طرابلس تتحول إلى ثكنة عسكرية.. وسقوط قتلى في اشتباكات

منزل ميقاتي شمال لبنان قلعة محصنة.. والمعتصمون يستعدون لإقامة طويلة

معتصمون يجلسون داخل خيمة قرب منزل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في طرابلس للمطالبة برحيله أمس (رويترز)
TT

تحولت مدينة طرابلس مساء أمس إلى ثكنة عسكرية، خاصة عند مداخلها الرئيسية، حيث تمركزت دبابات الجيش وفتش الجنود المارة والسيارات بصرامة وحزم كبيرين، وأوقفوا بعض المخلين، في محاولة لضبط فلتان المسلحين الذين يجوبون المدينة مدججين بالأسلحة، ويرعبون الأهالي منذ عدة أيام. أما منزل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في المدينة، وبعض المراكز الحزبية الحساسة، مثل مركز «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في الجميزات، ومركز «حزب التوحيد» في أبي سمراء اللذين تعرضا لهجوم من مسلحين، في الأيام القليلة الماضية، فهذه المراكز باتت أشبه بقلاع محصنة، في حماية الجيش ودباباته وجنوده.

تأتي هذه الإجراءات بينما استمرت الاشتباكات في الضواحي الشمالية للمدينة بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة، بالقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة، موقعة 4 قتلى، وما يقارب 20 جريحا.

وقام الجيش بعمليات دهم واسعة طوال النهار، في مناطق الاشتباكات، ورد على مصادر النيران، وحاول الإمساك بالوضع على الأرض قبل أن يخيم الظلام وتبدأ جولة جديدة من حفلات الجنون المسلح.

«الحالة صعبة وبدنا نتحمل بعضنا»، يقول لنا أحد رجال قوى الأمن، ونحن نحاول بالسيارة دخول شارع المعرض، أحد الشوارع الرئيسية في طرابلس، الذي يقع فيه بيت رئيس الوزراء نجيب ميقاتي. نترجل سيرا على الأقدام لنرى أن شارع المعرض الأنيق بعماراته الفارهة وأجوائه الوديعة الهادئة، تغيرت ملامحه فجأة. دبابات الجيش تطوق منزل الرئيس ميقاتي كما قوى الأمن الداخلي، وتحصنه من كل الزوايا. على مبعدة أمتار قليلة من المنزل الذي يقع في الطابق الأول، وغالبا ما كانت في السابق الحراسة حوله محدودة لا تكاد تلحظ، تنتصب الخيام التي بدأ شباب تيار المستقبل بدعم من النائب معين المرعبي، بوضعها هنا منذ ليل أول من أمس معلنين عن اعتصام يهدف لإسقاط حكومة ميقاتي.

13 خيمة احتل بعضها الشارع الرئيسي وأغلقه بالكامل، وامتدت الخيام الباقية لتحتل جزءا من الساحة الكبيرة لمعرض رشيد كرامي الدولي، الذي يفترض أنه شيد ذات يوم لجعل المدينة مركزا اقتصاديا وتجاريا للبنان، فإذا به موقع للاحتجاج. الخيام المنصوبة فارغة في غالبيتها الساحقة، عشرات الشبان فقط جاءوا تضامنا مع الدعوة، بينما فاقهم الصحافيون، وحتى لحظة زيارتنا، عددا على ما يبدو. مع ذلك، فالمجموعة المعتصمة كانت تجتمع ظهر أمس، في الخيمة الرئيسية ومعها منسق تيار المستقبل في منطقة الضنية هيثم الصمد، الذي كان ينصح الشبان، وهو يحاورهم، بعدم رفع سقف المطالب، كي لا تصبح عصية على التحقيق.

ينضم إلى الاجتماع، إضافة إلى النائب معين المرعبي النائب من تيار المستقبل، خالد الضاهر، ومن ثم القيادي في التيار مصطفى علوش لبعض الوقت، قبل أن ينسحبوا ويبقى المرعبي، الذي بات أول من أمس ليلته الأولى، في إحدى الخيام، أمام منزل ميقاتي، وأطلق اليوم دعوة للعصيان المدني، مطالبا الناس بعدم دفع فواتير الكهرباء والماء للدولة.

