مجلس الوزراء السوداني يأمر بإعادة تشييد مصنع «اليرموك».. ودعم الجيش

الخرطوم تشتكي لمجلس الأمن وتطلب من واشنطن إدانة الهجوم

البشير يحيي متظاهرين ضد اسرائيل في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

أمر مجلس الوزراء السوداني في جلسة «طارئة» أعقبت إعلان الحكومة أسرار الضربة الجوية لمصنع «اليرموك» للأسلحة، بإعادة تأهيل المصنع الذي دمر فورا، وبتخصيص موارد إضافية لبناء القدرات الدفاعية للجيش السوداني. وقال النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه، لحشد جماهيري بساحة مجلس الوزراء بالخرطوم: «إن الأوان قد آن لدولة الظلم (يقصد إسرائيل) لتجد من يردعها». وأضاف: «كلما حاولت إسرائيل إضعاف البلاد تقدمت للأمام».

وكان الرئيس عمر البشير قد ترأس تلك الجلسة، بيد أنه وقف إلى جوار نائبه وهو يلقي خطابه «التعبوي» داخل مبنى مجلس الوزراء، واكتفى بـ«هز عصاه» ملوحا للجماهير، دون أن يخاطبها كما اعتاد طوال سنين حكمه. وعد مراقبون عدم مخاطبة الرئيس البشير للجماهير دلالة قوية على أن ما راج عن منعه من المخاطبات الجماهيرية أمر جدي، وأن الأمر «تطاول»، باعتبار أن «الحدث» كان يستوجب حديثا رئاسيا مباشرا.

وفي بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط» عقب تلك الجلسة، دعا مجلس الوزراء مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته كاملة في رد الاعتداء ومنع تكراره، واعتباره «عملا إرهابيا»، وفي الوقت ذاته دعا مجلس الوزراء «مجلس السلم والأمن الأفريقي» لإدانة الاعتداء، حسب البيان، لأنه يسعى لقطع الطريق أمام اتفاق التعاون مع دولة الجنوب وتعطيل جهود السلام في دارفور.

وأمر مجلس الوزراء بالقيام بالاتصالات اللازمة لحشد التأييد الدولي لصالح السودان وقضيته التي وصفها بـ«العادلة»، وإدانة المعتدي ومعاقبته وفقا للقانون الدولي.

من جهة أخرى انشغلت الخرطوم عن بكرة أبيها بمحاولة تفسير ما حدث ومعرفة أسرار ودواعي الضربة التي وجهتها إسرائيل للمصنع الحربي، ولم تكتف بالتصريحات الرسمية التي رأى البعض أنها «معممة» وغير تفصيلية لا تجيب التساؤلات الجدية التي يثيرها الحادث.

وشكك مراقبون في «دقة» الإفادات التي أدلى بها وزير الإعلام أحمد بلال لوسائل الإعلام عن عدد الطائرات، وما إذا كانت أربعة طائرات أم اثنتين، سيما أن شهودا كثرا قالوا لـ«الشرق الأوسط» بعيد الغارة بقليل إنهم شاهدوا طائرتين تهجمان على المكان، في الوقت الذي عزا فيه والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر الانفجارات إلى «شرارة لحام» أدت للتفجير، فضلا عن إقراره بأنها عطلت الرادارات.

وقال الكاتب بصحيفة «القوات المسلحة» معتصم حمودة في إفادة نشرها موقع على الإنترنت، باعتباره شاهد عيان، إن طائرة بيضاء كبيرة شوشت على أجهزة الاتصالات وقطعت إشارة شبكة الهواتف السيارة.

وأضاف حمودة أن مقاتلات حربية حلقت على ارتفاع منخفض جدا، ورجح أن تكون من طراز (f16)، لأنه يعرف صوتها، بسبب كونه كان يسكن قرب قاعدة تابعة لسلاح الجو العماني في جزيرة «مصيرة»، مما جعله يتعرف على أصوات الطائرات المختلفة.

وأوضح أن الطائرات لم تكن تستهدف قصف المناطق المدنية، بل تجاوزتها باتجاه الشمال الشرقي، ثم أطلقت «قذيفة مضيئة» جعلته يعتقد أن إحداها انفجرت، ثم أطلقت قذيفتين باتجاه المصنع.

