سكان الضاحية متخوفون من فتنة سنية ـ شيعية بعد اغتيال الحسن

قالوا لـ «الشرق الأوسط» إن «تجربة السنيورة» أيام اعتصامهم «علمت الآخرين الصلابة»

أنصار 14 آذار يحملون ميقاتي ونصر الله مسؤولية اغتيال وسام الحسن خلال تشييع الأخير في بيروت أمس (رويترز)
TT

يخيم الوجوم على سكان ضاحية بيروت الجنوبية، ويتشاركون القلق من المستقبل، بعد اغتيال اللواء وسام الحسن. الكلمة الوحيدة التي تتردد بين هؤلاء، هي «الله يستر»، إذ يتخوفون من أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وتحديدا إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، حيث «خرب البلد».

لا يفصل سكان هذه المنطقة التي تعتبر الخزان البشري لحزب الله، تاريخ 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، عن تاريخ 14 فبراير (شباط) 2005.

يقول سائق سيارة أجرة يقيم في منطقة الليلكي إن «هول الانفجار وتصريحات السياسية تذكرنا بما حدث عقب اغتيال الحريري». وبنبرة لا تخلو من القلق، يتوقع انقساما عموديا آخر بين الشيعة والسنة، يزيد الفجوة بينهما: «تصريحات بعض السياسيين والمسؤولين، تصب الزيت على النار»، ويتساءل: «كيف يحمل الشيخ أحمد الأسير مسؤولية التفجير لحزب الله بعد دقائق من حدوثه، في حين لم تصدر بعد أي معلومة من التحقيقات؟».

هذا القلق يجده سكان الضاحية الجنوبية مبررا، إذ تنعكس تداعيات اتهام حزب الله باغتيال الحسن، مباشرة عليهم. أمس، كانت الضاحية تعج بساكنيها، خلافا لأيام العطلة الأسبوعية الأخرى، ذلك أن معظمهم التزم منزله ولم يتوجه إلى قريته، خوفا من تطورات أمنية تحدث على الطريق المؤدي إلى الجنوب والبقاع. يقول علي كركي، المتحدر من قرية خربة سلم الجنوبية: «اعتدت قضاء يوم العطلة في القرية، لكن هذا الأسبوع تخوفت من أن ينقطع الطريق عند منطقة الناعمة (جنوب بيروت) أو على مدخل مدينة صيدا». ويردف قائلا: «الاحتراز واجب، خصوصا بعدما كان يقطع الطريق في السنوات الأخيرة عند كل حدث أمني».

وينسحب هذا الواقع على سكان الضاحية المتحدرين من البقاع. وسام حيدر (44 عاما)، التزم منزله يوم أمس، ولم يزر والده العجوز في إحدى قرى بعلبك. يقول: «أينما تلبدت الغيوم، ستمطر علينا.. ولست بوارد المخاطرة بالمرور في سعدنايل وقرى أخرى تُقطع فيها الطرقات، ويظهر فيها شبان غاضبون، لذلك لم أتحرك». ويشير إلى «الغضب»، بدليل سماع أصوات طلقات نارية تتردد من ناحية بيروت، خلال تشييع الحسن.

مخاوف أهل الضاحية، إذن، تنقسم إلى شقين. الشق الأمني المتعلق باتصالهم بقراهم البعيدة، والشق السياسي المرتبط بالإيحاء من بعض المسؤولين بأن حزب الله مسؤول عن التفجير، إلى جانب النظام السوري. والثاني، بحسب السكان، «أكثر خطرا علينا». يقول حسن مغنية (51 عاما) إن «اتهاما من هذا القبيل، من شأنه أن يعمق الهوة بين السنة والشيعة، ويقود إلى فتنة كبيرة لا تُحمد عقباها».

في هذا الوقت، يشاركه رفيقه، الذي كان يشتري القهوة من بائع جوال في منطقة بئر العبد، الهاجس نفسه. ويقول: «هذا هو المطلوب في هذه المرحلة، فقد اغتالوا الحسن لأجل إشعال الفتنة السنية - الشيعية».

وبينما يكتفي حزب الله، حتى تشييع الحسن، بموقف الإدانة والاستنكار، يعيش أهل الضاحية قلقا على مستقبل سكان المنطقة، والاختلاط مع الطوائف الأخرى. يقول شاب ثلاثيني في منطقة بئر العبد: «يُراد من الفتنة جعل الشيعة منبوذين، فقد دفع بعضنا ثمن الاتهام السياسي في السابق بالاعتداء عليه وطرده من وظيفته في بيروت، واليوم يريدون تكريس ذلك».

وسط هذه الهواجس، يعبر السكان عن قناعتهم بأن إسرائيل مسؤولة عن اغتيال الحسن. يقول علي إسماعيل (32 عاما) إن «إسرائيل تسعى للفتنة في هذا البلد، وهي تعلم أن اغتيال شخصية من هذا الحجم، من شأنها أن تغير واقع لبنان رأسا على عقب، وتزيد أحقاد اللبنانيين على سوريا».

وبين التحليل والاتهام، يتساءل أكثر من شخص، ردا على اتهام الشيخ الأسير لنصر الله باغتيال الحسن: «ما هي مصلحة حزب الله في اغتياله؟»، مشيرين إلى أن «استشهاد الحسن يعد خسارة وطنية للبنان، كونه كشف عن عدد كبير من خلايا التجسس لصالح إسرائيل».

ويعرب هؤلاء عن اعتقادهم بأن إسرائيل «ثأرت منه لكشفه عملاء يعملون لصالحها».

ينشغل سكان هذه المنطقة التي خرجت من دمار «حرب تموز»، بتداعيات اغتيال الحسن، من غير النظر في خيار استقالة الحكومة التي تطالب بها قوى 14 آذار، من عدمه. وعند أي سؤال يتوجه إلى شخص في أحد شوارع الضاحية، يتحول الجميع إلى محلل سياسي.

يقول شاب عشريني يدرس التصميم الغرافيتي في إحدى جامعات بيروت: «(رئيس الحكومة) نجيب ميقاتي رجل صلب، بما يتخطى شخصية الرئيس عمر كرامي (استقال بعد اغتيال الرئيس الحريري) الذي كان يتعاطى مع الأمور بعاطفية. لا أعتقد أنه سيستقيل»، مشيرا إلى أن «تجربة (رئيس الحكومة الأسبق) فؤاد السنيورة، علمت الآخرين دروسا في الصلابة»، في إشارة إلى صموده نحو 19 شهرا بوجه الاعتصام المفتوح، الذي أقيم في ساحة رياض الصلح لمطالبته بالرحيل.

وبينما كان مناصرو قوى 14 آذار يشاركون بتشييع الحسن في ساحة الشهداء، كان سكان الضاحية يتابعون الحدث على الشاشات لحظة بلحظة. يستشف من يجول بين هؤلاء أن الحسن له احترام كرجل دولة يتمتع بعقل أمني واسع دفعه لاكتشاف عملاء إسرائيل، لكن «الخوف من غضب المشيعين، يمنعنا من المشاركة، خصوصا بعد ورود أنباء لوسائل الإعلام بأن بعض أنصار تيار المستقبل يسألون عن بطاقات هوية المارين». شائعات أجبرت هؤلاء على عدم الخروج من أحيائهم، لكن لا يمكن القول إن الحياة هنا كانت طبيعية. الجميع حذر، ويترقب ما ستؤول إليه الأمور. ويعلق الجميع على الحدث بعبارة «الله يستر»!