حزب «الفجر الذهبي» المتطرف يبزغ في أثينا ويتصدى للمهاجرين

ملصقات تحمل شعارهم المفضل «أخرجوا ذوي الرائحة الكريهة من اليونان»

مؤيدو الحزب نهبوا مركز اتصالات مملوكا لأحد المهاجرين (واشنطن بوست)
TT

يبدو المتجر، الذي يقع في شارع عادي في هذه العاصمة التي تعمها الفوضى، للوهلة الأولى مكانا عسكريا يمتلئ بالملابس العسكرية والبزات المموهة وملابس الصيد. وتظهر الرسائل السياسية كلما تعمقنا في الشارع، حيث تباع قمصان رياضية سوداء عليها صلبان معقوفة معدلة ترمز لحزب «الفجر الذهبي» اليميني المتطرف. وكانت تُعرض أيضا بفخر واعتزاز ملصقات تحمل الشعار المفضل للحزب وهو «أخرجوا ذوي الرائحة الكريهة من اليونان».

ويقصد الحزب، الذي فاز بمقاعد في البرلمان للمرة الأولى منذ تأسيسه خلال الربيع الحالي وازدادت شعبيته منذ ذلك الحين، بـ«ذوي الرائحة الكريهة» المهاجرين، وهم الذين من أصول غير يونانية. في دولة تعد مركز أزمة الديون الأوروبية ويرتفع فيها معدل الفقر والبطالة بشكل كبير، تزداد متاجر بيع المنتجات الفائضة من الجيش ضمن عدد كبير من «مراكز المساعدة» الجديدة. وتأتي مئات المكالمات يوميا من أسر محبطة تبحث عن المأكل والملبس والمأوى والعمل، وهو ما يحاول الحزب تقديمه، لكن لليونانيين فقط. لتنفيذ وعده المتمثل في يونان لليونانيين فقط، يبدو أن الحزب مستعد للمضي إلى آخر مدى. وتشير أصابع الاتهام لمؤيدي الحزب، الذين تعاونوا مع الشرطة في بعض الحالات، بالضلوع في أعمال عنف منذ وصول الحزب إلى البرلمان، من بينها طعن وضرب مهاجرين، ونهب مركز اتصالات مملوك لأحد المهاجرين، وتحطيم منصات بيع في السوق، وتهشيم واجهات متاجر أصحابها من المهاجرين. ولم تقتصر الهجمات على الأجانب، فقد صفع أحد نواب البرلمان المنتمين إلى الحزب سياسية يسارية على تلفزيون الدولة. وحاول مؤيدو الحزب وقف عروض المسرح التقدمي. ويرى نشطاء أن للحزب يدا في ثلاث وقائع تعرض فيها رجال مثليون للضرب.

وبدأ حزب «الفجر الذهبي» الاشتباك مع مجموعات يسارية في معارك شوارع، مما يوضح وجود انشقاق في المجتمع يخشى البعض هنا من تصاعده إلى حرب أهلية إذا تم طرد اليونان من منطقة اليورو واشتدت الأزمة بحسب مراقبين. ومع ذلك يرى النقاد أن المؤشرات على تقديم الحزب نفسه كبديل للنظام الحالي في بلد تعرقله سياسة التقشف الشديد المفروضة من قبل المقرضين الدوليين هي الأمر الأكثر إثارة للقلق. لقد أسس الحزب بنك دم «نقي» لا يقدم ولا يتسلم تبرعات الدم إلا من اليونانيين فقط في دولة يبلغ تعداد سكانها 11 مليونا، 1.5 مليون منهم من اللاجئين والمهاجرين، وأكثرهم من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا. وفي ظل سعي الحزب إلى السيطرة على معدل البطالة المرتفع في البلاد، يقول مسؤولوه إنهم أقنعوا سلسلة مطاعم كبيرة بطرد المهاجرين وتعيين عاملين يونانيين بدلا منهم. ويستطيع أصحاب المنازل أن يطلبوا من الحزب مساعدتهم في إخلاء شققهم من المهاجرين. ولا يفرز حزب «الفجر الذهبي» مفتشي صحة حكوميين ومحامين متعاطفين مع أهدافه، بل أيضا أفراد أمن في شكل أتباع يرتدون زيا أسود ويقصون شعرهم مثل رجال الجيش ويؤدون التحية لبعضهم البعض برفع قبضة أيديهم. ونفى إلياس باناجيوتاروس، بصفته أحد نواب البرلمان الجدد عن حزب «الفجر الذهبي»، تورط الحزب في ارتكاب هجمات منظمة. ومع ذلك أضاف أن اليونانيين الأصليين لديهم الحق في حماية أنفسهم وممتلكاتهم من كل أعمال العنف غير القانونية. وقال «خلال فترات الحروب العصيبة أو الأزمات الاقتصادية مثلما هو الحال الآن، هناك أشخاص عليهم القيام بالمهمة الصعبة والمهمة القذرة. ونحن من سيقوم بذلك».

وفي ظل خفض الإنفاق الحكومي في الدول الأوروبية التي تعاني من أزمة ديون كبيرة مقابل الحصول على إنقاذ مالي من الاتحاد الأوروبي، يحذر المراقبون من تمزق النسيج المجتمعي في بعض البلدان. وفي الوقت الذي تخفض فيه حكومات البلاد الإنفاق، يتحمل العجائز وذوو الاحتياجات الخاصة القدر الأكبر من المعاناة بسبب خفض معاشاتهم والمساعدات المقدمة إليهم.

