تشييع الحسن يتطور إلى اشتباكات.. و«المستقبل» يرفض أي حوار قبل رحيل الحكومة

متظاهرون حاولوا اقتحام السراي الحكومي.. وميقاتي يحمل السنيورة مسؤولية «التحريض»

متظاهرون يحاولون اقتحام مقر الحكومة بينما واجهتهم قوات الأمن بالغازات المسيلة للدموع في بيروت أمس (رويترز)
TT

عاش لبنان يوما جديدا من التوتر الأمني والسياسي، تخللته محاولة لاقتحام السراي الحكومة من قبل جمهور غاضب شارك في تشييع رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن الذي قضى في تفجير استهدف موكبه في محلة الأشرفية يوم الجمعة الماضي. وقد أثارت هذه المحاولة الكثير من ردود الفعل الداخلية، تصدرها رفض الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري لهذا الأسلوب، عارضا تقديم رجال أمنه لحماية السراي الحكومي.

غير أن هذا التبرير لم يقنع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي حمل رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة مباشرة مسؤولية «محاولة اقتحام السراي الكبير وما نتج عنه من تداعيات، مع ما يعني ذلك من استهداف لمؤسسة مجلس الوزراء وما ترمز إليه وطنيا وسياسيا وشعبيا». وفي حين يغادر ميقاتي اليوم إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، معطيا نفسه إجازة طويلة بعيدا عن التأزم الداخلي، يبدأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان اليوم مشاورات مع القيادات اللبنانية لاستشفاف إمكانية تأليف حكومة وحدة وطنية، غير أن مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن سقف ثوابت المعارضة هو استقالة الحكومة قبل بحث أي أمر آخر. وقالت المصادر إن كتلة «المستقبل» لن تقاطع مشاورات الرئيس سليمان، لكنها سترفض بحث أي أمر قبل رحيل هذه الحكومة، مشيرة إلى أن نواب الكتلة لن يحضروا أيا من الجلسات النيابية التي ستعقد في حضور الحكومة. ونفت المصادر أي علاقة بما جرى أمام السراي، مشيرة إلى أن بعض المتحمسين أقدموا على ذلك من دون قرار، فنحن دعاة التحرك السلمي وسنحافظ على سلمية حركتنا، فبعيد انتهاء كلمة رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة في تشييع الحسن، بدأت الدعوات تتصاعد من قبل بعض الناشطين للتوجه إلى السراي لـ«إنهاء ميقاتي سياسيا» كما قال الإعلامي نديم قطيش متوجها للجماهير بالقول إن «من يريد أن يدفن الحسن ويذهب إلى بيته فهو حر، ومن يريد أن يقف في وجه ما يجري فليذهب إلى السراي».

وبالفعل توجه عدد كبير من المشاركين في التشييع نحو مقر رئاسة الحكومة القريب هاتفين بضرورة رحيل ميقاتي، وحمل بعضهم أعلام تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» والثورة السورية، فتخطوا حواجز قوى الأمن الواحد تلو الآخر حتى وصلوا أمام بوابة السراي، فتصدت لهم القوى الأمنية بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، وجرت مناوشات بين المتظاهرين وحرس السراي أصيب خلالها نحو 6 من المتظاهرين بحالات إغماء، في حين أفيد بإصابة شرطي جراء رمي المتظاهرين الحجارة باتجاه عناصر الشرطة.

ومع احتدام الأمور، تدخل الجيش اللبناني الذي انتشر بكثافة من دون أن يتعرض له المتظاهرون الذين تراجعوا شيئا فشيئا إلى منطقة قريبة من ساحة رياض الصلح القريبة، حيث نصبت خيام استعدادا لإقامة طويلة، وبدأوا اعتصاما أكدوا أنه لن ينتهي قبل رحيل الحكومة.

وفور بدء الاشتباكات، توجه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الجميع في كلمة ألقاها عبر الهاتف من مقر إقامته خارج لبنان إلى فك أي حركة في الشارع والذهاب إلى منازلهم، مشيرا إلى أن «تكريم العميد الشهيد وسام الحسن ليس بما يحصل في بيروت، ونحن طلاب سلام لا عنف ونريد إسقاط الحكومة بسلام». واعتبر أن «هذه الجريمة كبيرة جدا ونحن لا نريد العنف ونريد أن يبقى لبنان سالما وبلد الحرية والديمقراطية»، مطالبا «جميع مناصرينا بأن ينسحبوا»، معلنا أنه رجال أمن بيت الوسط لحماية السراي الحكومي.

