«ميدان التحرير» في القاهرة يحمل على عاتقه كل المطالب

شكل ملاذا لهم بعد انتهاء صخب المظاهرات

TT

مظاهرات كثيرة، شعارات مختلفة، وميدان واحد يحمل على عاتقه كل المطالب ويسع الجميع، ففي وسط القاهرة ارتضى «ميدان التحرير» أن يكون ساحة لكافة التيارات السياسية، يستمع لمطالب الجميع ولا يدير ظهره لأحد، وبين مظاهرات ترفع شعارات النقد للرئيس ولجماعة الإخوان المسلمين شهدها الميدان مؤخرا، وأخرى قادتها رموز دينية أعلنت التأييد لمرسي وجماعته وهتفت باسمهما، تتبقى في الميدان مساحات لمن يعتصم ويضرب رافعا مطالبه الفئوية، ومساحات أخرى تتلون بألوان التوجهات السياسية المختلفة على جوانب ميدان التحرير، يلوذ إليها مرتادو الميدان عقب كل مظاهرة أو وقفة أو احتجاج، تعكس اختلافات كبيرة لم تتحملها أجندات السياسة وأقرتها طبوغرافية المكان.

لم يكتف متظاهرو التحرير، الذين يعتبرون الميدان ملاذا لهم يعبرون فيه عن أفراحهم ويشعلونه غضبا بمطالبهم، بساحات التظاهر في الميدان التي تتلون بألوانهم وتعلو فيها شعاراتهم، إسلامية كانت أم ثورية، ذات توجه مؤيد أو معارض. لكنهم أيضا أبوا إلا أن تكتسي مساحات أخرى من الميدان بسماتهم، فبعد كل مظاهرة يذهب محمد صالح، (26 عاما)، وهو مؤيد للتيار اليساري لكنه غير منتم إلى أي حزب، إلى أحد المقاهي القريبة من الميدان هو وزملاؤه.

محمد الذي ارتدى شالا فلسطينيا قال: «نتجمع هنا عقب كل مظاهرة نشارك فيها، سواء كانت مظاهرة أو وقفة احتجاجية. نتحدث معا حول المواقف السياسية ومطالبنا التي ندافع عنها من أجل الثورة». ويتابع صالح قبل أن يلتقط نفسا من نارجيلة وضعت أمامه: «نفضل هذا المكان لأننا اعتدناه حتى قبل الثورة، فهو مكاننا المفضل، وبالمصادفة هو قريب من التحرير وقريب من مكتبات ومسارح نتردد عليها كثيرا».

لكن فتحي سالم، لم يعتد الجلوس في المقاهي، وخلال مشاركته في مظاهرات منددة بفيلم مسيء إلى لإسلام أمام السفارة الأميركية بالقرب من ميدان التحرير - لم يجد سالم، وهو ملتح ويرتدي زيا إسلاميا، غير مسجد صغير متاخم لوزارة الداخلية المصرية التي يفصل بينهما وبين ميدان التحرير عدة شوارع جانبية، للجوء إليه بعد انخراطه في مواجهات شارك فيها مع آخرين ضد قوات الشرطة أثناء مظاهرتهم، ويقول سالم: «بحثت عن مسجد قريب حتى أتوضأ وأصلي وأستريح»، وتابع: «يجب علينا ونحن في دولة إسلامية أن تكون المساجد مفتوحة طوال اليوم، فاليوم ورغم انتخاب مرسي رئيسا للبلاد كثير من المساجد لا تفتح إلا قبل أوقات الصلاة بقليل، ففي كثير من المواقف لا نجد مكانا نرتوي منه أو نستريح فيه أو نقيم الصلاة بعد مواقيتها، وهو أمر لا يمكن أن يكون مقبولا الآن». وبين سالم، الذي ينظر للتحرير كوسيلة أوصلت تياره إلى الحكم، وصالح الذي يرى التظاهر غاية في حد ذاتها، يظل الميدان على وعده، يستقبل الجميع حتى أولئك الذين يفترشون أرصفته بعد انتهاء المظاهرات، وكما يقول خالد حسين، وهو من محافظة أسوان، فإنه يفترش ميدان التحرير مطالبا مع زملائه بالتعيين في وظيفة: «كنت قد استبشرت خيرا بالرئيس مرسي، ولكن كل شيء كما هو..»، ويتابع حسين من على أحد أرصفة الميدان، مسندا ظهره إلى جدار مقهى وادي النيل التي فجرها متشددون إسلاميون قبل نحو عشرين عاما: «في الانتخابات الماضية، رغبت في أن أعطي فرصة للتيار الإسلامي الذي اضطهد كثيرا وكنت أشفق عليه، لكن ما حدث أن الجميع عندما يصلون للمناصب يتعاملون بنفس الأسلوب».

وبينما ينثر حسين كلماته معاتبا رئيس البلاد، يبقى ميدان التحرير ملاذا للجميع، يفتح ذراعيه لكافة المطلب، أملا في دولة ديمقراطية ترفع مطالب الثورة ويرضى عنها المواطنون.