بيروت تصحو على حملة عسكرية واسعة.. والجيش: الأمن خط أحمر

قوات الأمن تنتشر في مناطق التوتر.. والفصائل الفلسطينية بلبنان تنفي دخولها على خط الأزمة

لبنانية تسير قرب ناقلة جنود مصفحة في أحد أحياء العاصمة بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

عاشت مدينة بيروت أمس يوما مشحونا آخر، في ظل الانفلات الأمني الكبير الذي صاحب عمليات الاحتجاج على مقتل رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن يوم الجمعة الماضي، غير أن الجيش اللبناني تحرك بقوة على خط قمع الظهور المسلح، ليستطيع بالتعاون مع الجهات السياسية الفاعلة على الأرض كبح الفلتان الأمني الذي كان علامة فارقة في بعض شوارع بيروت منذ اغتيال الحسن.

وقالت مصادر في «تيار المستقبل» الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الحريري تابع شخصيا طوال النهار الوضع الأمني وسعى إلى ضبط الأوضاع وتهدئة النفوس المحتقنة، مشيرة إلى أن حجم ما حصل من اغتيال اللواء وسام الحسن جعل الأمور أكثر صعوبة في الضبط.

ورغم أن حدة التوتر قد انخفضت إلى حد كبير في ضواحي بيروت، فإن المناطق المحيطة بمنطقة طريق الجديدة حيث غالبية سنية تناصر «تيار المستقبل»، استيقظت على استمرار حركة الاحتجاج التي عبر عنها هؤلاء بقطع الطرقات المجاورة، فيما كانت بقية المناطق تنعم بهدوء حذر، وخفت حركة تنقلات الناس إلى حدها الأدنى خوفا من تجدد الإشكالات الأمنية.

وعلى الرغم من أن وزارة التربية أمرت بفتح المدارس الرسمية والخاصة، فإن قلة منها عادت إلى الدراسة الطبيعية، خصوصا تلك التي تقع في أماكن متوترة. وقال يوسف، وهو أب لثلاثة أولاد إنه أخذ أولاده إلى مدرستهم القريبة من منزلهم في محلة الصنائع، لكن المدرسة عادت لتتصل بالأهالي طالبة أخذ أولادهم لأن عددا قليلا جدا من التلامذة توجه إلى المدرسة.

وشهدت معظم الشوارع والمناطق في بيروت حركة سير خفيفة، وشبه إقفال للمؤسسات والمحال التجارية، مع توقف الدراسة في معظم المدارس والجامعات الخاصة والرسمية، وسط استمرار أجواء الغضب والتوتر والاحتقان بعد حادثة الانفجار.

في غضون ذلك، سجلت اشتباكات محدودة في بعض الأحياء؛ لا سيما في طريق الجديدة حيث سقط قتيل وأصيب آخر، فيما تمكن الجيش اللبناني من إعادة الهدوء وفرض سيطرته على العاصمة من خلال خطة أمنية بدأت فجرا أشرف عليها مباشرة قائد الجيش العماد جان قهوجي فدخلت عناصر الجيش إلى مناطق طريق الجديدة وقصقص وبربور وكورنيش المزرعة وعمر بيهم وبشارة الخوري والكولا والمدينة الرياضية، وعالجت الوضع ونصبت حواجز ظرفية في الشوارع.

وكان الجيش اللبناني طوق منذ أمس جميع مداخل منطقة بربور واستعد للدخول إلى أحياء طريق الجديدة وعمدت آلياته إلى فتح الطريق من تقاطع برج أبو حيدر باتجاه جامع عبد الناصر على كورنيش المزرعة، في وقت كان يتجدد فيه إطلاق الرصاص الكثيف في محلة قصقص - البربير وسمع دوي قذيفة «آر بي جي»، وتحركت ملالات الجيش من الكولا باتجاه طريق الجديدة، وتمت إعادة فتح طريق الكولا بعد قطعها بوقت سابق.

وقام فوج المغاوير في الجيش اللبناني بحملة مداهمات في طريق الجديدة، وطارد الجيش قناصة أطلقوا النار باتجاه الأحياء السكنية في قصقص وطريق الجديدة، وحاصر مسلحين قرب مشروع الربيع وخرج من المنطقة بعد إتمام مهامه وتحركت ملالاته باتجاه المدينة الرياضية. وعند مستديرة شاتيلا - الطيونة تجمع شبان وأحرقوا الإطارات، وقام الجيش بحملة مداهمات حيث ألقى القبض على مطلوبين. وتمكن الجيش اللبناني من إعادة الهدوء إلى المناطق التي شهدت اشتباكات ليلية بعد أن نفذ خطة أمنية منذ فجر أمس دخل فيها إلى مناطق طريق الجديدة وقصقص وبربور وكورنيش المزرعة وعمر بيهم وبشارة الخوري والكولا والمدينة الرياضية وسليم سلام، وعمدت القوى الأمنية إلى معالجة الوضع في منطقة شاتيلا حيث ساد التوتر وسير الجيش دوريات راجلة ومؤللة ونصب عددا من الحواجز الظرفية في الشوارع.

