معتصمون يطالبون بإسقاط الحكومة ويرفضون مقارنتهم باعتصام قوى «8 آذار»

أكدوا لـ: لن ندخل إلى السراي بل سنجعل من يسكنها يخرج إلينا

TT

يتجادل شباب مع مجموعة من قوى الأمن اللبناني، أمام طريق مغلق يؤدي إلى ساحة البرلمان في بيروت.. حاول هؤلاء زرع علم لتيار المستقبل على إشارة المرور، لكن القوة الأمنية منعتهم.. وقف صحافي يغطي لأحد المواقع الإلكترونية متأهبا لمشهد ما.. قال: «أنتظر تصوير عراك قد ينشب خلال لحظات».. غير أن الشباب المعتصمين لإسقاط الحكومة في المكان، استبدلوا العلم اللبناني بعلم المستقبل؛ إذ يصرون على «التحرك السلمي»، وعدم الزج بأنفسهم في مشكلة مع القوة الأمنية على غرار ما جرى أول من أمس.

ينبذ شباب قوى «14 آذار» المعتصمون على مرمى حجر من السراي الكبير، مقر الحكومة اللبنانية في بيروت، «القوة التي لجأ إليها بعض الغاضبين» بعيد تشييع اللواء وسام الحسن. فقد اختاروا لتحركهم عنوان «السلمي» لإسقاط الحكومة التي يتحصن مقرها بالأسلاك الشائكة والقوى الأمنية. سبع خيام وأعلام لبنانية، وقوى أمنية تغلق الشوارع المؤدية إلى مجلسي النواب والوزراء، فضلا عن شعارات مطالبة برحيل ميقاتي، أعادت إلى الأذهان صورة اعتصام المعارضة عام 2006، في المكان نفسه، التي طالبت بإسقاط حكومة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة. الفارق الوحيد بين الاعتصامين، أن الأول الذي دام نحو 19 شهرا، كان مغلقا، و«يفتش من يدخل إليه»، كما يقول أنطوني لبكي من مصلحة الطلاب في حزب الكتائب اللبناني. أما هذا الاعتصام «فهو رمزي ومفتوح، وقد نصبت الخيام على الأرصفة، من غير أن تقفل الطرقات»، وأضاف: «هو مظهر من مظاهر الاحتجاج لخلق حالة ضغط على الحكومة بغرض تحقيق الأهداف».

رغم هذا التبرير، لم تنفك وسائل الإعلام التابعة لقوى «8 آذار» عن تشبيه الاعتصام الجديد بالقديم الذي انتقدته قوى «14 آذار» وأدانته آنذاك. يرد زياد ضاهر، المنتمي إلى قطاع الشباب في تيار المستقبل، بأن الفارق بين الاعتصامين «كبير كمّا ونوعا». ويوضح أنه «في المضمون، يأتي اعتصام اليوم نتيجة لاغتيال شخصية أمنية لبنانية كبيرة جدا»، مشددا على أن «مرحلة ما قبل اغتيال الحسن، ليست كما بعدها». وفي معرض مقارنته بين حكومة ميقاتي التي يسعون لإسقاطها، وحكومة السنيورة آنذاك، يقول إن «الحكومة الحالية جاءت خطفا بقوة السلاح والتخويف، بينما حكومة الرئيس السنيورة جاءت نتيجة انتخابات ديمقراطية لا أحد يشكك بها، مما جعلها ميثاقية».

أما عن الشكل، فيؤكد ضاهر رفض شباب تيار المستقبل احتلال السرايا بالقوة، مشيرا إلى «ضرورة العودة إلى ما بدأنا به، وهو الاعتصام السلمي». ويضيف: «لم نقفل الطريق، كما حصل في عام 2006، فالسيارات تتحرك، لكن القوى الأمنية هي التي أقفلت الشوارع، ونتمنى عليها فتحها رغم وجود خيامنا».

يدين المعتصمون اعتصام قوى «8 آذار» في عام 2006، إذا ما تمت مقارنته مع «اعتصامنا». يقول غبريال بطرس هارون من حزب الوطنيين الأحرار: «الفرق بيننا أن هناك فريقا ظالما وآخر مظلوما، توضع تفجيرات في مناطقه، ويستشهد خيرة قادته». ويشير إلى «تلقي كميل ألفرد شيمعون، أحد قياديي الحزب المرشح للانتخابات النيابية، قبل يومين، رسالة تهديد على هاتفه الجوال من رقم سوري». ويضيف زميله نصري كلاس: «هذا هو الفارق؛ إذ يلعبون معنا لعبة عشرة عبيد صغار، حيث يقتلون منا الواحد تلو الآخر».

لكن مطلب إسقاط الحكومة، الذي يبدو أنه اصطدم بمعارضة دولية، مشروع لن يتنازل عنه المعتصمون. يسأل كلاس: «ماذا قدمت لنا الحكومة حتى الآن؟»، ويضيف: «اعتصامنا السلمي مفتوح. لن ندخل إلى سراي الحكومة، بل سنجبر من يقيم داخل السراي على الخروج إلينا».

من جهته، يرفض ضاهر اعتبار الضغط الدولي سببا لإلغاء الاعتصام، ويكشف أن المعتصمين «يتحدون الإرادة التي تفرض على شخص له حق في رفض واقع ما»، مشيرا إلى أن «الأطراف الدولية لا تعاني من حكومة أعاني كل يوم من وجودها». ويشدد على أن الخطوة «جاءت بالتنسيق مع قوى (14 آذار) الديمقراطية التي تجتمع، وتتشاور، وتقترح، وتقرر، ويذهب ممثلوها إلى التنفيذ يدا بيد».

ويذهب بعض المعتصمين إلى أبعد من مبدأ إسقاط الحكومة. يؤكد أنطوني لبكي أن إسقاط الحكومة «هو تحصيل حاصل»، لافتا إلى أن حزب الكتائب اللبناني «هو أول من طرح الثقة بالحكومة لحظة تشكيلها». ويستطرد: «هدفنا من الاعتصام هو إعادة بناء الدولة». هذه الأهداف التي يبدو تحقيقها صعبا في ظل التركيبة اللبنانية والممانعة الدولية، لا يراها المعتصمون مستحيلة. يقول لبكي: «في عام 2005، كان المجتمع الدولي يضغط لإعادة انتشار الجيش السوري في البقاع، لكن إرادتنا دفعته للانسحاب كليا من لبنان».

اليوم، أعاد الاعتصام النبض لجمهور قوى «14 آذار» الذين «أحبطوا من تنازلات قدمتها القيادة السياسية في انتخاب رئيس مجلس النواب وتشريع سلاح خارج سلطة الدولة». ويشير لبكي إلى أن اغتيال الحسن «ضرب العمل المؤسساتي في لبنان، وبالتالي هيبة لبنان، كون الحسن حقق إنجازات كبيرة، منها كشف شبكات (الموساد)، ومحاولات اغتيال قوى (14 آذار)، وشبكة سماحة – مملوك الهادفة إلى زعزعة استقرار لبنان». المطالب اليوم، إذن، «ضم ملف الجريمة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وطرد السفير السوري، ونزع سلاح حزب الله.. التي نعتبرها بيئة حاضنة للبؤر الأمنية وكل من يحاول تهديد الوضع الأمني».

لا يتوهم المعتصمون نتيجة تتحقق بسرعة.. «الواجب يقتضي ذلك»، يقول أحدهم، والباقي يرمونه على القيادات السياسية. وحتى انجلاء الضباب السياسي، يبقى المعتصمون في الخيام، وتبقى الحكومة خلف أسلاك شائكة.