حكومة ميقاتي تئن تحت ضغوط المعارضة وتتنفس من رئة الدعم الأوروبي

مصادر عربية: حكومة التكنوقراط قد تكون الحل > جنبلاط يخشى «المصائب» التي قد تجرها استقالة الحكومة

TT

اتسم المشهد اللبناني، أمس، بكثير من الفوضى، الناجمة عن تداعيات اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن، بتفجير أودى به و8 آخرين، وجرح أكثر من 100 شخص في منطقة الأشرفية، شرق بيروت، أول من أمس.

وقد حسمت قوى «14 آذار» أمرها بالدعوة إلى رحيل الحكومة نجيب ميقاتي، محملة إياه «نتائج الموقف الذي ارتضاه لنفسه»، أي قبوله بترؤس حكومة تراها المعارضة أداة بيد حزب الله المتحالف مع النظام السوري الذي قدمته قوى المعارضة على أنه «المتهم الأول» في جريمة الاغتيال، دون أن تغفل توجيه التلميحات نحو حلفاء هذا النظام في لبنان، وفي مقدمهم حزب الله.

أما الخارج، فكان أكثر رأفة بميقاتي الذي اعتكف عن ممارسة مهامة كرئيس لمجلس الوزراء، مؤخرا استقالته إلى ما بعد «تشاور» رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع أقطاب الحوار، إذ خرج أكثر من موقف دولي يحذر من تداعيات هذه الاستقالة و«الفراغ» الذي قد تتركه إذا ما حصلت، فاختار ميقاتي الحل الوسط بإعلان نيته الاستقالة من دون تنفيذها بانتظار «المشاورات».

وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط» إن الأولى بميقاتي أن يستقيل تحت وطأة هذه الجريمة المروعة، مشيرة إلى أن حكومة تكنوقراط قد تكون الحل الأنسب لهذا الواقع، بما يرفع عن لبنان مخاطر كبيرة.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اتصالات عاجلة جرت بين دبلوماسيين عرب وأجانب لمناقشة تداعيات الاغتيال واحتمالات استقالة الحكومة. وقد سارع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى إرسال رسالة إلى الرئيس اللبناني تتضمن دعوة للبنان إلى «رص الصفوف وعدم الوقوع بفخ الفتنة وتجنب الفراغ السياسي ومتابعة الحكومة مهامها»، في رسالة نقلها السفير الفرنسي باتريس باولي لرئيس الجمهورية. أما السفير البريطاني طوم فليتشر، فقد سارع بدوره لزيارة سليمان مؤكدا أن «المجتمع الدولي سيساعد لبنان على تجاوز هذه المحنة ومنع الانقسام».

ويأتي هذا «القلق» الدولي نتيجة طبيعية لمعرفة المجتمع الدولي باستحالة تشكيل حكومة ثانية في حال سقوط الحكومة الحالية. فالنائب وليد جنبلاط الذي يقف في منتصف الطريق بين فريقي 14 آذار و8 آذار ليس في وارد التخلي عن ميقاتي، بالإضافة إلى خوفه من «المصائب التي قد تجرها هذه الاستقالة».

وقالت مصادر قريبة منه لـ«الشرق الأوسط» إن «الكلام العالي جميل، لكن الواقعية تقول بضرورة عدم جر لبنان إلى التهلكة التي يريد بشار الأسد جرنا إليها».

وفي ظل التوازن القائم بين الفريقين «الآذاريين» يشكل النائب جنبلاط ونوابه كتلة مرجحة، وهو، على الرغم من وقوفه العاطفي مع قوى «14 آذار»، التي لمح إلى نيته العودة إليها بقوله أول من أمس إنه ابتعد عنها مؤقتا، ليس بوارد القبول بحكومة من لون واحد تشكلها قوى «14 آذار»، مفضلا الاستمرار في دعم ميقاتي لتشكيل نوع من التوازن الذي يرى فيه «حماية للبنان». غير أن وقوف جنبلاط على الحياد لا يبدو مستساغا من المعارضة، كما الأكثرية، وقد وجه إليه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أمس رسالة في هذا الشأن عندما دعا «بعض من هم أصحاب كرامة وعزّة في هذه الحكومة، وبالأخص وزراء (التقدمي الاشتراكي)، إلى الاستقالة فورا، تحملا للمسؤولية، ولعدم الاستمرار في تغطية واقع مجرم سفاح، أصاب البارحة مقتلا في البلد، ويهدد بالأعظم بعد في حال الاستمرار بتغطيته».