وقال إن «بعض» المضادات الأرضية من نوع «دوشكا» أطلقت زخات من نيرانها في محاولة للتصدي للطائرات دون جدوى، ثم ارتفعت الطائرات المغيرة أكثر، وناورت لدقائق دون أن يصيبها مكروه، ثم اختفت بعد قرابة نصف الساعة.

وفي سياق آخر قال الخبير العسكري العقيد طيار علي حسن نجيلة لـ«الشرق الأوسط» إن تكرار العمليات العسكرية ضد السودان يثير شكوكا حول قدرته على حماية أرضه.

وأضاف أن إسرائيل اتهمت السودان أكثر من مرة بأنه يشارك في الإرهاب ضدها، ودعا لنقل المناطق العسكرية خارج المناطق العسكرية.

وراج حديث في البرلمان عن سعي نواب برلمانيين للطلب من الحكومة نقل المناطق العسكرية خارج المدينة. وكان وزير الإعلام السوداني، ذكر في إجابته على تساؤلات الصحافيين عن وجود منشآت عسكرية داخل المناطق المأهولة بالسكان، أن الحكومة تخطط لنقل تلك المنشآت، بيد أنه قال إن مصنع «اليرموك» تحديدا حين أنشئ لم تكن حوله كثافة سكانية كبيرة، وأن اتساع المدينة هو ما جعله يتوسط تلك الأحياء الكثيرة.

إلى ذلك، تقدم مندوب السودان لدى الأمم المتحدة بشكوى إلى مجلس الأمن ضد ضرب إسرائيل لمصنع الذخيرة، كما دعت السفارة السودانية في واشنطن الحكومة الأميركية لإدانة الهجوم.

وفي نيويورك، اجتمع السفير السوداني دفع الله الحاج علي مع رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، سفير غواتيمالا، وأطلعه على تفاصيل الضربة الإسرائيلية. وقال السفير السوداني إن أربع طائرات نفذتها، وكانت مزودة بأنظمة متقدمة للتشويش على الرادارات، وإن مثل هذه التقنيات لا تمتلكها إلا دول قليلة. وقال إن الضربة تسببت في تدمير جزء كبير من المصنع، وقتل اثنين. وطلب من رئيس مجلس الأمن نقل الاحتجاج إلى بقية أعضاء المجلس، وطلب عقد جلسة لإدانة الهجوم.

وقال السفير السوداني للصحافيين: «هذه هي المرة الثالثة التي تنتهك فيها إسرائيل الأجواء السودانية». وقال إن الضربة الأخيرة خرق جديد صارخ لميثاق الأمم المتحدة، وتهديد خطير للأمن والسلم الدوليين.

وتحدث السفير السوداني عن الضربة الأخيرة خلال مشاركته في جلسة لمجلس الأمن كانت مخصصة لمناقشة تقرير الأمين العام الدوري عن دارفور. وربط السفير بين الضربة ودارفور، وقال إن إسرائيل أيدت وساعدت الحركات المسلحة في دارفور، وإن إسرائيل استقبلت قادة بعض هذه الحركات، وفتحت لهم مكاتب، ووفرت طائرات لتنقلاتهم.

وقال بيان السفارة السودانية في واشنطن: «بعد أكثر من سنة قليلا على الضربة التي قتلت شخصين، قامت إسرائيل بهجوم إرهابي آخر ضد السودان. بهذا يصل مجموع هذه الهجمات إلى أربع». وقال البيان إن الهدف هذه المرة هو مصنع «اليرموك» الذي وصفه البيان بأنه «منشأة معروفة تنتج فقط أسلحة وذخيرة بطرق مشروعة».

وتوقع البيان أن إسرائيل «ستقوم، بطبيعة الحال، بتلفيق كذبة أخرى لتبرير هذا العمل الفاضح والشائن». ودعا إلى إدانة «هذا العدوان، الذي لا مبرر له، بشدة».

ونفى البيان أي دور عدواني يقوم به السودان. وقال: «تاريخنا كسودانيين، وسجلاتنا في المجتمع الدولي، توضح أننا شعب يحب السلام». وأضاف: «يبين التاريخ أيضا أننا نقدر على أن نقف ضد العدوان». وأن السودان «يحتفظ بحق الرد على القتل العشوائي لمواطنيه».