حزب سياسي أو فصيل في هذا الحوار المجتمعي فقد عقد لقاء استتبعه اجتماع آخر لباقي الأحزاب التي لم تشارك، وتحدث عن تلاقح الأفكار والتجاذب بين الأخذ والرد بين الدكتور عمرو موسى رئيس حزب المؤتمر المصري المرشح الرئاسي السابق والشيخ الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، أثناء عمل التأسيسية، مشيرا إلى أن هذا النوع من النقاش مفيد جدا قبل الاستقرار النهائي على 231 مادة من مواد التأسيسية.

وأشار إلى أن أغلب ما تم إنجازه جاء متعلقًا بالحقوق والحريات العامة، والسلطة القضائية، مضيفا: «للمرة الأولى يقر الدستور بأن الجنسية حق لا يجوز للدولة أن تسقطها عن أي مواطن، لأنه اكتسب الجنسية من علاقته بالأرض المصرية، ولم يعطها له أحد».

وأكد أن «المصريين في الخارج هم امتداد للشعب المصري في الداخل، وجزء من القوة الناعمة للدولة المصرية. فهم لم يهاجروا طوعًا، ولكل منهم أسبابه في ذلك، ولم ينقطعوا عن وطنهم أبدًا»، مشيرا إلى أن الدستور الجديد يعطي للمصريين في الخارج الحق في التمثيل وتنظيم دوائر انتخابية لهم».

وقبل وصول الدكتور محسوب كان الحديث لا ينقطع بين أعضاء الجالية المصرية عن أوضاع المصريين في الخارج في الدستور الجديد، وموقف مزدوجي الجنسية في مسودة الدستور، وهو ما أكد عليه الدكتور عصام عبد الصمد رئيس اتحاد المصريين في أوروبا ونائبه المهندس جمال عبد المعبود في كلمتيهما أول من أمس.

وقال رئيس اتحاد المصريين في أوروبا دكتور عبد الصمد إن هذا اللقاء يأتي بعد انتهاء كتابة مسودة الدستور كبداية للعديد من المناقشات التي تجمع أفراد الشعب المصري في الداخل، وكذلك في الخارج، حول مسودة الدستور الجديد، مشيرا إلى أن أعداد المصريين في الخارج تتخطى الـ10 ملايين مواطن، أي نحو عدد ثلاث محافظات مصرية، وتطرق عبد الصمد إلى مادة «المصريون متساوون في الحقوق والواجبات»، أي لا فرق بين مصري في لندن وآخر يعيش في كفر الشيخ من جهة الحقوق والواجبات، ثم المادة 26 التي تعطي المصريين الحق في الترشح والانتخاب، ثم حق الهجرة والتنقل مكفول لجميع المواطنين، وركز عبد الصمد على المادة 3 التي تشترط للترشح لرئاسة الجمهورية أن يكون المرشح مصريا من أبوين مصريين غير متعدد الجنسية، وألا يكون متزوجا من غير مصرية، ثم نظام الحكم والسلطات.

وأضاف عبد الصمد أن المسودة الأولى لمشروع الدستور الجديد تم طرحها للنقاش بعد انتهاء صياغتها في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بعد أن لاقت العديد من الانتقادات والمخاوف حول المواد الخاصة بنظام الحكم وتفعيل مكتسبات المرأة وحقوق الأقليات وحرية المعتقد وحقوق المغتربين وغيرها من القضايا الشائكة التي تشغل بال المجتمع المصري في الخارج كما هو الحال في الداخل.

وقال الدكتور محسوب عضو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ووزير الشؤون القانونية ومجلسي الشعب والشورى: «إن مصر لم تشهد نظام الجمعية الوطنية التأسيسية سوى مرتين فقط، الأولى عام 1882، من كبار ملاك الأراضي والمثقفين، وألغي عشية الاحتلال البريطاني لمصر، وهذه المرة، حيث انتخبت الجمعية الحالية على درجتين، من خلال اجتماع مشترك لمجلسي الشعب والشورى، وانسحب بعدها 3 أحزاب، والجمعية تجمع كل القوة السياسية في مصر، باستثناء بعضها التي قاطعتها، ومع ذلك الجمعية لا تمثل التوافق النموذجي بل المعقول الذي قدرنا عليه، وثبت أن هناك خلافات شديدة بين بعض القوى السياسية من هنا وهناك بسبب تراكم الـ30 عاما السابقة، وبعدها حل البرلمان بقرار يوم 14 يونيو (حزيران) الماضي، بحكم المحكمة الدستورية العليا الشهير، ودعيت الجمعية التأسيسية للانعقاد يوم 18 من نفس الشهر في مجلس لشورى، وكنت شخصيا أحد أعضائها، وكان هناك حديث عن جمعيات مغلقة وأخرى مفتوحة، ففي إيطاليا عام 1946 حبسوا أعضاء الجمعية في قصر، وكانوا يضعون الطعام لهم من خلف الأبواب من أجل إنجاز مشروع الدستور، أي ليس لهم أي اتصال بالمجتمع، وكان لديهم الشيوعيون واليمين واليسار، ووصلوا بعد تلاكم وإصابات بين الأعضاء إلى دستور 1946 القائم حتى اليوم، وهناك جمعيات أخرى مثل الجمعيات المفتوحة التي يمكن أن تضم إليها أعضاء من الخارج مثلما حدث في جنوب أفريقيا، أي يمكن أن تضم إليها أعضاء من الخارج، أي في اللائحة أربع لجان نوعية وأخرى لمراجعة أحكام الدستور أي تضع الصياغة، ولجنة أخرى للتواصل مع المجتمع، أي تنقل اقتراحات المجتمع إلى داخل الجمعية، ولجنة الصياغة مكونة من 19 عضوا منهم 6 من الخارج، و4 من مجالس محددة مثل مجلس الدولة و10 أعضاء من الجمعية، وانضم إليهم أعضاء آخرون، مثل أساتذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع، وأنشأت الجمعية بعدها لجنة أخرى اسمها لجنة الخبراء والاستشاريين، انضم إليهم فيها خبراء القانون والفقه الدستوري مثل الدكاترة أحمد كمال أبو المجد وسعد الشرقاوي وثروت بدوي ومجدي الحلو وشخصيات من الأدباء مثل علاء الأسواني وغيرهم، وعندما خرجت المسودة الأولى أرسلت إلى الجهات المختصة والقانونيين والجامعات والخبراء والمختصين لإبداء الرأي، لتقديم اقتراحات فيما يخص عمل المسودة الأولى، أي أن الدستور في نهاية المطاف من المفترض أن يكون واجهة المجتمع بألوان طيفه المختلفة وليس واجهة الإسلاميين أو الليبراليين أو اليساريين أو غيرهم».