وأعلنت قيادة الجيش - مديرية التوجيه أن الفلسطينيين أحمد وعبد قويدر أقدما على إطلاق النار بالأسلحة الحربية الخفيفة باتجاه دورية تابعة للجيش في محلة قصقص، وقد ردت عناصر الدورية على النار بالمثل، «مما أدى إلى مقتل المدعو أحمد متأثرا بجراحه». وكررت قيادة الجيش أن «الوحدات العسكرية ستتصدى بكل حزم وقوة للعابثين بأمن المواطنين والمعتدين على قوى الجيش مهما كان انتماؤهم»، وأكدت أن «هؤلاء لن يكونوا بمأمن من الملاحقة الأمنية والقانونية حتى توقيفهم وإحالتهم على القضاء المختص».

وشددت قيادة الجيش على أن «الأمن خط أحمر فعلا لا قولا، وكذلك استهداف المؤسسات الرسمية والتعدي على حرمة الأملاك العامة والخاصة»، وأشارت إلى أنها «باشرت اتصالات رفيعة المستوى مع جميع المعنيين، وهي تتعامل مع الوضع الأمني بالحكمة وليس بالتراخي، مع إدراكها التام دقة الموقف والتجاذبات بين الأفرقاء السياسيين»، وأكدت أنها «ستتخذ تدابير حازمة، لا سيما في المناطق التي تشهد احتكاكات طائفية ومذهبية متصاعدة، وذلك منعا لتحويل لبنان مجددا إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، ولمنع استغلال اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، وتحويله فرصة لاغتيال الوطن بأسره».

وجاء في البيان: «قيادة الجيش التي آلمها اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن وعبرت عن حزنها وتضامنها مع عائلته الصغيرة والكبيرة وقيادة قوى الأمن الداخلي، كانت حريصة منذ اللحظات الأولى لوقوع الجريمة على ترك المواطنين يعبرون عن الفجيعة التي ألمت بهم، والتظاهر وفق ما تقتضيه المناسبة من احترام للحدث الجلل، لكن من دون المساس بالأمن والسلم الأهلي، إلا أن التطورات التي حصلت في الساعات الأخيرة أثبتت من دون شك أن الوطن يمر بلحظات مصيرية حرجة، وأن نسبة الاحتقان في بعض المناطق ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة». وانطلاقا من هذا الواقع، ناشدت قيادة الجيش «جميع القوى السياسية توخي الحذر في التعبير عن المواقف والآراء ومحاولات التجييش الشعبي، لأن مصير الوطن على المحك، وهي إذ تترك أمر المعالجات السياسية للسلطة السياسية ولجميع القيادات السياسية على اختلافها، أكدت تمسكها بدورها في قمع الإخلال بالأمن وفي حفظ السلم الأهلي».

ودعت قيادة الجيش جميع المواطنين على تنوع انتماءاتهم في مختلف المناطق اللبنانية إلى «التحلي بأعلى درجات المسؤولية الوطنية في هذا الظرف العصيب، وعدم ترك الانفعالات تتحكم بالوضع، والمبادرة إلى إخلاء الشوارع وفتح الطرق التي لا تزال مقطوعة».

وقد تفقد قائد الجيش العماد جان قهوجي الأفواج والوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة، حيث اطلع على الإجراءات الأمنية المتخذة، وأعطى توجيهاته بوجوب التصدي للفتنة وعدم التساهل مع المخلين بالأمن إلى أي جهة انتموا، منوها بجهود العسكريين المضنية لإعادة ضبط الأمن والاستقرار، وداعيا إياهم إلى «بذل أقصى المستطاع للحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم وحرية تنقلهم من مكان إلى آخر».

إلى ذلك، نفت الفصائل الفلسطينية في لبنان «ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن مشاركة مسلحين فلسطينيين في الحوادث الأمنية في بيروت، وتحديدا في طريق الجديدة». وأكدت «وقوفها على الحياد في التباينات السياسية اللبنانية الحاصلة»، وشددت على أنها «لم تتدخل من قريب ولا من بعيد في أي حادث أمني على كل الأراضي اللبنانية».