وبدوره، رفض رئيس كتلة «المستقبل»، الرئيس فؤاد السنيورة، محاولة «بعض المتظاهرين الدخول إلى السراي باستعمال العنف»، موضحا تقديره «للعواطف التي يبديها المواطنون». وأكد السنيورة، في تصريح أعقب الاشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن الداخلي، أنه «أمر غير مقبول ولا يتسم بأي صفة من الصفات التي نحبذها». وقال: «ليس من شيمنا أن نقتحم السراي الحكومي»، مؤكدا أن تيار «المستقبل» ملتزم بما قاله أمام ضريح الشهيد الرئيس رفيق الحريري، فإن «أي عمل آخر مثل هذا لا يعبر عنا على الإطلاق». وشدد على ضرورة أن يكون الموقف «حازما» حيال إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إذ «لا تراجع عنه»، معتبرا أن «أي عمل عنفي لدخول السراي أو أي مؤسسة أخرى، لا يخدم هذا الغرض»، مطالبا الجميع بـ«العودة إلى رشده».

وبدوره، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع جمهور قوى 14 آذار «إلى البقاء مستعدين ومواصلة التحرك الجدي الفعلي للوصول هذه المرة إلى الخلاص وللخروج من مسلسل تشييع الشهداء باعتبار أنه لم يعد مقبولا أن نبقى بين تشييع وتشييع، فكونوا جاهزين لنضال لا يتوقف ولا يستكين حتى إعادة تركيب السلطة بشكل توفر لنا جميعا الطمأنينة والأمان والاستقرار، وللبنان العزة والكرامة والازدهار».

وفي المقابل، كان ميقاتي يصدر بيانا يغمز فيه من قناة السنيورة قال فيه إلى أنه «بعد انتهاء مراسم تشييع اللواء الشهيد وسام الحسن ومرافقه في مسجد محمد الأمين في بيروت، وبعد الكلمة التي ألقاها الرئيس فؤاد السنيورة وما تضمنته من مواقف، دعي المشاركون مباشرة للتوجه إلى السرايا، وتكررت الدعوة أكثر من مرة بعبارات تحريضية، فتحركت مجموعات من المتظاهرين في اتجاه السراي الكبير واعتدي على القوى الأمنية مما أوقع أكثر من 15 إصابة في صفوف العسكريين». وأضاف: «إذ نضع هذه الحقائق في تصرف الرأي العام، نحمل الجهات التي حرضت، بالشعارات والممارسات والمواقف التي أطلقت، مسؤولية محاولة اقتحام السراي الكبير وما نتج عنه من تداعيات، مع ما يعني ذلك من استهداف لمؤسسة مجلس الوزراء وما ترمز إليه وطنيا وسياسيا وشعبيا. ولا يكفي أن تصدر بيانات النفي عن المعرفة المسبقة بالدعوة إلى اقتحام السراي الكبير، ولا ما تلاها من مواقف تبريرية». ورأى أن عدم إدراك ما يعنيه السراي الكبير من رمزية وطنية يحتم على دولة رئيس مجلس الوزراء بذل المزيد من الجهود والتضحيات لإخراج لبنان من هذه المحنة الكبيرة وإيجاد السبل لإعادة اللحمة بين أبناء هذا الوطن.

وبدوره، أدان مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الذي غاب عن تشييع الحسن لأسباب قيل إنها تتعلق بخلافه مع تيار «المستقبل» ما قام به بعض الشباب من محاولة لاقتحام السراي الحكومي، مشيرا إلى أن «هذا الأسلوب الذي لا يشبهنا، والذي رفضناه بالأمس، ونرفضه اليوم، وسنرفضه في كل يوم»، مشددا على أن «إسقاط الحكومات في الشارع أمر مرفوض من أساسه، والذي يسعى لإسقاط حكومة في الشارع هو واهم وواهن»، وقال: «إننا رفضنا بالأمس إسقاط حكومة فؤاد السنيورة من خلال الاعتصام وبالشارع، وكذلك اليوم ممنوع». وأكد أن «رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، أو مكتسبا لهذا أو ذاك، وإن شباب قوى الأمن الداخلي من سرية الحرس الحكومي، ضباطا وأفرادا، هم أبناؤنا وأبناؤكم، وإخوة لكم، هم يبذلون دمهم في هذه السرية التي كان اللواء الشهيد وسام الحسن في يوم من الأيام على رأسها وآمرا لها، وهم الذين حموا السراي الحكومي أيام حكومة الرئيس السنيورة في ذلك الزمن العصيب، وهم أنفسهم يحمون السراي الحكومي اليوم».

وعادت عمليات إغلاق الطرق لتعم المناطق اللبنانية، بعد «هدنة» قصيرة كان الهدف منها السماح للمشاركين بتشييع اللواء الحسن من الوصول إلى وسط بيروت، فأقفلت طرق في بيروت، كما أغلق الطريق المؤدي إلى الجنوب، وطريق بيروت - دمشق الدولية لبعض الوقت، كذلك طريق شتورة - زحلة في البقاع اللبناني. وشهدت مناطق الشمال ظهورا مسلحا، واشتباكات متقطعة بين منطقتي جبل محسن ذات الغالبية العلوية وباب التبانة ذات الغالبية المسيحية.