ونفى النائب معين المرعبي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هدف الاعتصام أمام منزل ميقاتي، أو العصيان المدني، هو إسقاط الحكومة، وأضاف: «لا أهمية لإسقاط هذه الحكومة، لأن لا شيء سيتغير. فقبل الحكومة الحالية عاشت الحكومات التي سبقتها الوضع ذاته، وهو ما سيتكرر في حكومات مقبلة إن بقي الوضع على ما هو عليه. ما نريده هو إسقاط السلاح وحزب السلاح (يقصد حزب الله) الذي يهيمن على البلد ومؤسساته في مجلس الوزراء ومجلس النواب. أنا نائب وأعرف ما يجري في اللجان النيابية، وكيف يتم الضغط على النواب. أعتصم لأنني مصدوم مما أرى. صحيح أنهم يحافظون على شكليات معينة، لكن في نهاية المطاف القرار اليوم هو لهم، وهذا ما لم نعد نحتمله».

وحين نسأله عن مدى تنسيقه قبل قيام هذا الاعتصام مع تيار المستقبل يقول: «هذه حركة عفوية جاءت من الشبان ومن المجتمع المدني، وأنا أعيش معهم وأتضامن مع تحركهم، الذي أتى كردة فعل على تدمير المؤسسات وخطفها والسيطرة عليها، ووصل الحال إلى اغتيال قادة أمنيين، لا بل رأس القيادة الأمنية مع اغتيال وسام الحسن. الناس تشعر بأنها مكشوفة».

وردا على سؤال حول مدى التنسيق بين أعضاء تيار المستقبل، ولماذا لا يصار إلى اتخاذ قرارات مركزية، كي لا تتكرر أعمال مثل التي حدثت أثناء مهاجمة السراي، أو الاعتصام أمام منزل ميقاتي بمبادرة جزئية لا يشارك فيها التيار بشكل رسمي، يجيب المرعبي: «أنا رجل أعمل على الأرض، ولا أفهم بالخطط الاستراتيجية. علاقتي مع الناس، ولا أستطيع أن أكون على كل الجبهات. ليتولى غيري عملية التنسيق. أنا نائب وعندي رأيي الشخصي، وقراري الشخصي، وفي النهاية نحن ديمقراطيون ولكل منا قناعاته».

ويشرح المرعبي: «نحن لم يعد عندنا ما نخسره. فنحن إما أن نموت أو نموت، فليسمحوا لنا أن نقول: آه. وإذا كنا غير قادرين على فعل شيء، فمعنى ذلك أننا نستحق ما يحدث لنا».

ينفي المرعبي أن يكون الاعتصام يضع سكان المنطقة أمام مشكلة بسبب إغلاق الشوارع، ويقول: «كل المنافذ مفتوحة، والسكان يأتون لنا بالطعام والشراب، ويستدعوننا لنكون في ضيافتهم، هؤلاء أهلنا».

ومن المفارقات أن النائب المرعبي الآتي من عكار هو من سكان الشارع نفسه، أي أنه جار للرئيس ميقاتي، ويعتصم ليس بعيدا عن مسكنه. وهو يؤكد أن سفر الرئيس ميقاتي إلى الحج وتغيبه إلى ما بعد العيد، لن يغير من إصراره شيئا، مضيفا: «لا تراجع عن إسقاط هذه الحكومة. مشروعنا طويل ويحتاج وقتا، نحن نطالب بالدولة والمؤسسات، وبحقوقنا كمواطنين».

وبينما كنا نحاور النائب المرعبي وصلت شاحنة تحمل عشرات الطاولات البلاستيكية والكثير من الكراسي إلى مكان الاعتصام، مما يشير إلى أن القرار بالبقاء لفترة طويلة، قد اتخذ، والاستعدادات جارية لإقامة قد تطول إلى أجل يصعب التنبؤ به، علما بأن الرئيس ميقاتي لا يقيم بشكل مستمر في طرابلس، وكذلك عائلته التي تعيش معه في بيروت.