ودعا جعجع الحكومة الحالية إلى الاستقالة فورا، «لأن علة وجودها الوحيدة حصرا، وبادعاء فرقائها بالذات، وهي تأمين الاستقرار، قد انتفت كليا، مع اغتيال اللواء وسام الحسن وكل محاولات الاغتيال والأحداث الأمنية التي سبقتها». وطلب من المجتمع العربي والدولي تحمل مسؤولياته تجاه الشعب اللبناني وحقه في السيادة والاستقرار برفع الغطاء عن هذه الحكومة التي فقدت مبرر وجودها، مشددا على ضرورة «تعليق كل الاتفاقات الأمنية والعسكرية والقضائية مع سوريا، وطرد السفير السوري في لبنان فورا، والمطالبة بتطبيق القرار 1701 كاملا عبر نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية - السورية». واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور المقرب من جنبلاط أن «من قتل رفيق الحريري، وقبله كمال جنبلاط، هو نفسه من قتل وسام الحسن، الذي لم يحم اللبنانيين فقط، إنما حمى من كان يكرهه وضده في السياسة».

وقال بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع وزيري جبهة «النضال الوطني» غازي العريضي وعلاء الدين ترو، إن «من يدمر سوريا اليوم هو نفسه يريد تدمير لبنان»، فيما أعلن وزير التنمية الإدارية محمد فنيش (حزب الله) أن «استقالة الحكومة ليست حلا، إنما تفاقم المشكلة وتدخل البلد في متاهات نحن في غنى عنها، والأمر في حاجة إلى تبصر وتضامن واستخدام العقل بكل ما لدينا من طاقة»، معتبرا أن «الاتهامات للحكومة انفعالية وسياسية». وفي الإطار نفسه، دعت قيادة الجيش اللبناني جميع اللبنانيين إلى «التعالي على الجراح، وتفويت الفرصة على الذين يريدون إشعال الفتنة»، مؤكدة أنها ستتابع حتى النهاية قضية الشهيد وجميع الشهداء والجرحى الذين سقطوا معه، وجاء في بيان أصدرته: «على أثر شيوع خبر استشهاد رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن، نتيجة الانفجار الإرهابي الذي تعرض له موكبه في منطقة الأشرفية وسقوط عدد كبير من المواطنين بين شهيد وجريح، حصلت حركة احتجاجات واسعة في مختلف المناطق اللبنانية، ترافقت مع ظهور مسلح وتوتر أمني في أماكن متعددة».

وأضاف: «إن قيادة الجيش إذ تتوجه إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وعائلة الشهيد وأصدقائه وذوي جميع الشهداء والجرحى بأعمق مشاعر التضامن والمواساة، وتعرب عن استنكارها الشديد لهذا العمل الإرهابي الجبان، تعتبر أن العميد الحسن هو شهيد الجيش والمؤسسات الأمنية وكل لبنان، وتلفت نظر اللبنانيين كافة، إلى أن الشهيد قد كرس حياته في سبيل الوطن، وبذل روحه الطاهرة على مذبحه، ليبقى واحدا سيدا حرا مستقلا».

ودعت القيادة جميع اللبنانيين إلى «الالتزام بمبادئ الشهيد، وإلى الصبر والتعالي على الجراح والتضامن فيما بينهم لتفويت الفرصة على القتلة المجرمين الذين سعوا من خلال جريمتهم النكراء هذه، إلى إشعال نار الفتنة وتفتيت وحدة الوطن»، مؤكدة أنها ستتابع حتى النهاية قضية الشهيد وجميع الشهداء والجرحى الذين سقطوا معه، ولن تدخر وسيلة أو جهدا في سبيل إلقاء القبض على الجنــــاة وتقديمهــــم إلـــى العدالة.