ويخسر العاملون وظائفهم أو يتم خفض رواتبهم بدرجة كبيرة. وتتم زيادة الضرائب المفروضة على المواطنين في ظل حالة ركود عميقة. وأججت الأزمة دعوات انفصال إقليم كتالونيا والإقليم الناطق بالألمانية في بلجيكا، مما ينذر بانقسام كل من إسبانيا وبلجيكا، لكن لا يوجد مكان يتعمق فيه أثر الأزمة مثل اليونان، حيث أدى خفض الإنفاق الحكومي، الذي يعد هو الأكبر، إلى مشهد قاتم. ولا يجد واحد من بين كل أربعة يونانيين عملا، وتجاوز معدل البطالة 50 في المائة، ومعدل الانتحار في تزايد. كذلك ازدادت صعوبة الحصول على علاج للسرطان والأمراض الأخرى، ويرتفع معدل الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) بحسب دراسة نشرت في دورية «لانسيت» الطبية.

ويمثل الانهيار الاقتصادي تربة خصبة لنشاط الحزب الذي أنشأ في الثمانينات وانتشر على أيدي شخصيات يونانية من دعاة القومية بمن فيهم أشخاص حاربوا ضد الصرب في دول البلقان وتربطهم علاقة بالنظام الاستبدادي العسكري السابق في اليونان. وفاز الحزب خلال شهر مايو (أيار) بأول خمسة مقاعد له في البرلمان منذ تأسيسه، بالحصول على 7 في المائة من الأصوات. وأوضح استطلاع رأي حديث أن 22 في المائة من اليونانيين يفضلون الحزب. وتتنامى شعبية الأحزاب الداعية للقومية ومناهضة المهاجرين في مختلف أنحاء أوروبا، لكن يضع المراقبون حزب «الفجر الذهبي» في وضع فريد. ونشرت المجلة الناطقة باسم الحزب، برئاسة نيكولاوس مشلولياكوس، الضابط السابق في القوات الخاصة، عام 1987 عددا لتمجيد هتلر باعتباره «رجل القرن العشرين العظيم». وفي زيارة مؤخرا لمساعدة الفرع، كان هناك ملصق يعلن عن بطولة برلين للرايخ الثالث عام 1936 معلق على الجدار. وفي دولة لا تزال ذكريات الأعمال الوحشية التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية حية بها، أوضحت استطلاعات الرأي أن أغلب اليونانيين الذين يدعمون حزب «الفجر الذهبي» يقومون بذلك فقط لأنه مناهض للمهاجرين ويرفضون باقي أفكاره المتطرفة إلى حد كبير.

مع ذلك تزداد الأنشطة التي يمارسها الحزب عنفا، حيث يقول فاسيليكي جورجيادو، أكاديمي درس الحركة «إنهم يتحدثون عن عمليات تطهير عرقي. إنهم سيحاولون تطهير كل الأحياء والبلدات وكل مناطق البلاد بالعنف إذا ما استدعى الأمر».

وعبر وزير العدل اليوناني، أنطونيس روباكيوتيس، عن قلقه من علاقة الحزب بالشرطة والجيش. وهناك اتهامات بتعاون الشرطة مع الحزب في حملة توقيف وتفتيش جديدة على مستوى البلاد تستهدف المهاجرين غير الشرعيين. ويزعم نشطاء تواطؤ قطاعات من الشرطة مع الحزب في تنفيذ هجمات ضد المهاجرين، الذين يتزايد عددهم بمعدل اثنين أو ثلاثة أسبوعيا بحسب التقديرات الحكومية. وكانت هناك محاولات محدودة للتحقيق مع الحزب بما في ذلك رفع الحصانة عن نائبين عن الحزب في البرلمان تم تسجيل مقطع مصور لهما وهما يتحرشان بسوق للمهاجرين. مع ذلك يقول المنتقدون إن الحكومة ترددت في التصدي بشكل أكبر للانتهاكات التي يزعم أن الحزب يرتكبها. وبدلا من حظر الحزب، كما يقترح البعض، قال روباكويتيس إن أفضل حل هو تحسين الظروف الاجتماعية في اليونان من أجل إضعاف الحزب. وأوضح قائلا «لقد حاربت اليونان الفاشيين في الحرب العالمية الثانية، وانتهى الحال بآلاف اليهود في المحرقة، ونحن الآن في مواجهة هذا الخطر مرة أخرى». وأضاف لاحقا «سبب هذا هو الظروف الصعبة التي اضطرت اليونان إلى عيشها. يستفيد المتطرفون من هذا الوضع». مع ذلك يحمّل روباكويتيس وآخرون مسؤولية ما يحدث أيضا لتدفق المهاجرين بكثافة من الشرق الأوسط وآسيا، حيث يستخدمون اليونان كبوابة خلفية لدخول دول الاتحاد الأوروبي، ويكون ذلك من خلال تركيا. ويزداد الوضع سوءا بسبب السياسات الأوروبية التي تتيح لدول الاتحاد الأوروبي ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى البلد الذي دخلوا عبره إلى دول الاتحاد والذي عادة ما يكون اليونان. نتيجة لذلك 40 في المائة من نزلاء سجون اليونان من غير اليونانيين. ومنذ بزوغ نجم حزب العصر الذهبي العام الحالي، يتحدث المهاجرون في أنحاء اليونان عن الوضع كأنه عهد الإرهاب. على سبيل المثال بدأ المهاجرون الذين يعيشون في حي ميدان أميركا الذي أغلبه من اليونانيين تنظيم دوريات مراقبة ليلية بعد نهب واجهات متاجر وتعرض مهاجرين لهجمات. ويقول السكان إن مجموعة من اليونانيين، الذين يرتدون ثيابا مخططة بالأسود، أهانوا سيدة إثيوبية بداية الشهر الحالي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»