جدل في البرلمان المغربي بشأن وضعية حقوق الإنسان في البلاد

تقارير مركز روبرت كنيدي والمفوض الأممي لمناهضة التعذيب جعلت الأمر أكثر إلحاحا

TT

أثار اجتماع للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان) عقد الليلة قبل الماضية لمناقشة وضعية حقوق الإنسان في المغرب، جدلا واسعا بين المجموعات البرلمانية من المعارضة والأغلبية المساندة للحكومة. واعترضت الأغلبية وعلى رأسها حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بشدة على استضافة اللجنة لمؤسستين شبه رسميتين، هما «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» و«مؤسسة الوسيط» باعتبارهما مؤسستين مستقلتين لا تخضعان لرقابة البرلمان، بالإضافة إلى كون المؤسستين مطالبتين طبقا للدستور الجديد بتقديم تقرير سنوي يعرض على البرلمان في جلسة عامة للمناقشة، واعتبرت الأغلبية أن اللجنة لم تحترم المقتضيات القانونية والدستورية في الدعوة إلى عقد اللقاء وطالبت بإلغائه. وفي المقابل، انتقدت المعارضة تركيز الأغلبية على الجوانب الشكلية وتجاهلها أهمية مناقشة وضعية حقوق الإنسان بالبلاد داخل البرلمان، باعتبارها من المواضيع التي لها أهمية قصوى، خاصة بعد صدور تقارير دولية حول الموضوع في الأشهر الماضية، في إشارة إلى زيارة بعثة من مركز روبرت كنيدي إلى الصحراء، ثم زيارة خوان مانديز، المفوض الأممي لمناهضة التعذيب بدعوة من الحكومة المغربية، والذي أكد في ختام زيارته للمغرب أنه على الرغم من تطور الوضع الحقوقي مقارنة مع سنوات الاحتقان السياسي، فإن ممارسة التعذيب ما زالت مستمرة، وقال مانديز أول من أمس أمام مجلس الأمن إن المغرب «يستعمل التعذيب ضد معارضين، خصوصا أولئك المرتبطين بنزاع الصحراء». وأضاف في سياق تقريره حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب إنه وقف على «أدلة كثيرة عن الاستعمال مفرط للقوة».

واعتبر برلمانيون أن هذا التقرير يجعل موضوع حقوق الإنسان يكتسي أهمية قصوى. وبعد أخذ ورد ومشادات كلامية بين المؤيدين والمعارضين للموضوع في مجلس النواب، أكد رئيس اللجنة أن الدعوة إلى عقد الاجتماع بحضور المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط لا يندرج في إطار ممارسة الرقابة على المؤسستين، بل هو مجرد لقاء دراسي، لمناقشة وضعية حقوق الإنسان في المغرب، وطلب تجاوز الإجراءات الشكلية فقبلت الأغلبية حضور الاجتماع مع تسجيل تحفظها إزاء عدم احترام الإجراءات القانونية والدستورية في الدعوة إلى عقد مثل هذه الاجتماعات داخل مجلس النواب.

وفي هذا السياق، قدم إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عرضا ركز على أهم اختصاصات المجلس في مجال حماية حقوق الإنسان، والمتمثلة في «رصد انتهاكات حقوق الإنسان عبر إجراء التحقيقات والتحريات وإنجاز التقارير، وزيارة أماكن الحرمان من الحرية، وتلقي الشكاوى ودراستها ومعالجتها، والتصدي التلقائي لانتهاكات حقوق الإنسان، والتدخل الاستباقي في حالات التوتر الاجتماعي الكفيلة بالتسبب في انتهاكات لحقوق الإنسان». وأكد اليزمي الحاجة إلى إرساء آليات أخرى للوساطة في مجال حقوق الإنسان، كما دعا إلى مراجعة القانون المتعلق بالملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات. واستشهد اليزمي في ختام عرضه بما قاله الخبير الأممي خوان مانديز بكون «المجلس الوطني لحقوق الإنسان هيئة مستقلة تحظى بمصداقية عالية، كما تتمتع تقاريره بثقل معنوي كبير، ويمكن له أن يصبح آلية فعالة للتتبع والوساطة بين الدولة ومواطنيها إذا ما تم تنفيذ توصياته بحسن نية، وأشجع كل الأطراف على الانخراط التام في تعزيز هذه المؤسسة».

كما قدم عبد العزيز بن زاكور، رئيس مؤسسة الوسيط عرضا حول مهام المؤسسة والمتمثلة على الخصوص في البث في شكاوى، والقضايا التي يواجهها المغاربة مع المؤسسات الحكومية. واعتبر بن زاكور مؤسسة الوسيط «امتدادا وإثراء للدور التاريخي الأصيل لولاية المظالم، في انسجام مع المعايير الدولية، وفي انفتاح على القيم المثلى للتراث الإنساني المشترك». وأضاف أن «ما زاد في أهمية إحداث المؤسسة وضعها في الدستور الجديد ضمن مصاف المؤسسات المكلفة بترسيخ الحكامة الجيدة، مما أضفى عليها دينامية متجددة لأداء مهامها بشكل أكثر فعالية، في اتجاه تنزيل حكام الدستور الجديد بما يدعم آليات تخليق الحياة العامة، ويربط ممارسة السلطة بالمسؤولية والمحاسبة».

وبينما أثار برلمانيون استمرار الاختلالات في مجال حقوق الإنسان في البلاد، وعدم مواكبة القوانين والتشريعات للنهوض بهذا المجال، انتقد آخرون التقريرين المقدمين من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط لأنهما عكس ما كان متوقعا، لم يقدما أي معطيات عن وضعية حقوق الإنسان في البلاد، بل مجرد سرد لمهامهما واختصاصاتهما.