مساعي مرسي لإرضاء «كل الأطراف» تزيد خصومه

في رغبة منه لأن يكون رئيس كل المصريين

TT

يجد الرئيس المصري محمد مرسي نفسه مضطرا للاعتذار كثيرا هذه الأيام. ففي غابة التناقضات التي يحفل بها المشهد السياسي في مصر بعد نحو عامين من الثورة، لا مجال لإرضاء «كل الأطراف»، لكن مرسي الذي جاء من خلفية إسلامية محملا بتاريخ صراعات جماعة الإخوان المسلمين، باعتباره واحدا من قياداتها، يطرح نفسه كرئيس لكل المصريين، وهي المعادلة التي يعتبرها مراقبون في غير صالحه، وتُفقده مزيدا من الحلفاء.

ففي مسجد افتتحه في محافظة مطروح أقصى غرب البلاد، أول من أمس، اعتذر الرئيس مرسي عن التشديد الأمني الذي رافقه، فالرجل الذي فتح صدره في ميدان التحرير قائلا «أنا لا أرتدي قميصا واقيا من الرصاص» بعد أيام من إعلان فوزه في الانتخابات منتصف العام الحالي، تحاصره الجماهير التي تنتظر منه الوفاء بوعود قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية.

وبينما كان السلفيون في مرسى مطروح يحاصرون مرسي للتعبير عن غضبهم من تمسك الحكومة بمشروع إنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء في منطقة الضبعة، كان الرئيس يلزم نفسه بإنشاء 5 محطات نووية، دون أن ينسى التعهد أيضا بتعويض سكان المدينة الساحلية مرة أخرى، وقد علق البدء في المشروع بإجراء مزيد من الدراسات، التي كانت قد بدأت فعليا قبل نحو 40 عاما، وانتهت إلى أن منطقة الضبعة هي الأصلح لبناء المفاعل النووي.

وفي غضون ذلك، كانت العاصمة المصرية القاهرة تشهد أكبر مظاهرة في ميدان التحرير ضد مرسي، منذ توليه السلطة، وتطالبه بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة دستور جديد للبلاد، وهو الأمر الذي وعد به الرئيس عشية إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.

ويقول الناشط السياسي محمد الزيات إن «الرئيس مرسي خاض منافسة شرسة على منصب الرئاسة ضد الفريق أحمد شفيق (آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك) وخلال المنافسة كان مرسي يحاول مضطرا توحيد صفوف الثوار خلفه، وهو ما كان يعني أن يقطع العهود للقوى المدنية من الليبراليين واليساريين، وأيضا يلتزم أمام قوى الإسلام السياسي الأكثر تشددا من الإخوان».

وبينما كان نائب الرئيس مرسي يعتذر لجموع القضاة عن سوء الفهم الذي تسبب فيه الإعلان عن إقصاء النائب العام قبل أسبوع، أعرب مرسي عن رفضه المساس بقيادات الجيش، بعد نشر صحيفة قومية أخبارا عن قرب منع بعضهم من السفر خارج البلاد، وهو ما أثار استياء القوات المسلحة.

وبعد ساعات من هذه الواقعة التي أطاحت برئيس تحرير الصحيفة المملوكة للدولة، بدا أن مرسي مجبر على تأكيد حرصه على التواصل مع رئيس المجلس العسكري السابق المشير حسين طنطاوي ورئيس أركانه سامي عنان، اللذين أحيلا للتقاعد بقرار مفاجئ منه الشهر قبل الماضي، وهو ما يعرضه لانتقادات الثوار الذين يحملون قادة الجيش وعلى رأسهم طنطاوي وعنان مسؤولية أحداث العنف من جانب قوات الأمن خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام مبارك.

الأزمات التي تلاحق مرسي لا تقتصر على الشأن الداخلي فقط، بل تلاحق سياساته الخارجية منذ زيارته المثيرة للجدل إلى إيران، وحتى خطابه الغريب الذي أرسله إلى الرئيس الإسرائيلي. فقبل يومين كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتداول فيما يشبه الجنون خطاب اعتماد السفير المصري لدى إسرائيل، وهو الخطاب الذي حفل بعبارات ودية من نوع «صديقي العظيم شيمعون بيريس.. وصديقك الوفي محمد مرسي».

ويبدو أن الرئاسة سعت لصرف الانتباه عن حادثة «خطاب السفير» بعد أن تزايد الهجوم عليها حتى من حلفائها، وأعلنت عن فحوى اتصال هاتفي استعرض خلاله مرسي جهود إعادة إعمار قطاع غزة مع رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية، لكن عاصفة من التعليقات كانت في انتظار مرسي، وكان فحواها سؤال ساخر هو: «وماذا عن إعادة إعمار مصر الشقيقة؟».

وتجلت أزمة الرئيس مرسي الذي يسعى لإرضاء الجميع، كما يقول المراقبون، عبر طاقمه الاستشاري الذي جاء غير متجانس، الأمر الذي تسبب في سلسلة من التصريحات التي عكست مواقف متضاربة، وكانت مدعاة لإطلالات المتحدث الرسمي باسم الرئاسة للاعتذار أو التوضيح حتى بات يسمى في أوساط النخب المصرية «النافي الرسمي لرئاسة الجمهورية».